يسلّم خصوم النظام السوري معه في مقولته بأن سورية ليست ليبيا، وليست تونس ولا العراق ولا مصر ولا اليمن. ولهذا السبب يخوض هؤلاء الخصوم، المحليون والوطنيون والخارجيون، مواجهتهم مع النظام بأسلوب مختلف عن ذاك الذي استخدموه في ليبيا وتونس واليمن والعراق وغيرها. إلا ان النظام ما زال مصراً على «اتهام» هؤلاء الخصوم بأنهم يسعون الى التعامل مع سورية مثل تعاطيهم مع التجارب الأخرى. يكشف هذا الإصرار السوري عن استغراق النظام في وسائل التفكير وأدوات التحليل القديمة وعدم التنبه الى ما هو جديد في المواجهة وأبرزه أن الأزمة السورية هذه المرة داخلية أساساً. وما هو خارجي منها لم يكن ليظهر، بعد التطبيع الغربي والعربي مع نظام دمشق خلال عامي 2009 و2010، لولا انتفاضة السوريين. لم يستوعب أركان النظام السوري أن ما يعيبونه على الآخرين لم يعد صالحاً للاستخدام. الغرب والجامعة العربية يتعاطيان مع الأزمة السورية بشكل مختلف عن تعاطيهما مع ليبيا واليمن وتونس ومصر والعراق، لكن النظام هو الذي يتعاطى مع أزمته مثلما تعاطت الأنظمة في ليبيا وغيرها مع ثورات شعوبها فحصدت الانهيار. وهذا يعني أن ما يعيبه النظام السوري على الخصوم مجافاةً للواقع، يقع فيه هو، فيخطئ الحساب ويسيء التقدير وتسقطه المكابرة في الخيبة تلو الأخرى، مثلما حصل ازاء قرار الجامعة العربية الأخير في القاهرة، ثم أول من أمس في الرباط وقبلهما سلسلة من التراجعات في موقع سورية في علاقاتها مع 3 دول شكّل تحالفها معها منصة الانفتاح الدولي عليها هي فرنسا وتركيا وقطر. وعدم ادراك لا جدوى السياسات السابقة يقلب المعادلة التي يحذر منها النظام. فهو يكرر التجربة الليبية في حين يجترح الغرب والعرب أساليب أخرى لا تستنسخها. ذلك ان «الربيع العربي» الذي ستبقى تداعياته تتوالد لسنوات، جعل المنظومة العربية تتغير، بل وضع العالم على سكة التغيير في تعاطيه مع هذه التداعيات ليبدأ التفكير بتكييف سياساته تجاه المنطقة، فضلاً عن تأثيرات عدوى الثورات الشعبية على مجتمعاته وأزماتها الاقتصادية... وعلى الموقف من القضية الفلسطينية. ولهذا حديث آخر. لكن أنظمة الاستبداد لا تعترف بالتغييرات الحاصلة. وما ينطبق على النظام السوري ينطبق على حلفائه في لبنان. فالتشبث بالسلطة يقود الى التوهم بالقدرة على استخدام «الأوراق» التي يردد النظام ومعه هؤلاء الحلفاء أنهم يمتلكونها ويمكنهم استخدامها كما في السابق، فيما التحولات الاقليمية الناجمة عن الربيع العربي تضيّق هامش هذا الاستخدام، هذا إذا لم تكن تعدمه، الى درجة بات كثيرون يعتقدون أنه بدلاً من أن تستخدم سورية «الساحات» الأخرى، باتت هي «الساحة». فمقابل مناشدة الحلفاء اللبنانيين للنظام، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يتدخل من أجل الحل في سورية، (رئيسا الجمهورية ميشال سليمان، والمجلس النيابي نبيه بري والعماد ميشال عون) هل يُعقل أن يُطلب من الرياض ذلك بعد سلسلة الخدع التي تعرضت لها في مساعيها الفلسطينية واللبنانية خلال مفاوضات س.س، وفي ما يخص العلاقة السورية - الإيرانية والإخلال بالاتفاق معها في العراق؟ وهل من المنطقي بعد كل هذه السياسات السورية التي هدفت الى إخراج المملكة العربية السعودية من عدد من الساحات؟ ومقابل العتب السوري على دولة الإمارات العربية لأنها لم تنسجم مع عبارات الصداقة ومع المراهنة على وقوفها الى جانب النظام، فصوتت مع قرار تعليق العضوية، هل يعقل توقع موقف مغاير منها، وهي العضو في مجلس التعاون الخليجي الذي اقترح بنود المبادرة العربية في 2-11-2011، التي جاء القرار الأخير رداً على عدم تنفيذها؟ تنطبق الخيبة نفسها الناجمة عن سوء التقدير وقصور القراءة على تجاهل القيادة السورية للتحوّل في مواقف السودان والجزائر وموريتانيا والعراق. فهل يعقل أن يعتز النظام بامتلاكه الأوراق في العراق ومنها احتضانه عزة الدوري، ولا يؤثر ذلك على موقف الحكومة العراقية فتلجأ الى الامتناع حيال قرار تعليق العضوية بدل الاعتراض، هي التي للنفوذ الإيراني في بغداد تأثير كبير عليها لمصلحة دمشق؟ ومقابل التلويح بورقة الأكراد في تركيا، هل يعقل تجاهل نص الاتفاقية مع أنقرة على حق القوات التركية بالتوغل في سورية بعمق 15 كلم؟ في لبنان لا يفضي استخدام «الأوراق» سوى الى تعميق الانقسام في البلاد، والى تكريس سيطرة سورية و «حزب الله» على الحكومة بحيث يعطل وظيفتها بتغطية هذه السيطرة. ومع ان بعض حلفاء القيادة السورية اللبنانيين يقولون «لن ننتحر من أجل النظام السوري»، فإنهم يزدادون انغماساً في تعميق الشرخ الداخلي، فهم أيضاً لا يرون ان قول شيء وفعل عكسه لم يعد مجدياً.