أخيراً وبعد طول انتظار حظي المشاهد المصري بأمسيات تلفزيونية مصرية مختلفة عن تلك التي سيطرت على الشاشات الفضية طيلة تسعة أشهر مضت، حتى كادت تنافس المسلسلات التركية في تضخم عدد الحلقات لتصل إلى ما يزيد على الألف. أبطال الأمسيات لم يتغيروا، لكن يكفي تغيير الديكورات ومفردات الحوارات. فبعد أشهر «الحمل الثوري» التسعة ظهرت أولى بشائر «المخاض الانتخابي» ملقية بآثارها وتعقيداتها على محتوى ما تقدمه عشرات القنوات على اختلاف أطيافها. صحيح أن نسبة كبيرة من المرشحين كانوا ضيوفاً شبه ثابتين، وأن منظري وخبراء أشهر «الحمل الثوري» هم أنفسهم منظري «المخاض الانتخابي». وصحيح أن المواطن العادي الذي تستطلع التقارير مواقفه في شؤون التحرير الثوري وأوضاع العباسية المؤيدة للمجلس العسكري والنقمة على الأوضاع الاقتصادية والأمنية في كليهما هو نفسه الذي يدلو بدلوه في الانتخابات، إلا أن سيناريو مختلف طغت عليه روح التفاؤل التي ظلت تتضاءل وتتقلص مع مرور أشهر الحمل. الفضائيات المصرية الخاصة تتنافس في ما بينها في استعراض عضلاتها التقنية في تغطية الانتخابات التي تعد بالمقاييس السياسية والاقتصادية والإعلانية موسماً تلفزيونياً من الطراز الأول. فعلى مدى نحو شهرين، تستمر فعاليات الانتخابات التي تعني متابعة تلفزيونية مستمرة يتنافس فيها الأضداد لجذب المشاهد ومن ثم المعلن. الجميع سن أسنانه وشحذ كاميراته وجدد ديكوراته لهذا الموسم. فهذه قناة تستعرض عضلاتها التقنية باستوديو مستنسخ من قاعة مجلس الشعب، وذلك «توك شو» استعد بلجنة دائمة من المنظرين السياسيين بدوا أقرب ما يكون إلى معلقي مباريات كرة القدم الذين يرصدون «لعبة حلوة» من «الكتلة المصرية» في مقابل محاولة تسلل من «الحرية والعدالة» وهدف غير متوقع ل «الأصالة». وتحاول قنوات التلفزيون الرسمي المملوك للدولة قدر المستطاع مواكبة ركب التغطية التلفزيونية النارية الانتخابية، لكنها مازالت واقعة بين شقي رحى التقيد بالخط الرسمي للمسؤولين عن إدارة شؤون البلاد في المرحلة الراهنة في تغطياتها وحواراتها من جهة وبين محاولة التبرؤ من تهمة التبعية السياسية والفكرية لهم من جهة أخرى، وهي محاولة غير مجدية نظراً لعدم منطقيتها. لكنّ أغرب وأحلى ما في المشهد التلفزيوني الانتخابي جاء عبر البحار. التلفزيون النيجيري قال إن الانتخابات الحالية نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث. عدد من الفضائيات التركية أفرد بثاً حياً لبدء الانتخابات. وكما هو متوقع، تتنوع التغطية الفضائية العربية أو الأجنبية الناطقة بالعربية للانتخابات بين داعم للثورة وشاجب للانتخابات، وآخر ناقل للحدث بأقل كم ممكن من الإفصاح عن الرأي، وثالث داعم للمجلس العسكري ولكن بالإبقاء على شعرة معاوية مع ثوار التحرير تحسباً لتغير الأوضاع في «ميدان» مصر.