تدخل المجلس العسكري في مصر بقوة لحلحلة الأزمة السياسية التي دخلت يومها السادس أمس، فنحَّى قوات الشرطة جانباً عن خط المواجهات في شارع محمد محمود القريب من ميدان التحرير، وفرض هدنة في هذا الشارع الذي تمركزت فيه المواجهات طيلة الأيام الماضية، كما قدَّم اعتذاراً عن سقوط ضحايا، وأكد معاقبة «المتجاوزين». وفي الغرف المغلقة، كثف المجلس مشاوراته لإعلان رئيس حكومة جديد، وتعهد إجراء الاستحقاق النيابي في موعده، لكن تنازلات الجيش تبقى أمام اختبار تظاهرات مليونية دعا نشطاء إلى تنظيمها اليوم، ستغيب عنها جماعة «الإخوان المسلمين» و «الجماعة الإسلامية»، للمطالبة بتسلم فوري للسلطة، وهو المطلب الذي اعتبره جنرالات الجيش خلال مؤتمر صحافي عقد أمس «خيانة للأمانة». وشهدت وسائل الإعلام ليلة أول من أمس حضور واسع لقادة المجلس العسكري، في مسعى لاحتواء غضب الجماهير. وقدم المجلس العسكري «أسفه واعتذاره الشديدين على سقوط شهداء من أبناء مصر المخلصين خلال أحداث التحرير الأخيرة»، متعهداً في بيان أمس «التحقيق السريع والحاسم لمحاكمة كل من تسبب في الأحداث، مع تقديم الرعاية الكاملة لأسر الشهداء وتقديم الرعاية الطبية للمصابين». وأعلن «فتح مستشفى عسكري ميداني في ميدان التحرير لتقديم الرعاية الطبية للموجودين»، مؤكداً أنه «يبذل كل الجهود لمنع تكرار مثل تلك الأحداث». ميدانياً، ألقى الجيش بثقله لفضِّ المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في شارع محمد محمود، والتي خلَّفت 38 قتيلاً وفق إحصاءات رسمية، إذ فرضت قواته هدنة طال انتظارها بين الجانبين، كما عزز من وجوده أمام مديريات الأمن في المحافظات التي شهدت اشتباكات، لكن السؤال ظل مطروحاً عن سبب تباطؤ الجيش في التدخل. وبدا أن المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد، يعوِّل على إجراء الانتخابات البرلمانية التي ستنطلق أولى مراحلها الإثنين المقبل لتخفيف حدة الضغوط عليه، فمن جهة سيخفف انشغال الساحة السياسية بالاستحقاق الانتخابي من التركيز على الأحداث في ميدان التحرير، كما أن العسكر يتحاشى الدخول في صدام مع القوى الإسلامية المصرِّة على إجراء الانتخابات في موعدها. وأفيد بأن نائب رئيس المجلس العسكري رئيس أركان الجيش الفريق سامي عنان التقى أمس الخميس عدداً من ممثلي الائتلافات الشبابية لم يُعرف منهم أحد. وأوضحت مصادر أن الاجتماع يأتي «في إطار الاستماع الجيد لمطالب الشباب ودراستها جيداً، ولتأكيد الشفافية، وأنه لا يهم المجلس سوى مصلحة مصر التي تهم كل المواطنين». وبالتزامن مع اللقاء كان عدد من أعضاء المجلس يجتمعون مع 15 من أصحاب وملاك الفضائيات والصحف الخاصة في إطار السعي إلى «تهدئة الخط الإعلامي لها»، وفق المصادر. وتعهد المجلس العسكري إجراء الانتخابات في موعدها. وأكد عضو المجلس اللواء مختار الملا أن الأمن والقضاء جاهزين لإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها، داعياً المصريين إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع. وعلى النهج نفسه، سار رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات المستشار عبدالمعز إبراهيم الذي أكد أن اللجنة لديها القدرة الكاملة على تحمل مسؤولية حماية إجراء الانتخابات من أي تلاعب، وأنها «تضمن عبور المرحلة الحالية من النظام الديكتاتوري الفردي إلى نظام ديموقراطي لبناء دولة ديموقراطية سليمة، ووضع دستور