ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي إلى 43,603    NHC تعزز ريادتها العقارية في معرض "سيتي سكيب 2024" بعروض تصل قيمتها إلى 100 ألف ريال    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    البرلمان العربي يدين الاعتداء الذي تعرضت له القوات السعودية في اليمن    بيشة: ضبط مخزن للمواد الغذائية الفاسدة داخل سكن للعمال    أمير الرياض يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    ممثلا "سلطان بروناي دار السلام و"جمهورية توغو" يصلان الرياض    تماشياً مع مستهدفات رؤية 2030 ولتعزيز مستقبل الرعاية الصحية في السعودية: المركز الطبي الدولي يعلن عن تأسيس كلية طب جديدة بمعايير عالمية    حساب المواطن: 3.4 مليار ريال لمستفيدي دفعة شهر نوفمبر    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    "السكري" .. عبء اقتصادي متزايد على الحكومات    هل نرى معرضاً للصحافة السعودية وتاريخها العريق؟!    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على تبوك والجوف والحدود الشمالية    "الصحة" تحيل ممارسين صحيين للجهات المختصة بعد نشرهم مقاطع غير لائقة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تشارك في "ملتقى الترجمة الدولي" بالرياض    خلال الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل:المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي    جمعية «صواب»: برنامج متخصص ل39 شاباً متعافياً من الإدمان بجازان    والدة الأستاذ علي زكري في ذمة الله    35.4 مليار ريال حصيلة الإطلاقات والاتفاقيات في ملتقى بيبان 24    بوتين يقر معاهدة الدفاع المشترك مع كوريا الشمالية    قنوات عين تحصد ثلاث عشرة في خمس مسابقات دولية خلال عام 2024    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    الأمريكية "كوكو جوف" بطلة الفردي في نهائيات رابطة محترفات التنس    محافظ جدة يتوج الفائزين في فعاليات بطولة جمال الجواد العربي    8 توصيات طبية تختتم مؤتمر طب الأعصاب العالمي    20,778 مخالفاً في 7 أيام وترحيل 9254    ضمك يتغلّب على الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الأخضر يفقد كنو أمام «الكنغر»    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    هيئة العقار ل «عكاظ»: «فال» و«موثوق» شرطان لإعلانات المنصات    التفاؤل بفوز ترمب يدفع «S&P 500» لتسجيل أعلى مكاسب أسبوعية    الفيفي: 34 % من الطلب الرقمي الحكومي للمنشآت الصغرى.. بلغ 32 ملياراً    «فهد الأمنية» تستضيف مؤتمر الاتحاد الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية تختتم مشاركتها في منتدى «WUF12» بمشاركة 30 جهة وطنية    «ألفا ميسينس».. تقنية اصطناعية تتنبأ بالأمراض    5 نصائح لحماية عينيك من الالتهاب    يجوب مختلف مناطق المملكة.. إطلاق «باص الحِرفي» للتعريف بالفنون التقليدية    حديث في الفن    ياباني يحتفل بذكرى زواجه الافتراضي    نور ولي والبلوشي يحتفلان بعقد قران مها ورامي    مراسل الأخبار    فيسبوك وإنستغرام يكافحان الاحتيال بتقنية الوجه    انطلاق التمرين السعودي المصري«السهم الثاقب 2024»    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    التعاون يقتنص فوزاً ثميناً من الأخدود    فطر اليرقات يعالج السرطان    لماذا فرغوا الأهلي ؟    فهم ما يجري بالمنطقة من اضطرابات.. !    استحالة الممكن وإمكانية المستحيل    «منطاد العلا»    فوز ترمب.. هل للعنصرية مكان في الانتخابات الرئاسية ؟    أنشيلوتي: حققنا فوزا رائعا على أوساسونا والحديث عن الانتقالات سابق لأوانه    أمين الرياض يلتقي مديرة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية    وفاة والدة الفنان أحمد مكي    القبض على مواطنين في الباحة لترويجهما "الحشيش" و "الإمفيتامين"    مبادرة تطوعية لتبديل المصاحف المهترئة من مساجد وجوامع محافظة ضمد تطلقها إسلامية جازان    الشؤون الإسلامية تنفذ ١٣٣٥ جولة رقابية على جوامع ومساجد ومصليات ودور التحفيظ وجمعيات التحفيظ بمدينة جيزان    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاطعة إسرائيل... سِفر تكوين فكرة
نشر في الحياة يوم 28 - 06 - 2009

من البغيض حقاً أن يتم تعطيل إدانة البشاعات، واحدة بواسطة أخرى. هكذا يجادل الذين تزعجهم تصريحات المسؤولين الأوروبيين بخصوص ما يجري في إيران قائلين: «ولماذا لم تتحركوا إزاء ارتكابات إسرائيل؟». وهو منطق لا يفعل أكثر من المساعدة على تسييد حالة من العدمية تبيح في نهاية المطاف كل المجازر، وتدفع بالوضع بمجمله إلى أسفل، بعكس ما تظن نفسها فاعلة إذ (تبدو وكأنها) تناهض الكيل بمكيالين.
