يبدو حبل البيروقراطية طويلاً داخل النظام التعليمي الحكومي، فالمعلم يراقبه مدير المدرسة، الذي يراقبه مكتب الإشراف، المراقب من إدارة التعليم في المنطقة، والأخيرة تخضع لرقابة وزارة التربية والتعليم، لتصب هذه التفاصيل والتعقيدات جام أخطائها على الطالب الضحية، الذي لا يملك حيلة ولا حولاً ولا قوة. ببساطة يشرح المواطن محمد العنزي سبب المشكلات التي يعاني منها الطلاب وأولياء أمورهم من وجهة نظره. من بين كل الحواجز والأخطاء، بدأت المخاوف على مستقبل الأبناء اليومي والاستراتيجي تتسرّب إلى أفئدة الآباء، فمن ضعف المستوى التعليمي المقدم، إلى رداءة المباني، وضعف الوسائل التعليمية، لتغذي هاجس الخوف على أبنائهم من مصير «خرج ولم يعد»، لديهم عوامل أخرى افتقار المدارس لآليات واشتراطات السلامة، والحوادث التي تقع تارة بعد أخرى، وحوادث السير التي باتت شبحاً يحاصر المعلمات والطالبات. مع حادثة مدرسة براعم الوطن في جدة، تجددت الهواجس، وسيطرت حادثة الحريق وما تبعها على حديث المجالس في المنطقة الشمالية، ليشتعل في النفوس قلق من يوم دراسي مجهول النهاية. أوقدت الحوادث المتلاحقة مخاوف محمد العنزي على ابنه وبنته اللذين يدرسان في الصفوف الابتدائية، فكان أحد الذين توجهوا لمدارس أبنائهم ليشاهدوا واقعها بأعينهم، صُدم كسواه بتهلهل المبنى الذي يدرس به نجله، يقول: «لم أكن أتوقع أن تكون عندنا مدارس بهذه الحالة المتردية، وشعرت بصدمة حينما رأيت مدرسة ابني متهالكة، ووضعها يصيب بالإحباط، ومستوى النظافة في ساحاتها وممراتها رديئاً». ويعزو العنزي المشكلة إلى الجهة المشرفة على المباني المدرسية، «المشرفون ليست لهم علاقة بالشؤون الهندسية في كثير من الأحيان، إضافة إلى البيروقراطية الشديدة التي تعطل أي قرار». ويضيف: «مخرجات التعليم رديئة، والطلاب متكدّسون في الفصول، وما يحصل في المدارس لا يدل إلا على شيء واحد، اللا مبالاة بالطالب ومستقبله، الذي يخرج في النهاية بعد 12 عاماً دراسياً بخُفّي حنين». ولا يستبعد عاطف هادي أن تقع في يوم من الأيام حادثة شنيعة أخرى، «فالمسؤولون في التربية لا يخرجون إلى المدارس إلا وبصحبتهم فلاشات التصوير، لتنطلق التصريحات التي ربما تُنسى بمجرد نشرها في الصحيفة». ويبدي هادي استياءه من الوضع التعليمي المتردي حالياً، ليصف الوزارة بأنها وزارة «يقولون ما لا يفعلون»، مشيراً إلى أن عدد الطلاب يتجاوز 25 طالباً في فصول لا تتجاوز مساحتها 20 متراً مربعاً، في بيئة خصبة للأمراض والعدوى. ويضيف: «الزحام الحاصل في مدارس المنطقة تسبب في انتشار الرعب في أوساط أولياء الأمور بعد هذه الحوادث التي انتشرت في المناطق»،. ولفت إلى أن الأهالي بدأوا يتخوفون على حياة أبنائهم في المدارس التي بدأ بعضها يلجأ إلى وضع قائمة انتظار من شدة الزحام الحاصل فيها، «ما يجعلهم يدفعون ضريبة حرص الإدارة على القضاء على المباني المستأجرة التي ينادون بها منذ فترة طويلة تزيد على 15 عاماً». من جهته، قال الباحث الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية الرمضي العنزي إن السلامة والوقاية مطلب رئيسي، وليس فقط في المباني التعليمية، بل في جميع بيئات العمل. وأضاف: «الكوارث لا ينظر لها على أنها طبيعية، بل هي حوادث نتيجة لعدم العناية والوقاية وسوء التخطيط والفساد الإداري»، متسائلاً: «أين وزارة التربية والتعليم عن الرقابة والمتابعة للوقاية والسلامة؟ أين الجهات المسؤولة عن ذلك في الوزارة؟ أين مخارج الطوارئ في المباني التعليمية؟ أين طفايات الحريق؟ أين فريق الأمن والسلامة؟ أين خطط الطوارئ التي تذكر في جميع الوزارات؟».