تشهد ألمانيا نقاشاً حاداً حول صحة تدخل الدولة في الاقتصاد الخاص أو عدمه، وخطر ذلك على المنافسة الحرة بعد الدعم المالي الذي قدمته الحكومة خلال الأشهر الماضية ولا تزال إلى مصرفي «هيبو رييل استيت» و «كوميرتس بنك» وشركة صناعة سيارات «أوبل»، وتجاوز مئة بليون يورو لإنقاذها من الإفلاس المحتم بفعل تداعيات أزمة المال الدولية المستمرة. واستحكم خلافٌ بين السياسيين والاقتصاديين والخبراء لم ينته بعد، حول ضرورة الدعم وحجمه أيضاً، والضمانات المتوافرة بأن تسترجع الدولة، وبالتالي دافعو الضرائب، الأموال الضخمة التي قدمت. ويبدو واضحاً هنا أن اليسار عموماً والنقابات العمالية يؤيدان تدخل الدولة فيما يرفضه اليمين وممثلو الاقتصاد الخاص، مع تمايزات لدى الفريقين. وبرز الخلاف جلياً مع إعلان شركات تجارية ألمانية كبيرة الأسبوع الماضي مثل «أركاندور» وصناعة المطابع «هايدلبيرغر دروك» أنها في حاجة إلى دعم حكومي ببلايين اليورو لتفادي إفلاسها وصرف عمالها. وفي وقت بدأت الحكومة ووزارة الاقتصاد مفاوضات مع مجلس إدارة «أركاندور» الذي يضم سلسلة من المتاجر الكبيرة وشركات الخدمات للزبائن في مختلف أنحاء البلد، وجه «الحكماء الاقتصاديون الخمسة» الذين تستشيرهم الحكومة الألمانية نداء في صحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» حذروا فيه من مواصلة سياسة الدعم المالي على المنوال الذي حصل مع شركة «أوبل». وورد في نداء الخبراء أن مَثل «أوبل» يشكل «سابقة خطيرة» يتوجب التوقف عن اعتمادها. وفي حال استمرت الحكومة بها «فإن نتائج هذه السياسة ستكون سلبية جداً على دافعي الضرائب وتعرض الدولة إلى الابتزاز بحجة الحفاظ على فرص العمل» بحسب النداء الذي نشرته أيضاً النشرة الاقتصادية لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) في عددها الأخير. ولفت الخبراء إلى أن الدعم المالي الحكومي المباشر يشكل عبءاً على التنافس الحر ويعرض الشركات السليمة إلى تمييز وخطر، وحذّر من أن يكون هدف المسؤولين الحكوميين تحقيق نجاحات لأحزابهم في الانتخابات النيابية في 27 أيلول (سبتمبر) المقبل. وبعد أن لفتوا إلى أن الاقتصاد لا السياسة هو الذي يحدد القادر على البقاء في السوق، حذروا من سعي أصحاب الشركات الكبرى إلى الحصول على أفضليات على حساب الشركات الصغيرة والمتوسطة التي ستتضرر حتماً. وقالوا إن من الخطأ القبول بمنطق «تأميم الخسائر وتخصيص الأرباح». وشدد نداء الخبراء الخمسة على ضرورة أن تركِّز الدولة في الوقت الراهن على الوضع الذي لا يزال متشنجاً في القطاع المالي من أجل نزع فتيل التوتر عنه. وكان اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية واتحاد الصناعة الألمانية وغيرهما من ممثلي الاقتصاد الخاص حذروا الحكومة والحزب الاشتراكي الديمقراطي مراراً من تبعات التدخل في الاقتصاد الخاص، باستثناء القطاع المالي الخطر على الاقتصاد ككل. وفي الوقت الذي عاد الحزب الديموقراطي المسيحي الألماني الحاكم ليزيد من معارضته تقديم الدعم الحكومي إلى الشركات المتعثرة داعياً إلى عدم تعميم نموذج «أوبل»على الشركات الأخرى في البلاد، يدعو الحزب الاشتراكي الديموقراطي المشارك معه في الحكم إلى درس كل حالة على حدة وتقديم الدعم اللازم حفاظاً على فرص العمل أولاً. كما يطالب في الوقت ذاته بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني من منافسة شديدة ومن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية بعد تراجع الطلب على منتجاتها في وجه عام. وكانت الحكومة خصصت في صندوق الدعم الذي أنشأته السنة الماضية مبلغاً يتجاوز المئة بليون يورو من أصل 400 بليون لإنقاذ المصارف والسوق المالية في البلاد تضاف إليها 40 بليون يورو من القروض الميسَّرة التي يخصصها المصرف الحكومي «قروض من أجل إعادة البناء». وإلى جانب ذلك ثمة 75 بليون يورو في الصندوق المذكور عبارة عن ضمانات أو ائتمانات يضمنها الاتحاد الفيدرالي والولايات الألمانية معاً.