أبدأ بهذا المشهد: أزيلت وجوه النساء من الدعايات والملصقات المرفوعة في الشوارع. ظهرت دعاية لثياب نسائية شتوية من دون رأس المرأة. طليت وجوه النساء في الدعايات بالأسود. تطوف عصابات من المتشددين في الشوارع لتخريب الدعايات التي تظهر صوراً لنساء. رئيس البلدية العلماني في حرب مع المتدينين المتشددين. المشهد السابق ليس في أي مدينة عربية محافظة أو بلدة، إنما هو في القدس، ورئيس البلدية هو الإسرائيلي العلماني نير بركات الذي يخوض حرباً ضد اليهود الحراديم المتطرفين. أبشروا يا عرب. صاروا مثلنا. مَن عاشر القوم 40 يوماً صار منهم وإلا رحل عنهم. هم لا يعتزمون الرحيل... طوعاً، وبعد 60 سنة لا 40 يوماً، صاروا من نوع المتشددين في بلادنا. كانت إسرائيل تحتل المركز 36 في مؤشر المساواة بين الجنسين عام 2007، وقد هبطت إلى المركز 55 هذه السنة. والمتشددون من المتدينين يحاولون الفصَل بين الرجال والنساء في أماكن العبادة، ومراكز الاجتماع المفتوحة مثل مكاتب البريد ومطاعم البيتزا والمتاجر والملاعب. وبلغ الأمر في ضاحية مياشيريم من القدس، وهي للمتدينين اليهود، أن مُنِعتَ النساء من النزول إلى الشوارع على رغم أن المحكمة العليا أباحت ذلك. هم صاروا مثلنا في التخلف واضطهاد النساء، واليهود الحراديم الذين يتكاثرون بنسية عالية جداً، حتى تكون عربية، صاروا غالبية في إسرائيل، وهم يجرونها نحو التطرف والانغلاق الديني. وجه المرأة عورة في مذهبهم. وهم يمنعون النساء من الغناء، إلى درجة أن تسعة مجندين متدينين انسحبوا من حفلة عسكرية غنّت فيها مجندات، وبعضهم رفض الاعتذار وسجِن. ورد العلمانيون بإحياء حفلة في حيفا غنت فيها نساء إلى جانب الرجال. في سوء ما سبق تسونامي قوانين جدلية أمام الكنيست، والعبارة هذه ليست مني، بل من جريدة «إسرائيل هايوم»، وقرأت أيضاً عن يوم أسود للديموقراطية في إسرائيل، وكان هذا الكلام في «يديعوت أخرونوت». وقرأت أخباراً مماثلة وعناوين في لوس أنجليس تايمز» و «هفنغيتون بوست». صحف إسرائيل والعالم كانت تعلق على إصدار الكنيست قانوناً يحد من التبرعات الخارجية، من حكومات ومنظمات، لجمعيات السلام الإسرائيلية، وهو قانون يستهدف في الأساس «بتسلم» وعدالة، والمدعي العام نفسه قال:» إن القانون هذا يعارض حرية الكلام وحرية التجمع». واعتبرته «يديعوت أخرونوت» صادراً عن «مجموعة جبناء»...و «يمثل قمة جديدة للرياء». في موضوع مشابه، نشرت «نيويورك تايمز» خبراً عنوانه «هجوم على حرية الرأي في إسرائيل» موضوعه المجندة أنات كام التي حكِم عليها بالسجن أربع سنوات ونصف سنة، بعد أن دينت بتسريب 100 وثيقة من أصل 2085 وثيقة عسكرية سرية حصلت عليها بعدما ساورتها شكوك في أن قادتها العسكريين يرتكبون جرائم حرب. واعتبرت الجريدة الأميركية التي يملكها يهود أن إدانة المجندة اعتداء على حرية الرأي في إسرائيل. ولا بد أن هذه الجريدة ستجد سبباً آخر للانتقاد بعد أن أصدر الكنيست قانوناً يحد من حرية الصحافة. وكانت الجريدة ذاتها نشرت قبل شهرين مقالاً للبروفسور الإسرائيلي كارلو سترنغر عنوانه «شركاء نتانياهو، أعداء الديموقراطية»، جاء فيه أن:» القانون الذي يمنع الفلسطينيين من إحياء ذكرى النكبة سيفقِد إسرائيل صفتها الديموقراطية». وقد بدأ الفرع الأميركي في جماعة «السلام الآن» يهاجم التطرف الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة نفسها، ما جعل النائب الليكودي أوفير اكونيس يقول إن: «السلام الآن» حركة تعمل «ضد الصهيونية وضد إسرائيل». المجتمع الإسرائيلي الذي حمل اليهود الأشكناز إليه ليبرالية أوروبا، أصبح واقعاً بين سندان حكومة متطرفة ومطرقة متشددين دينيين، وإلى درجة أن يشبه الولايات الجنوبية الأميركية أيام حملة الحقوق المدنية في الستينات. وبعد نصف قرن على العنصرية ضد السود في أميركا، حاول شبان فلسطينيون كسر جدار العنصرية الإسرائيلية ضدهم فنظموا ما سمي «ركّاب الحرية» وصعدوا في باص للمستوطنين في مستعمرة بساجون، واعتقل سبعة منهم على حاجز حزما. أبشروا يا عرب، قرب الفرج، فيهود إسرائيل صاروا مثلنا. [email protected]