العنوان كان منفراً، لكن اسم المخرجة يحضّ على المشاهدة. جلَ الممثلين من الأسماء الكبيرة، لكنّ هذا ليس معياراً، فنزوات «الكبار» قد تطيح بهم وبالعمل إن لم يتحكم بها مخرج قادر وقدير. المبالغات عديدة، لكن ربما ينشد العمل الفني الصدم في اعتماده المبالغة. المسلسل السوري «الولادة من الخاصرة» للكاتب محمد سامر رضوان والمخرجة رشا شربتجي، الذي يعرض حالياً على «ام بي سي»، بعد عرضه في رمضان، له دلالاته التي لا يمكن إلا ربط بعضها بالوضع الحالي في سورية. «رؤية مستقبلية لدى الكاتب» الذي كتب السيناريو قبل الأحداث كما صرحت المخرجة؟ لا، بل مجرد رؤية واقعية، لواقع مرير ولشخصيات مقهورة. حالات فردية، موجودة في المجتمع بكليتها أو بجزئيتها، تعبر مهما غرقت في فرديتها، ورغم الإفراط في التعبير أحياناً، عن فئات مثيرة للاهتمام سواء كانت «حشرات تتطاول على أسيادها»، حسب تعبير ضابط الاستخبارات المريض بتسلطه، أو مازوشية بتعذيبها لنفسها، أو فقيرة وجاهلة... المآسي تنهال على رؤوس شخصيات المسلسل (وعلى المشاهدين)، الأشرار في كل مكان، والشر ينتصر إلى الآن (منتصف الحلقات)، إنما لا شر مطلقاً ولا خير مطلقاً هنا والسيناريو يوغل في أعماق هذه النفوس الحاقدة اللئيمة للعثور عن جزء ولو يسير من الحب، من الندم... حتى لدى الأبناء الجاحدين بمعظمهم والآباء المرضى بتسلطهم ورجال الاستخبارات المتوحشين في تعذيبهم. يطغى الجهل لدى الطبقات الشعبية في عشوائيات كفر سوسة (أبو فياض، أبو مقداد)، والظلم والتآمر والفساد في أجهزة أمن الدولة (الضابط رؤوف وزلمه)، والطيبة وحسن النية لدى الطبقة المتوسطة (صاحب المصنع، الطبيب). لا يجوز التعميم بالطبع، فثمة من يخالف الأحكام التي تطلق على هذه الطبقات، لكنها بدت على هذا النحو في العمل. كآبة السيناريو ومبالغاته وازنتهما كفاءة المخرجة في اعتمادها الإيقاع السريع المتماسك وفي إدارتها المميزة للممثلين الذين وفقت غالبيتهم، في إعطاء الشخصيات حقها وفي رسم تفاصيلها بدقة، سواء كانت «عادية» بتركيبتها كشخصية ضابط الاستخبارات (عابد فهد) أو «غريبة» كمؤجر البيوت (عبدالهادي الصباغ)، أو فانتازية في ثقل ظلها (قاسم ملحو). ولعل الأداء الأكثر ادهاشاً جاء من مكسيم خليل، في دور لم يفصح عن مؤديه، إذ اختفى وراء شخصية «علام» حتى بات التعرف إليه صعباً، وهو ما يميز الممثل المتمكن. ساهم الديكور في الدلالة على طبيعة الشخصيات، فالسلطة والنفوذ والجاه لا تجلب معها بالضرورة الذوق الرفيع، فكانت بيوتهم (بيت الضابط رؤوف) تدل على نفوسهم المريضة ببنائها القبيح بعجرفته وأثاثها الخانق ببشاعته، فيما عبّر ديكور مكتب صاحب المصنع عن نفسيته المحبة للخير، فجاء بسيطاً معقولاً. المسلسل يستحق المشاهدة، على الأقل للإطلاع على واقع مغيَب، وهو عمل مثير للاهتمام ولولا واقعيته الصادمة لكان ممتعاً بالتأكيد.