يمثل جميع الفئات ويلبي حاجات الشعب المصري». وأشار إبراهيم إلى أن «القضاة جميعهم مؤمنون بأنهم أهل لتحمل المسؤولية وأنهم حماة العدالة في مصر وجميعهم لديهم القدرة على تأمين الانتخابات من أي تلاعب»، نافياً ما تردد عن تقديم ما يزيد على 300 قاضٍ اعتذاراً عن الانتخابات، موضحاً أن كل من تقدم بالاعتذار هم 35 قاضياً فقط لأسباب مرضية. وجاءت تصريحات الملا وإبراهيم في مؤتمر صحافي مشترك حضره عضو المجلس العسكري اللواء ممدوح شاهين ومدير إدارة الانتخابات في وزارة الداخلية اللواء رفعت قمصان، تطرقت إلى الحديث عن الأحداث التي شهدها ميدان التحرير والاستعداد لإجراء الانتخابات النيابية. ودافع الملا عن الشرطة، مؤكداً أنها «تؤدي دورها في الدفاع عن وزارة الداخلية ضد محاولات اقتحامها»، لكنه أقر بوجود تجاوزات «ستتم محاكمة المتورطين فيها». وقال إن «ضباط الشرطة والجنود متمركزون حول الوزارة من الخارج لحمايتها ولا يتحركون، إنما ينتقل إليهم المهاجمون، وإن القانون يكفل لهم الدفاع عن أنفسهم وحماية الوزارة واستخدام ما هو أكثر من القنابل المسيلة للدموع والذخيرة الحية، لكنهم يستخدمون فقط القنابل المسيلة للدموع طبقاً للضوابط العالمية»، على رغم أن معظم القتلى سقطوا في قلب ميدان التحرير وفي شارع محمد محمود الذي يبعد عن مبنى الوزارة ثلاثة أضعاف بعده عن الميدان. ودافع الملا عن سياسات المجلس العسكري، مشدداً على أن «العلاقة بين المجلس العسكري أو القوات المسلحة والشعب لم تتدهور»، لافتاً إلى أن «معظم الشعب المصري يمنح ثقته المطلقة في الجيش، لأنه لا توجد قوة تحميه الآن في الداخل والخارج سوى القوات المسلحة». واعتبر أن «تخلي المجلس عن مسؤولياته في هذه المرحلة خيانة للأمانة». وعبّر عن أمله في أن يتم تشكيل الحكومة قبل إجراء الانتخابات، نافياً التدخل في اختيار الوزراء، موضحاً أن دورهم هو اختيار رئيس الحكومة الذي سيختار أعضاء حكومته، وأن المجلس العسكري أجرى أول من أمس اتصالات عدة بالقوى السياسية لاختيار رئيس الحكومة الجديد لتنفيذ المهمة الرسمية باختيار رئيس الحكومة، معتبراً ذلك «هدفاً قومياً». وأكد أن «وزارتي الدفاع والداخلية عقدتا سلسلة من الجلسات لتأمين الانتخابات من خلال خطة واضحة المعالم»، مطالباً المرشحين والناخبين والأحزاب «بالتكاتف والتعاون لتأمين الانتخابات». ولفت إلى أن «القوات المسلحة لن تسعى إلى إطلاق النار على المتظاهرين... مصر ليست ميدان التحرير ولا محمد محمود. والشرطة والشعب والقضاة قادرون على تأمين الانتخابات». في المقابل، يستعد ميدان التحرير لاستقبال مليونية جديدة اليوم، كان ناشطون دعوا إليها للضغط باتجاه تخلي المجلس العسكري عن السلطة، وتسليمها إلى حكومة إنقاذ وطني واسعة الصلاحيات، وهي التظاهرات التي رفضت جماعة «الإخوان» و «الجماعة الإسلامية» المشاركة فيها، فيما أعلن سلفيون آخرون نزولهم. وبدا أن التيار السلفي يسعى إلى دور في ترتيبات المرحلة الانتقالية، إذ شدد الناطق باسم «حزب النور» السلفي يسري حماد على «ضرورة عدم تهميش التيار السلفي في الحكومة الجديدة»، داعياً إلى «حكومة توافقية تضم كل أطياف المجتمع، وتعبر عن مطالب الثورة على ألا يمثل فيها أعضاء في الحزب الوطني المنحل». وأعلن مشاركة حزبه في تظاهرات اليوم ل «الحفاظ على دماء شعب مصر، ووقف الصدام بين الشرطة والشعب، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لها الصلاحيات