في مصر، مزيد من الدماء والخوف والأمل. وتيرة التحدي والقتل في «ميدان التحرير» في القاهرة، وجهت رسالة الى المجلس العسكري بأن الوقت حان لعودة الجيش الى الثكن، وبأن رصيده في حماية «ثورة 25 يناير» التهمته أخطاؤه في إدارة البلد. وإذا كانت حكومة عصام شرف أبرز ضحايا تلك الإدارة، فإصرار المحتجين أمس على غلّ يد المجلس، فيما كانوا يستميتون في محاولات لتطويق وزارة الداخلية، ضاعف القلق لدى بعض المصريين من قدرة شباب الثورة والأحزاب والقوى المتعاطفة معهم، على إيجاد البديل في خمسة أيام، ليتسلم كفة الإشراف على الانتخابات النيابية. صراخ التحدي في ميدان التحرير بعد ساعات على قبول رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي الاحتكام الى استفتاء شعبي لنقل السلطة «فوراً»، يذكّر برد الشارع على التنازلات المتأخرة التي قدمها الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولم تشفع له. وبين المحتشدين في الميدان مَن اعتبر أن قبول الاستفتاء «إذا اقتضت الضرورة» هو مجرد مناورة أخرى تعزز الشكوك في نية المجلس تسليم السلطة، فيما المواجهة المحتدمة لفرض حكومة إنقاذ وطني، ترخي تساؤلات حول القدرة على بدء الانتخابات النيابية بعد خمسة أيام. وبعيداً من التسريبات الإسرائيلية حول «خيبة» من سقوط المجلس العسكري في «مصيدة الإسلاميين والسلفيين»، وادعاء سعيه الى تأجيل الاقتراع الأول بعد الثورة لإبعاد شبح هيمنة «الإخوان المسلمين» على مقاعد مجلس الشعب، لا تبدو الأحزاب والنخبة السياسية الجديدة بريئة من الأيام التي تهزَ الثورة. وإن كانت صورة «أم الدنيا» من الخارج، تبدو مفعمة بآمال «الثورة الثانية»، بعد الزواج العسير بين ثورة 25 يناير والمجلس العسكري، فبين المصريين في الداخل مَن بات يخشى نفقاً من الدماء، وثمن استعداء العسكر. لا أحد يمكنه إنكار الخطأ القاتل لصدقية المجلس العسكري الذي تريّث شهوراً ليقر قانون العزل السياسي لجماعة النظام السابق، ولم يقدِم على هذه الخطوة إلا مرغماً تحت ضغط الشارع، مثلما فعل في قضية المحاكمات العسكرية لمدنيين. لكن وقائع الأيام التي تهز الثورة لا تلغي علامات استفهام كبرى يغطيها صخب المواجهة مع الشبان، في حين تحجب دماؤهم أولوية التهدئة لضمان بدء التصويت في موعده في 28 الشهر الجاري... وضمان بدء مسيرة الدولة الديموقراطية. بين علامات الاستفهام توقيت المواجهة، وامتناع «الأخوان» عن المشاركة في «مليونية» الإنقاذ، وإن أفسح في المجال لإظهار القاعدة الشعبية للقوى الليبرالية والعلمانية... فلم يعد همساً اتهام الجماعة بالرغبة في استدراج الجيش الى صدامات مع المحتجين من دون أن تتحمل وزرها، وأن الهدف الأول هو شطب أي احتمال لمفاجأة من نوع ترشح المشير طنطاوي للرئاسة. هي إذاً «محاولة لتوريطه» يرد «الإخوان» بعكسها. وإن أُخِذ على المجلس العسكري تلكؤه في حسم قضية محاكمة مبارك ونجليه وأعوانه، ففي القاهرة أيضاً من يتهم بعض رموز النخبة «الصاعدة» بتضليل المجلس وخداعه بنصائح ملغومة حول إدارة المرحلة الانتقالية. وأما الحديث عن انقسام قوى الشارع والميدان، وتهافت الأحزاب على الصعود والحصص، فليس بعيداً منه طعن «حركة 6 ابريل» في تمثيل قوى سياسية لميدان التحرير، دعاها المجلس الى الحوار، وتعهد تشكيل حكومة إنقاذ. سيناريو آخر لأيام «الحسم» قبل الانتخابات، يعود الى ضيق القوى غير الإسلامية وأحزاب الثورة بعاقبة «تواطؤ صامت» بين المجلس وجماعة «الإخوان»، ما زالت هذه الأحزاب مقتنعة به، وتعتبر أن من شأنه تسهيل الغالبية لهم في مجلس الشعب، في مقابل ضمان استمرار نفوذ مؤسسة الجيش، ومصالحها. وأما المتشائمون بمسار أيام المواجهة، ممن يتساءلون عمّن يدير دولةً بحجم مصر إذا انسحب العسكر الآن إلى ثكنهم، فيستبعدون فتح مراكز الاقتراع إن لم تُشكّل حكومة الإنقاذ خلال ساعات. والحال، إذ تتآكل هيبة الجيش كلما سقط مزيد من الضحايا، وعجِزَ المجلس الأعلى عن حماية المتظاهرين، أن كل الأحزاب تتقاسم معه مسؤولية جرّ مصر إلى النفق الكالِح، منذ تراخت في تحديد ساعة المواجهة لإنقاذ الثورة... فسقطت أيضاً في فخ التباطؤ للتشاطر.