لم تندمل بعد جراح جدة بعد فجيعتين متتاليتين من جراء المطر والسيول حتى تفاجأ أهلها بفجيعة أخرى تحصد أرواح فلذات أكبادهم، كان الجو غائماً السبت الماضي منذ الساعة العاشرة صباحاً، وأهل جدة واضعين أيديهم على قلوبهم خوفاً من سقوط المطر إلا أن غيماً أسود مميتاً باغتهم من مدرسة «براعم الوطن» التي كاد حريقها يزهق كل البراعم البريئة المتفتحة لولا ستر الله الذي تدخل ليقلل الخسائر الجسيمة. وأي خسارة هذه التي لا تعدلها خسارة بعد فقد الأرواح التي كان من الممكن إنقاذها لولا تراكم عوامل الفساد الجاثمة على إداراتنا وأولها الإهمال، وعدم توافر شروط السلامة في كل المنشآت، خصوصاً المدارس التي هي عبارة عن حصون مدججة بالأسوار كأنها قلاع لمراقبة الأعداء والتحصن منهم، مع غياب الصيانة والمتابعة، أضف إلى ذلك عدم مراعاة مرافق السلامة من مخارج للطوارئ وإصلاح الأعطال الكهربائية من أفياش، ومراوح، وأسلاك، ومكيفات، وهذه منتشرة في مدارس البنات الحكومية في منطقة جدة قبل المدارس الخاصة، إذ إن قسم الصيانة التابع لإدارة تعليم المنطقة لا يرد على اتصالات المبلغين من مديرات، ووكيلات، إلا نادراً، أضف إلى ذلك ضعف الحمولات الكهربائية في بعض المدارس وهذه من أكثر الأسباب في اشتعال الحرائق. أما بالنسبة إلى سلوك التصرف أثناء حدوث أي خطر فهنا اسمحوا لي أن أقول: إن معظم الطالبات في حال الذعر لا يستطعن الالتزام بأي سلوك مهما حاولت المعلمات والمسؤولات تنظيمهن، ولا لوم عليهن في ذلك، ففي حال الخطر يغيب العقل كثيراً ويحضر التصرف العشوائي، أما مسألة لبس العباءة والغطاء فهذه بفضل تعميمات الوزارة، مقدسة لدى المديرات، والوكيلات، وبعض المعلمات، حتى لو كان الموت من الأمام والخلف فلا بد من التستر وكأن المنقذين قدموا للمعاكسة والترقيم، يذكر أنه في مدارس البنات الحكومية يوجد حارس واحد يقفل باب المدرسة ويتركها إما للذهاب إلى إدارة التعليم بالصادر والوارد، وإما لقضاء حوائجه، ما يقتضي ضرورة وجود مراسل مع كل حارس، ويؤمر الحارس بعدم مغادرة باب المدرسة منعاً باتاً. كدنا نتلقى صدمة أخرى بعد 24 ساعة من كارثة مدرسة براعم الوطن، إذ حدث التماس كهربائي يوم الأحد الماضي في المدرسة 171 الابتدائية، وهي مدرسة حكومية في الحي نفسه، ولا تبعد عن المدرسة المنكوبة سوى خمسة كيلومترات، ولولا يقظة الحارس وسرعة «بلاك بيري» في تبليغ أولياء أمور الطالبات لتكررت المأساة، أولم تتكرر بعد كارثة مدرسة مكة قبل سنوات، وقبلها كارثة مدرسة جلاجل؟ أصبحنا قدريين للدرجة المبالغ فيها، إذ ننسب كل شيء للقضاء والقدر، نعم نؤمن بالقضاء والقدر ولكن يجب الأخذ بالأسباب. ما ذنب هؤلاء الطالبات اللاتي احترقن، والمعلمات اللاتي رحلن، واللاتي ألقين بأنفسهن من النوافذ والأدوار العلوية المطلة على الشارع وتلقتهم أيدي الشباب والمنقذين الذين فرشوا السجاجيد، والبطاطين، بعد أن أعيتهم الحيلة في تسلق النوافذ. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف حال مدارس البنات الحكومية التي لا تشرف إلا على ساحة المدرسة نفسها وإن ألقين، لا سمح الله، بأنفسهن فسيقعن في الساحة وكلها مسورة وليس باستطاعة أحد تسلقها، حتى تلك ذات الأسوار الهابطة نوعاً ما، تجد عليها أسواراً إضافية من حديد؟ الآن يتطلب من وزارة التربية والتعليم بالتكاتف مع الدفاع المدني زيارة مدارس جدة للبنات، خصوصاً تلك التي تقع في جنوبجدة ومنها مدرسة ثانوية متهالكة قد تقع من تساقط المطر، ومنها مدارس تفتقد لكل شروط السلامة فادركوها. [email protected] twitter | @zainabghasib