كان ملفتاً خلال جلسة التصويت على العضوية الكاملة لفلسطين في اليونسكو عندما صوت المندوب الفرنسي بالنعم لهذه العضوية حجم التصفيق للقرار الفرنسي الذي كان قد امتنع في جلسة المجلس التنفيذي، فجاء القرار الفرنسي الذي اتخذه وزير الخارجية ألان جوبيه متجانساً مع موقف فرنسا المؤيد للدولة الفلسطينية. ان الانتصار الفلسطيني في اليونسكو هو فعلاً انتصار للحق. وأكد مجدداً ان الادارة الاميركية كالمعتاد، وكما في تاريخها منذ عقود، تقف ضد الحق حتى وان اعترفت به، فالرئيس اوباما أثبت مجدداً ان كل ما تحدث عنه في خطابه في القاهرة كلام في الهواء ليس في قدرته ان ينفذ اي شيء منه، لان الحلف مع اسرائيل اقوى من كل شيء. ان سحب الادارة الاميركية تمويلها لمنظمة دولية للتعليم والثقافة معيب لدولة عظمى تعطي دروساً في الديموقراطية وتدعي انها تعمل لنشر التعليم والثقافة العالية في العالم. لقد سخرت قدراتها السياسية مع جارتها كندا للضغط على الدول الاعضاء في اليونسكو ليصوتوا ضد عضوية فلسطين في المنظمة. وهددت دولاً افريقية تعاني الفقر والنقص في برامج التعليم، بسحب برامج الدعم لها. والولاياتالمتحدة التي تتباهى بأنها تعمل لتعبئة المساعدات للدولة الفلسطينية، تسحب الآن تمويلها بحوالى 60 مليون دولار من ميزانية اليونسكو (حيث تشارك ب 22 في المئة) لأن 107 دول لم تخضع لضغوطها واكتفت باتباع ضميرها، وقالت نعم لدخول فلسطين كعضو كامل في اليونسكو. لا شك في ان الموقف الاميركي من القضية الفلسطينية مثير للغضب والاستياء، لأنه ضد الحق والديموقراطية، وهو ايضا لا يصب في مصلحة اسرائيل على المدى الطويل اذا كانت الادارة الاميركية حريصة عليها، فإلى متى ستبقى كل ادارة اميركية ترفض الضغط على الحليف الاسرائيلي ليقبل بالدولة الفلسطينية فعلاً؟ ان الحجج التي قدمتها الادارة الاميركية في اليونسكو، ان الوقت ليس مناسباً لدخول فلسطين الى المنظمة وانه لا ينبغي ان تسبق المفاوضات، هي حجج سخيفة وكاذبة، فاي مفاوضات تتكلم عنها الولاياتالمتحدة؟ وهي رافضة بكل الاحوال ترشيح دولة فلسطين لعضوية الجمعية العامة للامم المتحدة. والضغوط الأحادية التي تمارسها على رئيس السلطة الفلسطينية كادت تاخذ منه كل شىء لو لم يرتدّ عليها ويفاجئ الجميع ويقرر الذهاب الى مجلس الامن للتصويت على الدولة الفلسطينية. فكفى اعطاءنا دروساً في القيم الاميركية «السامية»وحقوق الانسان، والولاياتالمتحدة تمارس الضغوط بكل ثقلها على جميع الدول كي تكون ضد الحق. لقد شهدنا خلال هذا التصويت تعبئة كندية لمساندة الولاياتالمتحدة في مقاومة قضية محقة. اما الاتحاد الاوروبي، فأظهر ايضا ان الوحدة الاوروبية غير موجودة، ففرنسا وإسبانيا وبلجيكا واللكسمبورغ ومالطا وقبرص والنمسا وإرلندا والنروج وفنلندا واليونان وصربيا أيدت العضوية الكاملة لفلسطين، في حين أن ألمانيا والسويد وهولندا رفضتها، وامتنعت بريطانيا والبرتغال وايطاليا والدانمارك وأستونيا ورومانيا وبلغاريا والبوسنة وبولونيا وهنغاريا وسويسرا، التي هي خارج الاتحاد الاوروبي، فلا شك ان الدور الاميركي كبير في الضغط مع اسرائيل على هذه الدول لرفض عضوية فلسطين. ولكن الى متى سيبقى هذا التحيز على حساب حقوق الفلسطينيين؟ الى ما لا نهاية، او إلى أن تنفجر الامور في وجه الادارة والكونغرس الاميركي؟ مشكورة الدول التي صوتت مع الحق، وفي طليعتها فرنسا، وفيها مقر اليونسكو، وهي أيضاً تحاول دفع المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. وقد انتقد رئيسها الاسلوب الاميركي في المفاوضات الفلسطينية والاسرائيلية، الذي لم ولن يصل الى نتيجة. ولكن لسوء الحظ، لم تنجح الدول الاوروبية التي ترى ضرورة ملحة لايجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وذلك لأنها لا تستطيع رغم دعمها الاقتصادي الضخم لاسرائيل، ان تتوحد وتقاوم الضغوط الاميركية. وطالما ان الادارات الاميركية المتتالية تريد البقاء وحدها في مفاوضات تمنح اسرائيل كل الحقوق وتضغط فقط على الجانب الفلسطيني، وطالما أن الجانب العربي لا يمارس ضغوطاً اقتصادية ملموسة على الإدارة الاميركية، فإن النهج الاميركي المستمر في مقاومة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني خاسر، لانه ضد السلام والامن في العالم.