لم تعد الخطابات السياسية النارية المطولة تحقّق نفعاً في التأثير في الرأي العام، حتى القضية الفلسطينية وأسطوانة «المقاومة»، التي طالما استخدمتها أنظمة وقيادات عربية و «إيرانية» لم تعد تحقّق النفع، مثلها مثل الحديث عن مؤامرات خارجية لرص الصفوف الداخلية. الأمور اختلفت، ومع أن الكل يتحدث عن متغيّرات جذرية في المنطقة العربية، وهي متغيّرات طاولت صميم الوعي الشعبي والجماهيري، لكن القليل يعي أدوات التعامل مع هذه المتغيّرات، بل إن استعمال هذه الأدوات من أنظمة تعوّدت على كونها اليد العليا، والجبل الذي لا تهزه الرياح، هي في الواقع أدوات صعبة الاستخدام، لأنها تستوجب استئصالاً «مؤلماً» لمظاهر قوة نظام تعوّد عليها. وفي خنادق الدفاع التي تعيشها أنظمة سياسية عربية كالنظام السوري، لا يظهر استيعاب للمتغيّرات، ويثبت هذا الرد اللحظي من السفير السوري لدى مصر - خلال مؤتمره الصحافي - على قرارات الجامعة العربية، فالأخيرة الموصوفة بالضعف والهامشية، أصبح لقراراتها طعم العلقم حينما صدرت، وجرى صب اللوم على أمينها العام ومعه دول مجلس التعاون، مع أن الأخيرة جزء من كلّ أجمعَ على القرارات ولم يتخلف عنها سوى دولتين، فبيروت لا تحكم أمرها من دون موافقة دمشق، والثانية يعيش نظامها «نظام علي صالح» وضعاً شبيهاً بالوضع السوري. وقرار الجامعة العربية على رغم اعتباره اختراقاً من بعض المراقبين، ما زال يفتح الأبواب للنظام السوري، بل حتى في المادة الثانية منه الخاصة بحماية المدنيين، والتي حرصت على تحديد الاتصال بالهيئات الحقوقية العربية، إلى أن يثبت عدم جدوى ذلك، ليتم الاتصال - من الأمين العام للجامعة - بالهيئات الحقوقية الدولية. وأفضل ما قرّرته الجامعة العربية هو دعوة الجيش السوري إلى عدم المشاركة في حملات القمع واستهداف المدنيين، مع ما يعني ذلك من اتصال مباشر بالجيش السوري، متجاوزاً قيادته السياسية، لكن، مع ذلك لا يتوقع من النظام السوري الاستفادة من هذه الفرص الذهبية، لأنه نظام يفتقد المرونة، ففي حين كان نظام الرئيس حسني مبارك نموذجاً للنظام الرخو، فالسوري أفضل نموذج للنظام الصلب المتصدع، وفي السياسة لا مكان للصلابة والتقوقع داخل خطابات الممانعة المطولة. وإذا كانت دمشق تحذّر وتتوجس وتتخوف من تدويل الحالة السورية، فعليها استباق الأحداث المتسارعة، ولن يأتي هذا إلا بثورة من داخل النظام، وهو ما لا تظهر مؤشرات عليه. www.asuwayed.com