حتى عهد قريب، كان مدرج جبلة الأثري عبارة عن حجارة مبعثرة تنتشر بينها نفايات متراكمة يميناً وشمالاً. وكان زائر المدينة يتجنب المكان الذي بدا مهملا. غير إن الوضع الحالي للمدرج يختلف بشكل لا يقارن عما كان عليه منذ ثلاث سنوات: معالم المسرح عادت كما كانت عليه منذ مئات القرون، الأمر الذي حوّل مدينة جبلة السورية الساحلية بشكل تدريجي إلى نقطة جذب للسياح العرب والأجانب. يعود تاريخ مدرج جبلة الأثري إلى القرن الثاني الميلادي، ويعتبر من حيث الحجم والفخامة المعمارية الرومانية خامس مدرج على مستوى العالم وثاني مدرج على مستوى سورية بعد مدرج بصرى. وكان 90 في المئة منه مخفياً بسبب الإهمال والنسيان إلى إن بدأت فرق التنقيب بإعادة تأهيله. يضم المدرج ومسرحه أروقة شعاعية على عمق أربعة أمتار إضافة إلى الأرضية الأساسية للمدرج. ويتألف بعض الأروقة الشعاعية التي تحمل المدرجات من 17 قبواً تم إظهارها وتنقيبها بالكامل، إضافة للقبو المحيطي الدائري. كما يحتوي على قواعد مزخرفة لأساسات المدرج. و «تم ترميم المحاريب في واجهة المنصة، وإعادة تركيب الأحجار المفقودة منها والتي لها وظيفة جمالية وتساهم في امتصاص ارتدادات الصوت من الجمهور» على حد تعبير مدير الآثار في جبلة إبراهيم خيربك. ونتيجة لأعمال التنقيب السابقة للمسرح تم إظهار غرف الملقنين في أرضية المنصة الرئيسية من الجهة الشمالية على عمق مترين تحت مستوى المنصة، وهي عبارة عن سبعة أبواب يتم الدخول إليها من جانب المنصة عبر مدخل صغير. و يتواجد فوق المنصة أرضية خشبية تساعد في وظيفة تلقين الممثلين، و «هذه الغرفة كانت ثورة على مستوى الآثار في سوريا، كما إنها فريدة من نوعها على مستوى المسارح القديمة» حسب خيربك. ويحتوي المسرح أيضاً على محاريب قديمة تم ترميمها بنفس طبيعة المادة والشكل الذي كانت عليه. ويقول خيربك: «تم ترميم القوس الحامل للمدرج والدرابزين الحجري على جانبي الأدراج وإعادتها إلى سابق عهدها، بالإضافة لإعادة الأحجار المفقودة من المدرج إلى وضعها الطبيعي». وتبلغ سعة المدرج الحالية حوالي 10 آلاف متفرج ، وتقام فيه منذ عام 2006 مهرجانات وعروض فنية وثقافية. وفي الجنوب الشرقي من مسرح جبلة الأثري يقع حمام يعود للعصر الهلنستي تم استخدامه خلال العصر الروماني وحتى العصر البيزنطي. وجرى اكتشاف الحمام منذ عام أثناء القيام بعمليات التنقيب، ويتألف من ثلاث صالات كبيرة ظهرت فيها معالم وجود قنوات تصريف لمرور الهواء الساخن، بالإضافة لوجود مكان خزان تسخين المياه . ومن الواضح أن أرضيات الصالات كانت مبلطة بالرخام، ويوجد ضمنها بعض أحواض استحمام تأخذ شكلاً مستطيلاً وأخرى نصف دائرية. وما تزال فرق الآثار تواصل عملها لاكتشاف المزيد من الآثار التي تزخر بها جبلة، ويرى خيربك أن المدينة تعوم على بحر من الآثار جاء دور اكتشافها بعد سنوات من الإهمال.