نظمت «الهيئة العلمية لنشر الثقافة القانونية في العالم العربي» ورشة عمل قانونية امس، عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في فندق «البستان» - بيت مري، بمشاركة عدد من القضاة والمحامين وأساتذة القانون من لبنان ومصر والسودان وتونس والجزائر، الى جانب النائب مروان حمادة. وتستمر الورشة يومين. ورأى رئيس الهيئة العلمية عبدالحميد الأحدب «أن هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين السياسة والعدالة والقانون»، موضحاً ان الهدف من اللقاء القانوني «رسم حدود هذا الخيط الرفيع». وحيا روح «القاضي الكبير انطونيو كاسيزي الذي فارقنا منذ أسابيع قليلة إلى جوار ربه وهو الذي جعل العدالة الجنائية الدولية معيناً صافياً تشرب الإنسانية كلها من عطائه لا مجرد ضريح من رخام يُدفن فيه الظلم الذي يلحق بالبشرية». وشدد على «ان المحاكم الجنائية الدولية التي أنشأها مجلس الأمن وكانت محكمة لبنان آخرها، كانت هدية حضارية للإنسانية لمنع الإفلات من العقاب». وأكد أن ربيع الثورات العربية الذي يشهده عالمنا العربي أخذ يُدرك مدى الحاجة الى التصديق على معاهدة روما والدور الذي تلعبه المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في حماية الانسانية من الابادة الجماعية ومن الجرائم ضد الانسانية»، مشدداً على أن العدالة «ليست لها انتماءات سياسية ولا مطامع بوليسية... فعبد الرزاق السنهوري ليس مسؤولاً عن حماقات العقيد القذافي ولا عن حماقات صدام حسين». مهلة النقاش فاتت وذكّر بأن بموجب «الإتفاق بين الأممالمتحدة وبين الجمهورية اللبنانية بشأن انشاء المحكمة، اعطى مجلس الأمن الحكومة اللبنانية (وبالتالي مجلس النواب) مهلة عشرة ايام لتقديم اقتراحات بتعديلات او ملاحظات، الأمر الذي لم يحصل»، مضيفاً: «وتالياً فإنه في 10 حزيران 2007 اصبح الاتفاق بين الأممالمتحدة وبين الجمهورية اللبنانية في شأن المحكمة الخاصة بلبنان جزءاً لا يتجزأ من قرار مجلس الأمن 1757 بمقتضى نص قرار مجلس الأمن ذاته، وبالتالي فبعد 10 حزيران لم يعد هناك اتفاق قابل للتعديل او الجدل او المناقشة، لأن اوان الجدل والمناقشة فات بعد 10 حزيران 2007. لم يعد هناك اتفاق بل صار هناك قرار لمجلس الأمن الرقم 1757 يتضمن الاتفاق بين الأممالمتحدة الجمهورية اللبنانية في شأن المحكمة الخاصة بلبنان». وجزم ب «أن اي حديث عن التخلف عن انفاذ بند من بنود هذا الاتفاق هو مخالفة لقرار مجلس الامن وأي محاولة لتعديل هذا الاتفاق هي محاولة لتعديل قرار مجلس الامن الذي لا يقبل التعديل الا من مجلس الامن ذاته». اتفاقية المحكمة ليست تجارية وتمحورت الجلسة الاولى حول «التزامات الدولة اللبنانية بموجب القرار 1757 وأكد خلالها النقيب السابق للمحامين رمزي جريج أن قرار انشاء المحكمة الدولية «ملزم للدولة اللبنانية». اما الأستاذ الفخري للقانون في جامعة ديبول - الولاياتالمتحدة البروفسور أيمن سلامة فأشار الى ان «بموجب نصوص ميثاق منظمة الاممالمتحدة، نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية على أنه «لكي يكفل أعضاء الهيئة التي تساهم جميع الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية، يقومون بحسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق». ولفت إلى «أن الميثاق نص أيضاً في المادة 25 على أن يتعهد أعضاء الأممالمتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها، ومنها القرارات التي يصدرها والتي تقوم بتنفيذها الدول انصياعاً، وتحديداً حين يتخذ المجلس مثل هذه القرارات بموجب الفصل السابع، والذي يسميه الفقه الدولي بالفصل الإكراهي أو القسري أو البوليسي، لتضمنه لإجراءات تقييدية على الدول حالما رفضت الإذعان لهذه القرارات». ولفت إلى «أن قرارات مجلس الأمن تعتبر بمثابة تشريع دولي له حرمته التامة لا سيما لجهة وجوب تنفيذها، وكل الدول التي تم فيها اتخاذ قرار بموجب الباب السابع، تعرضت لعقوبات تلقائياً، كما يشكل مجلس الأمن لجنة اجراءات لمتابعة تنفيذ دول أعضاء الأممالمتحدة لهذا القرار». وأمل ب «ألا يكون الإفلات من العقاب في الثقافة