يظن الناظر إلى الجبال المحيطة بالمشاعر المقدسة أنها «غطت» بوشاح أبيض، معلنة هي الأخرى إحرامها مع حجيج بيت الله الحرام، في صورة تندر رؤيتها في أي جبل من جبال العالم سوى تلك التي تتمدد في المناطق الثلجية على قطبي الكرة الأرضية.الجبال «البيضاء أياماً قلائل» في منى تعكس مدى طهارتها ونقائها وصفائها، والحجيج هناك يغطون تضاريس المرتفعات بأكملها بزيهم الموحد كلون السماء في هذه الفترة منذ أكثر من 1400 عام، بيد أن هذا الصفة بدت تظهر معتقداً من البعض بأن فيها من البركة أكثر من اليوم الذي هم فيه والخير الكثير والقرب من الله عز وجل. وعلى رغم صعوبة وخطورة تسلق تلك الجبال إلا أن مجموعة عريضة من الحجيج بجميع فئاتهم العمرية (أطفالاً وشباناً وكباراً، نساء ورجالاً) لا يأبهون في صعودها مهما كلفهم الأمر. أحمد قاسم باكستاني الجنسية (53 عاماً) صعد على رغم كبره بنشاط عال هو وأقرباؤه إلى أعلى ذلك الجبل، يملأه المعتقد بالبركة أكثر من استثمار اليوم في الدعاء، وقال ل «الحياة»: «كيف لا يكون في هذه الجبال بركة وخير وقد مر من هنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته، وصعدوا عليها فجميع هذه المناطق التي تراها هي مباركة وفيها أسرار كثيرة». وعلى قمة الجبل، دعا هنالك أحمد وأقاربه الله عز وجل لوقت طويل وهم رافعون أيديهم إلى السماء راجين المولى سبحانه قبول دعواتهم. الأمر اختلف مع جابر صالح (26 عاماً) ورفاقه من الجنسية اليمنية الذين أتوا معاً لأداء فريضة الحج من دون حمل أي تصريح -على حد اعترافهم-، وقالوا: «أتينا من اليمن جميعاً من دون تصاريح ولكن تسهلت الأمور لدينا ونحن على جبال محيطة بهذا المكان العظيم (منى)، ليس خوفاً أو هرباً من الأمن الذي وجدنا منهم تعاملاً جيداً وحسناً، وإن كنا خالفنا التعليمات والأنظمة، لكننا وجدنا في هذه الجبال ذكرى تربطنا بأهالينا وبلدنا مع اختلاف الزمان والمكان». وتابعوا: «بحسب ما تتميز به طبيعة اليمن الجبلية، فقد اعتدنا تسلق الجبال ونحب الجلوس فيها لا سيما أننا الآن في أحد المشاعر المقدسة، فمثل هذه المرتفعات تذكرنا بلادنا وقرانا». وقاطع صالح محمد(28 عاماً) سابقه، وذكر أنهم قرروا اعتلاء هذه الجبال بقصد الابتعاد عن الزحام وبحثاً عن الهدوء والهواء البارد «نحن هنا مرتاحون كثيراً، فالحجاج الموجودون معنا -رغم أعدادهم الغفيرة- إلا أنهم أكثر هدوءاً وراحة من الذين يفترشون أرض المشاعر وطرقاتها المسطحة».