أسفي عليك يا مصر، يوجع قلبي، ويدمي كلماتي، ويقرح مدامعي، فما فعله أبناؤك بك، وما يفعلونه، يجعلك لقمة سائغة في أفواه اللئام، ويجعل الوصول إليك والنيل منك، أسهل من طرفة عين. أعداؤك وأذيالهم يتربصون بك لينقضوا عليك، وأنت ما زلت جريحةً، تترنحين من قسوة وظلم من حكموك قبل الثورة، ومن جهل بعض أبنائك أو طمعهم بعد الثورة، فما فات لا نبكي عليه، ولكن ما يهمنا هو الحاضر والمستقبل، ولكن يأبى أذناب النظام المخلوع، إلا أن يفسدوا علينا كل نجاح تحققه الثورة، ويؤثر في أنفسهم كل خطوة نخطوها على طريق الديموقراطية، فيحاولون إشاعة الفوضى، أو إحداث الفتنة والوقيعة بين عنصري البلد. لقد أدت أحداث ماسبيرو، وما نتج منها من قتلى وجرحى، إلى استنفار بعض الأنظمة الخارجية، المتربصة بمصر، والمتوجسة من قرب صحوتها، والمعادية للمخاض الديموقراطي العسير، الذي تمر به هذه الأيام، إلى استلهام دور البطل الإغريقي، الذي يجود بما عنده، حتى بروحه إذا استلزم الأمر، فداءً للإنسانية المعذبة في مصر، محاولاً أن يقنعنا بأن عنصراً من عنصري الأمة، أقلية دينية مضطهدة، ويجب حمايتها، وتوفير الحياة الكريمة لهم. وتحاول تلك القوى إظهار سلبيات المجتمع المصري، وتتناسى حسناته، وتغض الطرف عن أي جهود لإصلاح ما أفسده مبارك. ينظرون إلى المشكلات المصرية من الخارج، ولم يعايشوا المصريين في الداخل، مسيحيين ومسلمين، لم ينزلوا إلى الشارع ليروا الكنيسة في حضن الجامع، ولا سمعوا أجراسها تعانق الأذان، وتؤلف مقطوعة موسيقية رائعة، لا تسمعها في أي مكان في العالم، حتى في أوروبا وأميركا، اللتين تتشدقان بالحرية والمساواة. وكان آخر المضحكات المبكيات، أن نرى برلمان دولة مثل كندا، ليس لها أي ثقل دولي سياسي أو عسكري، يسارع إلى مناقشة قانون يطالب الأممالمتحدة، ومنظمة حقوق الإنسان التابعة لها، بتشكيل لجنة تقصي حقائق، حول أحداث ماسبيرو، ومعرفة ملابساتها متناسين أن القضية في يد القضاء، وأنه لا يجوز المزايدة في قضية ما زالت في يد العدالة، وليس من حق دولة تابعة سياسياً لدولة الاستعمار الحديث، أن تتقدم بطلب مثل هذا، ولكن يبدو أنها تحاول أن تجد لنفسها دوراً دولياً، في بعض الدول التي ليس لها سند إسرائيلي أو أميركي. كندا التي لا تستطيع إلا أن تغض الطرف عن المجازر التي يرتكبها الإسرائيليون في فلسطينالمحتلة ليل نهار، ويروح ضحيتها عشرات الأبرياء من الأطفال والنساء والعجز، من دون ذنب اقترفوه، إلا مطالبتهم برحيل العدو الغاصب لأرضهم، ولم نسمع للبرلمان الكندي صوتاً ينتقد ما تفعله أميركا في أفغانستان، وما تقوم به من بطش وقتل لكل من يحاول أن يعترض على سياستها، ولم نسمع للبرلمان الكندي همساً لما فعلته أميركا في العراق، ولا حجم الدمار الذي سببته آلتها العسكرية، وخلف الفوضى العارمة، وأكثر من مليون شهيد، منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق، الذي ادعى أنه جاء للتحرير ولنشر الحرية والمساواة، وجلب التقدم والرفاهية للعراق. أقول للكنديين ليس هذا دوركم، بل دوركم هو التصفيق للقرارات الأميركية والإسرائيلية، فقد سكتم دهراً ونطقتم كُفراً.