غول الفساد المستشري في كل القطاعات المهمة في روسيا يبدو انه أقوى من كل التدابير التي تسعى السلطات الى اتخاذها لمواجهته. وتحول «هذا الشر»، كما يصفونه في روسيا، خطراً داهماً. ليس فقط في قطاعات الصحة والتعليم والقضاء والنيابة العامة كما جرت العادة، بل تعداها ليقتحم مؤسسات عسكرية تحظى بأهمية استراتيجية قصوى. وكشفت أخيراً تفاصيل معركة قضائية أحد طرفيها وزارة الصناعة والتجارة والآخر مدير مؤسسة «بازالت» للتصنيع العسكري الذي عزل أخيراً، بطريقة غريبة دفعته الى تقديم شكوى، مطالبا بإعادته إلى منصبه. وتعد «بازالت» أهم مؤسسات التصنيع العسكري الروسي، في مجال الأسلحة والذخائر للقوات البرية والجوية، ما يمنح الملف أهمية استثنائية ويفسر التكتم على مجريات القضية. وحصلت «الحياة» على تفاصيل مثيرة تتعلق بسير القضية واسباب تفجرها. ففي بداية أيار (مايو) الماضي، أصدرت الوزارة قراراً مفاجئاً بإقالة فلاديمير كورينكوف من منصبه كمدير عام لمؤسسة «بازالت»، وعينت خلفاً له. ولم يكن قرار من هذا النوع ليلفت الأنظار لولا ارتباطه بأحداث سبقته وأخرى رافقت صدوره. إذ جاء القرار بعد مرور فترة وجيزة على إغلاق ملف قضائي ضد الرجل الذي وجهت إليه اتهامات بالفساد برأه منها القضاء. وتدل المعطيات المتوافرة إلى أن كورينكوف تعرض لحملة منظمة لإطاحته، لأسباب فسرت بنشاط المؤسسة المعروفة على نطاق عالمي، وخصوصاً لجهة إصرارها على التعاون مع بلدان الشرق الأوسط، بصرف النظر عن تعرضها لعقوبات أميركية وإدراجها على لائحة المؤسسات العسكرية «التي تدعم الإرهاب» أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة. ومعلوم أن «بازالت» تنتج واحداً من أشهر الأسلحة السوفياتية - الروسية وأكثرها رواجاً في ثمانين بلداً، وهو سلاح «أر بي جي» المضاد للدبابات. وكانت المؤسسة تعرضت لحملة قوية من إسرائيل والولايات المتحدة قبل الحرب على لبنان العام 2006 وبعدها، بذريعة أن نماذج متطورة من هذا السلاح استخدمها «حزب الله» بكثافة خلال تلك الحرب. وزادت شراسة الهجمة على المؤسسة بعد توقيع اتفاق مع الأردن في العام ذاته، لتطوير نموذج حديث من قاذفة «أر بي جي» خاص للجيش الأردني أطلقت عليه تسمية «هاشم». وأفادت «الحياة» مصادر مطلعة على هذا الملف أن ثمة رابطاً يجمع بين محاولات إطاحة كورينكوف سابقاً ودخول أطراف أخرى على الخط أخيراً، للسيطرة على المؤسسة الاستراتيجية بالنسبة الى روسيا، لكن لأغراض لا تقتصر على محاصرة نشاطها في بلدان الشرق الأوسط وحسب، بل للحصول على مكاسب كبرى من الشركة الأنجح ماديا بين مؤسسات التصنيع العسكري الروسي. وبحسب المعطيات، تمثلت النتائج الأولى للتغيير الذي لم يحسم القضاء بعد قانونيته، في قرار الإدارة الموقتة في «بازالت» تجميد المشاركة في مناقصات لتوريد منتجات المؤسسة إلى الجيش الروسي، ما يعني «خسائر تقدر بمئات الملايين»، كما أوضح المصدر. كما تم طرد عدد من الخبراء العسكريين، بينهم أبرز مصممي «هاشم» ما يعني أن المشروع مع الاردن بات معرضا للخطر. ومن بين القرارات المفاجئة الجديدة إلغاء برامج بحثية لتطوير أسلحة القتال القريب، ما يهدد بحسب خبير بضرب مجموعة من قطاعات تطوير نماذج الذخائر المستخدمة في القتال القصير المدى وقنابل الجو. اللافت أن «بازالت» حصلت العام الماضي على جائزة «أفضل مؤسسة تصنيع عسكري» في البلاد، وزادت نسبة أرباحها بين 30 و40 في المئة مقارنة بالأعوام السابقة. وهذا تحديداً «سبب مصائبها»، كما قال مصدر ل «الحياة»، لأن «أطرافاً معينة تريد وضع اليد على مقدراتها». ولفت المصدر إلى طلب قدمته الإدارة الموقتة للحصول على قروض مصرفية بضمان منشآت «بازالت» في موسكو. وبحسب المعلومات فإن «بازالت» كانت تلجأ في السابق إلى المصارف لتمويل مشروعاتها بضمان العقود الموقعة مع البلدان الأجنبية. ويرى المصدر أن «رهن منشآت المؤسسة هو تمهيد لإعلان إفلاسها وبيعها في المزاد»!. وبحسب معلومات «الحياة»، فإن هذه التفاصيل منظورة حاليا أمام القضاء الذي ينتظر أن يقول كلمته الأسبوع المقبل. لكن حتى يتم حسم الموقف، من الواضح أن هدفي «تصفية المؤسسة تدريجيا والاستيلاء على ممتلكاتها» يسيران في خطين متوازيين. ما يعني «احتمال تعرض صناعة الذخائر في روسيا لهزة عنيفة، لا بد أن تترك آثارا على أمن البلاد».