قبل أن يهطل المطر على شوارع بغداد، ويغمر الطين شوارعها وتغرق كل الأزقة القديمة والآيلة الى سقوط. في هذا الوقت غرقت شوارع أكثر مكان تحمل الظلم والعناء منذ ان تأسس كحلٍّ موقت لكن ظروف بلادنا الاستثنائية جعلته حلاًّ دائماً وجذرياً لحوالى 2.5 مليون شخص يقطنون هناك في مدينة «الثورة» الصدر. لا يعلم الجميع كيف ومتى ولماذا أصبحت أزقة هذه المدينة العجوز الهرمة تشبه البندقية، لكنها نقيض تلك المدينة التي قال عنها الايطاليون: «ان من لم ير البندقية ومات فقد خسر الكثير»، ونحن خسرنا الكثير ولا زلنا نخسر ولا نعلم الى متى سنرجع برأس مالنا الذي دخلنا فيه الى سوق الجهاد والتضحية من دون تكبد خسائر قد لا يتحملها أصدقاء العجوز الهرمة. الكل مستعد للغوص. الكل ذاهب للبحث عن قوت يوم يسد رمق أطفال جياع وأم مملوءة بالأحزان والأوجاع. الكل يقول: «ألم يكن المسؤولون سفهاء للغاية عندما صرفوا الكثيرعلى مجرى المياه الآسنة ومدوا شبكة جديدة للصرف الصحي، لكن الوضع هو نفسه. لم يأت اي مسؤول ولا وزير من حكومتنا الوطنية! رغم ان أكثر من عشرة نواب وعدد من الوزراء ووكلاء الوزراء وغيرهم ممن هم في هرم السلطة، والذين أطلق عليهم أصحاب الوعود الكاذبة هؤلاء كلهم يمرون عبر الشوارع الرئيسية التي أتى إليها كل المسؤولين المشغولين الآن بملذاتهم الشخصية، ويتصارعون على الكراسي رغم أنهم قالوا ذات يوم اذا انتخبتم قائمتنا سنحول لكم هذا التراب الى ذهب عيار 21. قد يكون الأمر مضحكاً، حيث كيف تمكن هولاء من الضحك على ذقوننا، وفي الوقت ذاته محزن للغاية كون أهل المدينة يعرفون تلك الشخصيات خير معرفة لكنهم يعشقون ارتكاب الأخطاء. قد يكون هذا الكلام قد قيل سابقاً وانتهت المشكلة وجفت الشوارع من المياه، لكن اذا افترضنا ان سيولاً عاتية ضربتنا فماذا سيحل بنا؟ أننتظر نوحَ جديداً يأتي بسفينته لينقذنا؟ أم ننتظر الموت المحدق بنا؟ يمكن ان تكون روايتنا غير مسنودة. او معززة بصور، فإننا لا نستطيع ان نلتقط صورة واحدة، كوننا لا نملك تصريحاً من اي صحيفة او مؤسسة إعلامية ولم ننل شرف عضوية نقابة الصحافيين العراقيين رغم اننا نعمل في السلطة الرابعة... منذ ثلاث سنوات.