يقول المثل الفرنسي «ابحث عن المرأة»، ويبدو أن هذا ينطبق على الروائي الألباني المعروف اسماعيل كاداريه بعد مغادرته ألبانيا الى فرنسا في خريف 1990، حيث زادت شهرته هناك على حساب زوجته الروائية المعروفة في العالم الألباني هيلينا كاداريه. وكانت هيلينا المولودة في 1943 برزت في نهاية الخمسينات من القرن الماضي بقصصها ثم تحولت الى الرواية بعد زواجها بإسماعيل كاداريه في 1960 لتصدر في 1970 روايتها الاولى «ولادة عسيرة»، التي كانت أول رواية لامرأة في الادب الالباني. وبعد ذلك اشتهرت هيلينا أيضاً خارج ألبانيا إذ ترجمت أعمالها الى اللغات الاوروبية. ولكن بعد لجوء اسماعيل كاداريه الى فرنسا وانتشار أعماله أكثر في العالم، خفّ صوت هيلينا الابداعي ليتبين الآن انها أخذت منذ 1996 في كتابة مذكراتها عن تجربتها الحلوة والمرّة مع اسماعيل كاداريه، سواء على المستوى الابداعي أو على المستوى الانساني. كان التحدي في مجتمع ألباني جديد خارج من الشرق كيف يمكن المرأة أن تثبت نفسها في ألبانيا الخوجوية التي كان شعارها المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وكيف يمكن هذا أن يتحقق لروائية شابة متزوجة بأهم روائي في ألبانيا آنذاك. بعد طول صمت وصبر خرجت هيلينا كاداريه بمذكراتها «وقت غير كاف» (500 صفحة منها 40 بصور نادرة) عشية افتتاح معرض الكتاب الألباني في تيرانا مطلع الشهر الجاري لتخطف الاضواء وتثير الكثير من الفضائح عن العلاقات النسائية لكاداريه، وهو ما تسبب في رفع قضايا في المحاكم كما هو الامر مع الممثلة السابقة والنائبة الحالية في البرلمان الألباني رايموندا بولكو التي رفعت قضية ضد الكاتب الصحافي كاستريوت مفتاري الذي «ترجم» بعض ما ورد في مذكرات هيلينا من التلميح الى التصريح. ولا شك في أن توقيت صدور هذه المذكرات عشية افتتاح معرض الكتاب في تيرانا كان مناسباً حيث تدافع الزوار للحصول على نسخة منها بتوقيع المؤلفة التي جلست أمام صورة كبيرة لزوجها اسماعيل كاداريه. وبسبب هذا الإقبال الكبير على الكتاب منحت هيلينا كاداريه أعلى جائزة تمنح في كل معرض وهي «كاتب العام». ومن المثير أن هذه المذكرات كتبت في فرنسا بمعايير ثقافية غربية تناسب ذلك المحيط، وبخاصة في ما يتعلق بالمغامرات النسائية لإسماعيل كاداريه، وحتى أنها صدرت أولاً بالفرنسية خلال 2010 ولكنها لم تكن كذلك في مجتمع ألباني كان جزءاً من الشرق طوال قرون ولا يحتمل بعد ثقافة البوح والمكاشفة. وفي الواقع أن الصدى الكبير للمذكرات لا يتعلق فقط بالجانب الثقافي بل بالجانب السياسي أيضاً، لأن الرأي العام منقسم حول اسماعيل كاداريه بسبب علاقته السابقة بالنظام الشمولي ولجوئه في اللحظات الاخيرة التي سبقت سقوط النظام الى فرنسا. في هذه المذكرات تكشف هيلينا الكثير من الجوانب الايجابية في علاقتهما الابداعية والانسانية والاجتماعية مع المحيط الذي كان يختلف من حين الى آخر بتغير النظام (الشمولي