كافة»، مشيراً إلى اجتماع من المفترض أن يكون عقد مساء أمس بين القوى السياسية «للوصول إلى رؤية توافقية لإنهاء الأزمة قبل تسليمها إلى المجلس العسكري». وأعلنت القوى الثورية في ميدان التحرير خريطة طريق لإدارة الأزمة وتسليم السلطة في موعد غايته 15 أيار (مايو) المقبل، بهدف الحفاظ على الوطن واستقراره، وحقناً لدماء أبنائه، وسرعة وقف العنف والانتهاكات التي ترتكب في حق الشعب. وأكدت تلك القوى في بيان مشترك «استمرار الثورة إلى حين نقل كامل السلطة لحكومة منتخبة وبرلمان ورئيس منتخبين ومن دون وصاية من أحد في المواعيد المشار إليها». ودعت الشعب المصري إلى تظاهرات اليوم في ما أسمته «جمعة حق الشهيد وإنقاذ مصر». وتضمنت خريطة الطريق أربعة مطالب في مقدمها «إصدار قرارات فورية بالقبض على القتلة، ومن أعطى الأوامر بإطلاق النيران والغاز، ومحاكمتهم فوراً وعزل جميع القيادات التي تورطت في هذه الأحداث من الشرطة والجيش، والوقف الفوري لأعمال العنف والتصعيد أو التصدي للمعتصمين في ميادين التحرير على مستوى الجمهورية. وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تمتلك صلاحيات كاملة لإدارة المرحلة الانتقالية، وتقليص صلاحيات المجلس العسكري لتقتصر على الدفاع عن الوطن والمشاركة في توفير الأمن للوطن والمواطنين من طريق تكليف أحد الأسماء التي سيقوم الثوار بطرحها لتشكيل الحكومة وتسليم كامل السلطة لسلطة منتخبة في موعد غايته 15 أيار المقبل». ودعا إلى قيام حكومة الإنقاذ الوطني بإصدار إعلان دستوري يتضمن مواعيد الانتخابات الرئاسية، والعلاقة بين السلطات، وإلغاء مجلس الشورى لتوفير الوقت لإجراء انتخابات الشعب والرئاسة مع إمكانية تأجيل انتخابات الشعب لمدة أسبوعين. وقال الناطق باسم «الإخوان» محمود غزلان إن الجماعة لن تشارك في مليونية اليوم. وأثنى على التوصل إلى تهدئة بين المتظاهرين وقوات الشرطة. وزاد ل «الحياة» أن «التهدئة هي ما كنا نسعى إليه من فترة وتم الاتفاق على إيقاف العدوان، على الأقل من ناحية الشرطة». واعتبر أن «الأزمة مفتعلة وما كان لها مبرر على الإطلاق». وقال إن «مجموعة معتصمة سلمياً للتعبير عن رأي، ولم يكن هناك داع للعدوان عليها»، مستغرباً إقدام قوات الشرطة والجيش على إخلاء ميدان التحرير أكثر من مرة ثم تركه للمتظاهرين بعد مشاهد استفزاز واستعداء الناس، «ما يوحي بأن العملية مفتعلة ولم يكن لها مبرر إلا لغرض في نفوس من فعلوها». وأوضح أن جماعة «الإخوان» تؤيد خريطة الطريق المطروحة حالياً لنقل السلطة عبر انتخابات تشريعية تليها انتخابات الرئاسة، مستبعداً أن تكون الأحداث أثَّرت في الحملات الانتخابية للمرشحين. وعلى النهج نفسه، سارت «الجماعة الإسلامية»، إذ أوضح الناطق باسمها محمد حسان أن اجتماعاً من المفترض أن يكون عقد مساء أمس لتدارس الأمر، وإن كان «الاتجاه الأقرب هو عدم المشاركة»، مشدداً على «ضرورة التركيز في العملية الانتخابية التي تعد أولى خطوات تسليم السلطة». وقال الأمين العام لحزب «التجمع» سيد عبدالعال إن حزبه وحزبي «المصريين الأحرار» و «التحالف الشعبي الاشتراكي» يقترحان إبدال المراحل الانتخابية، بحيث يتم إبدال المرحلة الثالثة بالمرحلة الأولى بما يتيح إرجاء الانتخابات في محافظتي القاهرة والإسكندرية اللتين تشهدان توترات. وأشار رئيس «التحالف الشعبي» عبدالغفار شكر إلى أن الأحزاب الثلاثة وجهت رسالة بهذا المعنى إلى المجلس العسكري.