قالت وزيرة الخارجية الأميركيّة هيلاري كلينتون: «إن «الربيع العربي» وصل الى منطقة صعبة غير محددة المعالم تفصل بين الديكتاتورية والديموقراطيّة، وإن بعض التغيير يجب أن يحدث ببطء... وأن الولاياتالمتحدة ستستمر في ضغطها على حكّام لترك السلطة في سورية واليمن ولضمان تجنّب الفوضى في مصر». وعندما سُئلت عن التوقيت ردّت بعصبيّة ظاهرة... «لا يمكنني التنبؤ بذلك في سورية، وإن أمام المتظاهرين السنة الكثير من العمل داخلياً كي يصبحوا معارضة وطنية حقيقية تعبّر ايضاً عن طموحات الأقليّة». («الحياة 22 تشرين الأول - أكتوبر 2011). إنّ هذا الكلام يؤشر الى البطء في عمليّة التحرّك الذي انطلقت منه الثورات والانتفاضات العربيّة، كما أنّه يشي بنوع من التغيير في المواقف الأميركية مما يجري في المنطقة. فما الجديد الذي طرأ على الموقف العام في ما تشهده سورية خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية؟ أبرز ما استجد الإعلان عن قبول سورية مضمون «الحل العربي» ومآله باختصار: وقف كل العمليات العسكرية، وسحب الآليات المدرعة، وإزالة كافة المظاهر المسلّحة سواء من جانب قوّات الجيش والأمن، أو من جانب الثوّار. وإطلاق حريّة الحركة لرجال الإعلام في التجوّل في كافة أنحاء سورية للتأكد من التزام السلطة بهذا الحل. وعندما كان رئيس اللجنة العربية، رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، يتلو البيان في مقر الجامعة العربية في القاهرة، بدا وكأنه يشدّد على التزام السلطة السوريّة بهذه المقررات، لذا هو دعا أكثر من مرة الى «عدم المواربة... والتحايل أو التهرّب من التنفيذ» لذا أكّد أن اجتماعات اللجنة العربية مفتوحة لمواكبة التطوّرات. ماذا يعني التوصل الى «الحل العربي» لما يجري في سورية؟ يعني ببساطة أنها المحاولة الأخيرة «لتعريب الحل» للأزمة في سورية. وإلاّ فإن الأمور مهدّدة بالإفلات من عقالها الى حد بلوغ «التدويل»! وتحت هذا العنوان تندرج مطالبة بعض المعارضات السورية في الداخل منها أو الخارج بضرورة استقدام مراقبين دوليين لحماية المجموعات الثائرة على السلطة وعلى النظام، و «لو لاسباب إنسانية». وقبل ذلك بساعات كان الرئيس بشار الأسد يعلن أن تغيير النظام في سورية يعني تحوّلها والمنطقة الى «مجموعات أفغانية»... مضيفاً أن أي تدخل خارجي سيؤدي الى «زلزال يقوّض المنطقة بكاملها». فهل هي آخر الأوراق التي يقذف بها النظام في سورية وكأنه يقول: من بعدي الطوفان؟ وسؤال المرحلة: ما نصيب «الحل العربي من النجاح»؟، وما هي تداعيات الفشل؟ وهل أن الأزمة التي تواصلت على مدى ثمانية شهور قد حان أوانها للتوقف عند هذا الحد؟ واستطراداً ما مصير المرحلة الآتية على سورية، وعلى المنطقة في شكل عام؟ إن أجواء انعدام الثقة بين أطراف الأزمة تجعل من الصعب التصوّر أن نهاية الأزمة ستكون سهلة التنفيذ، لكنها تمثّل الإختبار المصيري والأصعب لدى طرفي الأزمة: السلطة والثوّار. فقد عُرِف عن النظام السوري إتقانه لعب التكتيك وتمرير الوقت وصولاً الى مرحلة يضمن فيها استعادة زمام السيطرة على الأمور، وطرح موضوع الإصلاحات الدستورية التي طالبت بها المعارضة، لتأخذ مسارها التطبيقي البطيء. وفي جانب آخر وعلى الصعيد الميداني واللوجستي، ما الذي حدث؟ لوحظ إنخفاض عدد المتظاهرين نسبياً في معظم المحافظات السورية، وتزايد أعداد المتظاهرين المؤيدين للرئيس بشار الأسد في شتّى المحافظات والمدن، للقول إن النظام يحظى بشعبيّة كبيرة. وقد «تناقص» عدد المتظاهرين المعارضين للسلطة. - مغادرة السفير الأميركي لدى دمشق روبرت فورد الى واشنطن للتشاور. ولوحظ مسارعة الإدارة الأميركية الى التأكيد على أن مغادرة السفير فورد لا تعني إستدعاءً ولا قطعاً للعلاقات، الأمر الذي يؤكّد حرص واشنطن من جانب ودمشق من جانب آخر على إبقاء «شعرة معاوية» بين الطرفين رغم كل حالات العداء التي تسود العلاقات الثنائية هذه الأيام. وفي لحظة تجوّل على أحداث المنطقة وآخرها ما جرى في ليبيا، جرى التداول في الأمر التالي: إن حلف شمال الأطلسي بعدما انتهى من مهمّاته في «اقتلاع معمّر القذافي من حكم «جماهيريته» بعد ما يزيد على إثنين واربعين عاماً، وللقول إن الحلف بات في جاهزيّة كاملة إذا لزم الأمر لاستخدام «خبراته في سورية، لكنّ العديد من المصادر سارع الى نفي وقوع هذا الاحتمال على أساس «أن سورية ليست ليبيا». وبانتظار جلاء الموقف العام في سورية واختبار مدى قدرة «الحل العربي» على النجاح في وقف شلالات الدم النازفة، يظهر بوضوح أن «الحلف الأطلسي» أصبح لاعباً رئيسياً في أحداث المنطقة، وأنه جاهز لتولي أي «التزام» يُعهد إليه! لكن قيام الحلف بأي دور آخر في المنطقة سيزيد في حالات التأجيج السائدة أكثر مما يشكّل حلاًّ لأي وضع عربي معقد وفي الطليعة الوضع في سورية. إذاً هناك سباق محموم بين «الحل الأمني» السوري، وحل «التعريب» الممثل بالمبادرة العربيّة (برئاسة قطر)، أو حل «التدويل»! إذا كانت الخطة أصبحت «ناضجة» لتغيير معالم المنطقة بشكل جذري. وفي سياق متصل هناك ما يمكن أن نلاحظه ويمكن أن نطلق عليه: «الخلطة السرية» ما بين قطر وإيران وتركيا سعياً وراء كل جهة لضمان حصتها من «الكعكة السورية»! وفي استعراض سريع للمشهدية العامة في المنطقة في ضوء ما جرى حتى الآن، وما يمكن أن يجري لا بد من التوقف عند النقاط المحوريّة التالية: أولاً: هل إن الأحداث في سورية قد بدأت وتطوّرت الى هذا الحد الذي فاق كل التوقعات والتقديرات إلاّ الغارقين في «نظريّة المؤامرة»، كي تنتهي عند هذا الحد، أي بقاء الرئيس بشار الأسد على رأس الهرم السوري، وتكريس سلطته بإجراء بعض الأمور الإصلاحية التي يقر الجميع بضرورة تنفيذها؟ ثانياً: إن قوّة حلف شمال الأطلسي قد دخلت وتداخلت في صلب شؤون وشجون المنطقة العربيّة مع ما يحمله هذا التطوّر من تداعيات في السلب أو في الإيجاب. ثالثاً: إن الدور التركي المتقلّب يعمل «أردوغانه» بشتّى الوسائل لفرض نفسه لاعباً رئيسياً في الحلول الآتية، بخاصة أن التصعيد الذي رافق ويرافق اللجهة التركية ضد النظام في سورية يخوّلها أن تلعب دوراً فاعلاً على الأرض، سواء بإقامة مناطق لإيواء الهاربين من سورية على الحدود المشتركة أو لضمان اتخاذ مركز هام في التطوّرات الإقليميّة سواء عبّر عنها حركيّاً بحركات «الربيع العربي» أو بتسميات أخرى. رابعاً: وفي سياق متصل لا يمكن إبعاده عمّا يجري يجب التنبه الى أن القوّات الأميركية، أو ما تبقى منها، ستخرج من العراق مع نهاية هذا العام، وهذا الحدث يمثل تطوّراً بالغ الأهميّة لجهة مَن سيملأ الفراغ بعد الرحيل الأميركي والبديل الجاهز هو حتماً إيران وتكريس هيمنتها بشتّى الوسائل على الوضع في العراق، بخاصة أن رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي يعتبر أحد الوكلاء البارزين في أداء السيطرة الإيرانية على صنع العراق الجديد في بغداد. خامساً: يبدو من السابق لأوانه الجزم أو التأكيد بأن «الحل العربي» لما يجري في سورية سيُكتب له النجاح فتنفيذ مآل هذا الحل دونه الكثير من العقبات والعثرات قبل أن يستقرّ على واقع محدّد. سادساً: هناك صمت غريب، حتّى لا نقول مريب، حول موقف إيران من الحليفة الكبرى سورية وما يجري فيها. وفيما لم تظهر حتى الآن بوادر أي وهن أو تصدّع في العلاقات السورية – الإيرانية، يبقى هذا الحلف «دعامة إستراتيجية» لسورية ولايران معاً. ثم إن قلّة التعليقات التي تصدر عن طهران من حينٍ لآخر حول الوضع في سورية لا تعكس حالة من «التصدّع الاستراتيجي» بين البلدين، لأن ما يجمع بينهما أكثر مما يُفرّق. ثم إن الوضع في إيران قفز الى الواجهة من جديد مع إتهام الدوائر الأميركية على أعلى المستويات إيران بأنها تقف خلف عمليّة إغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، وسط تساؤل أوساط كثيرة عن الغاية من إعلان واشنطن عبر الرئيس باراك أوباما ودوائر الإستخبارات المركزيّة، حول توقيت إعلان هذا التطوّر، وما سيسفر عنه من تداعيات. علماً أن واشنطن أغفلت ولوقت طويل الكلام عن الملف النووي الإيراني، حيث انصرفت ايران الى المضي في سياسة تخصيب اليورانيوم حيال عجز الولاياتالمتحدة وإسرائيل عن إتخاذ أي خطوة تصعيدية بإتجاه إيران، نظراً لما ينطوي عليه مثل هذا الحراك أو التطور من مضاعفات تشمل المنطقة بكاملها. وبعد... وبناء على ما كل ما تقدّم، وإضافة الى تطوّرات أخرى مستترة وغير ظاهرة على سطح الأحداث، فإن المنطقة تعايش إنعطافات مصيرية بكل مدلول ومعاني وأبعاد الكلمة. * إعلامي لبناني