والديموقراطي) والمكان (ألبانيا وفرنسا). وفي هذا السياق تكشف هيلينا انها انشغلت أكثر مع اسماعيل بعد لجوئه الى فرنسا، حيث بقي يكتب رواياته بخط اليد وبقي عليها أن تطبعها له، وهو ما جعلها تكشف بعض التفاصيل التي أثارت حاستها السادسة كأنثى. وفي هذا السياق، توضح كيف اكتشفت فجأة العلاقات النسائية لإسماعيل الذي كانت تحبه وتعتقد انها الانثى الوحيدة في حياته، وكيف أن أهم الشخصيات النسائية البطولية في رواياته كانت تستلهم شخصيات حقيقية كان على علاقة معها من دون علم هيلينا. ومن هذه العلاقات تركز على اثنتين منها كانت تشكل كل واحدة صدمة سواء بالنسبة الى اكتشافها أو الى تبرير اسماعيل لها. ففي الحالة الاولى كان الامر يتعلق باكتشافها علاقة حميمة لإسماعيل مع ابنة مسؤول كبير في النظام الشمولي. وهنا توضح هيلينا أن في نظام أنور خوجا (1945-1985) لم يكن يسمح بالمرة في الحلقة الضيقة في رأس النظام بمثل هذه العلاقات خارج الزواج، بل إن من يتورط في ذلك (نتيجة المراقبة الصارمة لجهاز الامن الالباني) كان يمكن أن يعرّض نفسه لأسوأ عقاب، ولكن النظام الشمولي كان «يتساهل» في ذلك مع الكتاب والمثقفين. وبمقدار ما كان اكتشاف هيلينا لهذه العلاقة يشكل صدمة، كان تبرير اسماعيل لها يمثل صدمة أخرى: برّر اسماعيل ذلك بأن ابنة ذلك المسؤول كانت «منشقة» وبذلك كانت تسرّب له بعض الكتب والأخبار التي كان بحاجة اليها. أما الحالة الاخرى فجاءت خلال زيارة لهما الى كوسوفو في 1980 اذ اكتشفت هيلينا أن شعبية اسماعيل هناك أكثر من شعبيته في ألبانيا. دعاهما الكاتب الكوسوفي حازم شكريلي الى غداء في بلدة ديتشاني القريبة من الحدود مع ألبانيا حيث تعرف اسماعيل هناك إلى أستاذة للأدب الالباني في جامعة بريشتينا مع طالبة لها لينتهي الامر بقضاء اسماعيل ليلة رومانسية مع الطالبة في الغابة المجاورة. وعندما اكتشفت هيلينا ذلك، برّر لها اسماعيل الأمر بأنه جاء ضمن التقارب المتزايد بين الشعبين الشقيقين ألبانيا وكوسوفو ولم يبق له كما تقول هيلينا سوى أن يقول إن ذلك «كان من اجل ألبانيا الكبرى». ومن ناحية أخرى تكشف هيلينا بعض التفاصيل عن رحلاتهما عبر العالم وبخاصة الى الغرب الذي كان بعيداً جداً عن البانيا الخوجوية وهي رحلات لا تخلو من المفاجأة. تكشف عن أكثر من محاولة للتعرض لزوجها، ومن ذلك أن بعض الالبان المسلمين المتشددين أثاروا خلال زيارته لنيويورك في 1997 مواقف اسماعيل كاداريه من الاسلام وطلبوا فتوى تبرر قتله. وصل الامر بهؤلاء أن يتوجهوا لطلب هذا الفتوى من طهران التي ردت بأن للألبان مرجعية يجب أن يعودوا اليها (الجماعة الاسلامية في بريشتينا)، وهي التي رفضت مثل هذه الفتوى. مذكرات هيلينا كاداريه «وقت غير كاف» جعلتها خلال أيام تعود الى الاضواء وتحصل على جائزة «كاتب العام»، ولكن ذيولها تشبه الحجر الملقى في البركة الراكدة التي تتسع دوائرها باستمرار لتثير النقاش والخلاف بين مؤيد ومعارض لما ورد فيها.