تنتهي الأحداث المهمة في كتب التاريخ المدرسية في لبنان، عند نيله الاستقلال عام 1943. ما حدث بعد حقبة الانتداب الفرنسي، من حروب أهلية وما تخللها من اجتياح إسرائيلي، وقتل ودمار وذبح على الهوية، واتفاق الطائف، وما تلاه من أزمات سياسية واغتيالات، لا تزال ممنوعة من دخول التاريخ! لذلك يُحاول المخرج هادي زكاك من خلال فيلمه الوثائقي «درس في التاريخ»، فضح علاقة اللبنانيين الملتبسة بالهوية، وصعوبة صوغ الأحداث التي مر بها البلد منذ الاستقلال. دخلت الكاميرا الى خمس مدارس متنوعة (دينية، علمانية ومتفرقة) في بيروت وضواحيها وتابعت درس التاريخ، ونقلت الى المشاهد التناقضات اللبنانية. ثمة طلاب لا يعرفون شيئاً عن الحرب الأهلية، وبعضهم لا يعرف إلا القليل، فيما فئة صغيرة منهم لم تسمع بها قط. لا يحاول زكاك التدخل في أحداث الفيلم، بل يترك الطلاب على سجيتهم في التعبير عن آرائهم، من دون ان يفقد طبعاً ايقاع العمل، أو ما يريد الوصول اليه. يبدو جلياً أن غالبية المعلومات الموجودة لدى الطلاب مستقاة من أحاديث عائلاتهم. ويظهر الفيلم مدى انغماس طلاب المدارس الخمسة (مع بعض الاستثناءات) في الطائفية والمذهبية واكتساب أفكار من عائلاتهم هي موضوع خلافات جوهرية في الحياة السياسية اللبنانية. يلتبس معنى الاستقلال لدى الطلاب، فمنهم من يعتبر ان لبنان نال استقلاله لدى جلاء الجيش الفرنسي عام 1943، فيما بعضهم يعتبر ان البلد تحرّر عام 2000، بعد انسحاب القوات الاسرائيلية، وتشير فئة أخرى الى ان انسحاب القوات السورية عام 2005، أعطى لبنان استقلاله الحقيقي. أراد زكاك الذي أخرج قبل الآن أكثر من 20 فيلماً وثائقياً تناولت الحرب اللبنانية ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين، وأصدر كتاباً باللغة الفرنسية عن السينما في لبنان، أن يقول في شكل غير مباشر، أن التأخر في اصدار كتاب تاريخ موحّد للبنانيين، من شأنه توسيع الهوّة بين الطوائف، ما قد يهدد السلم الأهلي. والغريب أن اجتماع النواب في الطائف عام 1989، صدر عنه قرار توحيد كتابي التاريخ والتربية المدنية في لبنان وتضمنته «وثيقة الوفاق الوطني». ولكن حتى اليوم، ما زال الكتاب الموحّد للتاريخ موضوعاً في الأدراج على رغم الانتهاء من صياغته. ويختلف الطلاب في تحديد أصدقاء لبنان وأعدائه، وفي رد على سؤال حول من هم الزعماء التاريخيون للبنان، تنوعت الاجابات بين بشارة الخوري ورياض الصلح وبشير الجميل والخميني وحسن نصرالله وهتلر ونابليون... لا يُقدم زكاك حلولاً لمازق التعليم، بل يسلط الضوء فقط على علاقة اللبنانيين الملتبسة بالتاريخ والهوية من دون فلسفة أو تحليل. «درس في التاريخ»، اقتباس لأفكار الكبار السياسية والمذهبية والطائفية، إنما بألسنة الصغار.