كأي عربي، تابعت باعتزاز كبير الإنجاز التاريخي الذي حققه منتخب لبنان أمام البعبع الكوري الجنوبي وتأهله إلى الدور القادم من تصفيات مونديال 2014.. ولا أعتقد أنّ هناك -ولو من اللبنانيين- من كان يراهن على بلوغ هدف كان بعيداً جداً، لأنّ ما رسخ في أذهان الناس أن لبنان الذي أنجب الريحاني والرحباني وجبران ومي ومطران وفيروز ووديع وماجدة وغيرهم من رموز الإبداع.. وأن لبنان الذي كادت تغتاله الطائفية في ساعة غفلة من حكامه وحكمائه، لا يمكنه أن يفرح خارج الميجنا، ولا يمكنه أن يرقص خارج الدبكة.. لتظهر كوكبة من شباب لبنان، كسرت حاجز التفوق الكروي الأصفر، وأوقفت زحف الانتصار الخليجي الدائم، وحققت للبنان فرحة كبرى لم يحلم بها أبداً.. تابعت المباراة أمام كوريا الجنوبية، ولا أعرف كيف وجدتها شبيهة بمباراة الحسم بين الجزائر ومصر بأم درمان (نوفمبر 2009) إذ أن رفاق اللبناني رضا عنتر، لعبوا بروح الجزائري يحيى عنتر، بلباس أبيض بينما كان المنافس بلباس أحمر، مثلما كان منتخب مصر، وعلى أرضية ملعب لا تختلف كثيراً عن أم درمان، وأمام الآلاف التي لم يتوقف هتافها، لأنها أرادت أن تكون سنداً لفريق لا يؤمن بغير الفوز.. لقد جاء هدف علي السعدي الأوّل بالطريقة نفسها التي سجّل بها عنتر في شباك عصام الحضري، والتعبير عن الفرحة بذات الطريقة أيضاً.. واستمرّت المقاومة والاستماتة من أجل الحفاظ على الانتصار حتى الدقيقة 64 كما كان الشأن بالنسبة للجزائر أمام الفراعنة.. لقد حقق اللبنانيون حلماً انتظروه عقوداً، بعد حرب أهلية مدمّرة، وحقق الجزائريون حلم بلوغ المونديال بعد أن مروا بأزمة دامية، وخرجت الآلاف إلى شوارع بيروت ومدن وقرى لبنان، مثلما فعل الجزائريون حين فجّروا فرحتهم في كل مكان.. قد تكون هذه المقاربة فيها بعض المبالغة، لكنني هكذا قرأت مشهد انتصار لبنان بعد عامين من انتصار الجزائر، مع فارق يتعلّق بالمنافس.. إنّ اللبنانيين من حقهم أن يبتهجوا بميلاد هذا الفريق الرائع، وأن ينزلوا لاعبيه منزلة الفنانين الذين يخرجون من بيت سيمون أسمر أو أكثر (..)، فقد نجحوا في أن يكون لبنان الحصان الأسود الذي أفسد أعراس منتخبات باعت جلد الدب قبل صيده.. ومن حق اللبنانيين أن يؤسسوا على هذا التألق، بطولة احترافية أو شبه احترافية، تبعد اللبنانيين عن فكرة مناصرة منتخبات الشرق والغرب، والاعتزاز بمنتخب لبنان لا غيره.. فاللبنانيون المشهود لهم بالنجاح في التجارة والفن والإبداع، قادرون على صناعة منتخب يرفع علم لبنان عالياً في زمن انحسار الطائفية وانتعاش الوطنية، ولهم أن يعيدوا مشاهد مباراة كوريا الجنوبية ليقرأوا مستقبل لبنان جيداً، في «ربيعه الكروي»، ولم تخطئ إحدى الصحف حين قالت، لقد «غسل فوز لبنان التاريخي على كوريا الجنوبية الكثير من ذنوبنا وخطايانا المتراكمة، وكأنه كان بالدرجة الأولى فوزاً على سنوات طويلة من العفن الداخلي». إنّ منتخب لبنان الجديد مطالبٌ بألاّ يشعر أنّه أنهى المشوار، وهو في بدايته، وألاّ تمتد إليه مشاعر الغرور، فيعود إلى نقطة الصفر، لأنّ الأصعب من بلوغ القمة هو البقاء فيها.. ولبنان الذي ينعت بصغر مساحته، بدا كبيراً بإنجازه الكروي الخارق، فليفكّر القائمون عليه بتمتين أسس المنتخب والدوري، وتشجيع اللاعبين على تطوير أدائهم بمزيد من الاحتراف في أندية مؤهلة لذلك.. ومبروك للبنان وشبابه. [email protected]