والسياسة والجغرافيا العربية». وأشار الى ان «الاتفاقية التي انعقدت بين الدولة اللبنانية والاممالمتحدة ليست اتفاقية تجارية أو سياسية أو ثقافية أو جمركية، بل اتفاقية دولية لتحقيق السلم والأمن الدوليين، ليس في لبنان بل سائر المعمورة، باعتبار أن مجلس الأمن جهاز عالمي وليس دولياً». عدم التمويل يوازي دولة ارهابية وجزم الرئيس السابق لمحكمة استئناف بيروت القاضي وائل طبارة «بأن لبنان ملزم بمتابعة الانفاق على المحكمة حتى انتهاء نشاطاتها بما في ذلك تنفيذ أحكامها وتصفية موجوداتها، وقد يستغرق الأمر كما هو حاصل في بعض المحاكم الدولية الخاصة الأخرى اكثر من عشر سنوات اضافية، وكل ذلك من أجل عدم افلات المجرمين من العدالة الدولية». وإذ أكد «ان العدالة لا يمكن ان تكون الا دولية تكويناً وتمويلاً بالنظر الى ما تركته الجريمة المناطة بها من أثر على المجتمع الدولي»، ذكر بأن المحكمة الخاصة بلبنان «ليست محكمة خاصة بعائلة لبنانية معينة». ونبه الدولة اللبنانية «اذا امتنعت من خلال المجلس النيابي او من خلال الحكومة الحاضرة عن تأمين مساهمتها المالية المستحقة بذمتها فإن لبنان لا يتصرف حينذاك تصرف الرجل الدولي الصادق والشريف في علاقته مع المجتمع الدولي. وسيوضع ضمن البلاد التي تخضع للارهاب الداخلي والمتفشي فيها كالمرض الساري وقد تصل الى حد القطيعة معه». ورأى «أن الدول الأجنبية الكبرى ستصنّف لبنان في حال تخلف عن سداد حصته دولة ارهابية وتعمد الى فرض القطيعة عليه، ومن هنا، فإنها تستطيع مصادرة أموال اللبنانيين او أموال الدولة اللبنانية على حد سواء. ونجد ان هذا التفكير قاصر عن الاحاطة بحقيقة الأمر». واذ اعتبر ان سداد لبنان للمتوجبات عليه للمحكمة يؤكد انه «التزم بما يعرف بالشرعية الدولية حتى تاريخه»، أوضح انه «اذا ما جرى تقسيم هذا المبلغ (المدفوع) على أربع سنوات لتحديد المعدل الوسطي، فإن ما أصاب لبنان من نفقات يوازي خمسة عشر مليون دولار أميركي تقريباً في كل سنة. والكلام عن عجز لبنان مالياً عن ايفاء هذا المبلغ لأنه مدين ببلايين الدولارات الأميركية امر لا يصمد على بساط البحث الجدي. ومعارضة لحظ هذا المبلغ في الموازنة او حتى بنقل اعتماد من احتياطي الموازنة العامة على اساس القاعدة الاثنتي عشرية او الامتناع عنه يأتي من ضمن المواقف السياسية الداخلية التي لا تخدم مصلحة لبنان العليا». وجزم بأن المحكمة الدولية «مستمرة لأن المجتمع الدولي راغب في استمرارها»، وقال: «من يعتقد ان المحكمة الخاصة بلبنان ستكون في حال شلل او جمود جراء عدم التمويل الجزئي من قبل لبنان يكون مخطئاً طالما ان البدائل موجودة والمساهمات الدولية ستزيد بنسبة معينة بحيث تغطى كامل أوجه الانفاق المترتبة على وجودها واستمرارها». سلطة مجلس الأمن استنسابية وفي المقابل، اعتبر المحاضر في الجامعة اللبنانية الدكتور رزق زغيب «أن مشروع الإتفاق بين الدولة اللبنانية ومنظمة الأممالمتحدة بشأن إنشاء المحكمة لم يقترن بالإبرام النهائي من قبل السلطات المختصة في لبنان وفقاً للمادة 52 من الدستور»، وذكّر بأن مشروع الإتفاق لإنشاء المحكمة لم يصل به المسلك الدستور الواجب اعتماده إلى خواتيمه ويصبح اتفاقاً مبرماً وفقاً للأصول». ورأى ان مجلس الأمن «يتمتع بسلطة استنسابية لإدخال الجرائم في الفصل السابع». وقال: «لا يمكن القول إن قرار مجلس الأمن 1757 صادق على الإتفاق المعقود بين الأممالمتحدة والدولة اللبنانية، فمجلس الأمن أنشأ المحكمة واقعاً بموجب الفصل السابع وقرر انفاذ ما سماه وثيقة انشاء المحكمة». وإذ اعتبر أن القوة الإلزامية لما يسمى خطباً بالإتفاق لا تأتي من كونها بنود سارية المفعول بل كونها نافذة بموجب قرار دولي تحت الفصل السابع»، أشار إلى ان القرار تحدث عن وثيقة واتفاق، معولاً على تصحيح هذا عبر غرف المحاكمة «بداية واستئنافاً». وجرت خلال الجلسة مداخلات قانونية شددت على «ضرورة التزام لبنان بتمويل المحكمة»، وأكد نائب رئيس مجلس الدولة في مصر سابقاً المستشار محمود فهمي أنه لا يمكن لقواعد الأممالمتحدة أن «تعلو على الدستور الداخلي لأي دولة ذات شرعية دستورية داخلية».