ولا يعني ذلك بتاتاً أنه لا مشكل في السلوك السياسي الرسمي ذاك، فانتقائيته تطيح بما يمكن أن يصون فعاليته: استناده إلى معيار قيمي مشترك. وبافتقاده لهذا، يصبح أي موقف مجرد محصلة حساب مصالح، ومفتوحاً بالتالي على صراع لا هوادة فيه، ولا ضوابط أيضاً! وهو ما يقصده الناس حين يشيرون إلى «السياسة» بمزيج من الريبة والاحتقار، لأنها في نظرهم تنتمي إلى عالم كواليسي غامض، يقول غير ما يقصد، ويموّه بكلام منمق أهدافاً دنيئة. أما رديف ذلك فهو التسليم بالقوة. فمن امتلكها حق له ما شاء. ويدافع السينيكيون عن شيوع هذه الحالة معتدّين بأنها تعبّر عن واقع الناس وعلاقاتهم، وأن سواها وهمٌ قد يكون جميلاً، إلا أنه «إنشاء»، أي مجرد ثرثرة. ومن ينكر ذلك يكذب بنظرهم، وإلا فهو ساذج. وهم لا يفرقون أبداً بين الوهم والطوبى، بوصف هذه الأخيرة الحلم الذي يسبق بالضرورة أي تحقق، أو هي الأفكار التي تجسد ما يصبو إليه الناس بالفطرة...
طوباويون، إذاً، يطلقون هذه الأيام حملة لمقاطعة إسرائيل في العالم. وفي الحقيقة، بدأت حركات تدعو لمثل هذه الحملة منذ أربع سنوات على الأقل، عام 2005، إثر صدور نداء وقعته 170 جمعية فلسطينية يدعو إلى «مقاطعة إسرائيل، وسحب التوظيفات منها، ومعاقبتها». وقد تفاوت تقبل هذا النداء، حيث تقدمت الخطوات التطبيقية له في بعض البلدان (والأوساط، كقرار «مجمع الكنائس العالمي» تبني الدعوة إلى سحب كل التوظيفات من إسرائيل)، بينما بقيت الحالة العامة في بلدان أخرى متهيبة، بالأخص من بنده الأول الذي يحث على مقاطعة إسرائيل على غرار حملة مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وكانت حجة المتحفظين أن مثل تلك المقاطعة توقظ شياطين العزل الذي مورس ضد اليهود في أوروبا، وبالأخص من قبل النازية.
ولكن الهجوم البربري الذي وقع على غزة مطلع العام، اسقط هذه التحفظات، ودفع بالحملة بجدية إلى الأمام، بوصفها الأداة المتوافرة لممارسة ضغط فعال، ليس على إسرائيل فحسب، بل على السلطات في أوروبا والعالم، كما على المؤسسات الدولية، لإنهاء حالة الإعفاء الكامل من المحاسبة الذي تتمتع به إسرائيل. وقد أزال آخر العقبات حيازة نتنياهو وصحبه على الأغلبية في الانتخابات النيابية الأخيرة، وتشكيله حكومة يحتل فيها شخص ك «ليبرمان»، كان حتى الأمس مضرب مثل في الكاريكاتورية الفاشية المبتذلة، منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
وراح مناضلون تقدموا في العمر يساعدون فتية في نبش الملصقات والبيانات التي كانوا قد أصدروها في تلك السنوات، لاستلهامها في الحملة الجديدة، مع اعتبار كل الفوارق، ما هو جلي وما قد يفاجئ: كالملصق الذي ذاع صيته في منتصف السبعينات من القرن الفائت، وبات رمز حملة مقاطعة نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وهو يظهر يداً بيضاء تعصر رأس طفل إفريقي أسود كما لو كان نصف برتقالة. وكان الملصق يدعو إلى مقاطعة برتقال «أوتسبان»، معادل ماركة «يافا» التي تصدرّها إسرائيل فاكهة وعصيراً إلى العالم. رأى الفتية الذين يتولون الحملة ضد إسرائيل أن الملصق شديد المباشرة، وأن استخدام الدماء لم يعد مقبولاً في الملصقات!
وقد كانت فرنسا آخر قلاع التحفظ على الانخراط في حملة مقاطعة إسرائيل (إذا ما استثنينا ألمانيا لأسباب جلية). وكان الممانعون يوردون حججاً تبدأ من أن تقليد العصيان المدني بكل أشكاله ليس مترسخاً في فرنسا، وتنتهي بأن البلد قد عرف قدراً هائلاً ومحرجاً من الوشاية باليهود في الحرب الثانية...رغم أن نداء 2005 الفلسطيني قد أيدته حركات إسرائيلية معادية للكولونيالية، ومنظمات يهودية تناهض الصهيونية وإسرائيل.
ولكن هذا التحفظ - الذي تشقق مع غزة – خبا مع بروز مسألة خطيرة ستتسبب في الفترة المقبلة بكثير من التوتر: لقد اتخذ مجلس منطقة في جنوب فرنسا قراراً بتحويل مرفأ صغير للصيادين إلى «بوابة لاستيراد المنتجات الزراعية الإسرائيلية إلى كل أوروبا»، بحسب بيان المجلس إياه، الذي حدد أن كلفة تحويل مرفأ قرية «سيت» إلى موقع حصري لشركة «أغريسكو» الإسرائيلية سيكلف 300 مليون يورو (للتدليل على عظمة شأنه)، ويوفر 200 وظيفة، في محاولة لتملق حاجة الناس إلى العمل. ولكن أول من استجاب للدعوة إلى رفض القرار وإبطاله، كانت «الكونفدرالية الفلاحية» في تلك المنطقة، ثم على النطاق الوطني. وقد أوضحت هذه النقابة أن إغراق السوق بالبضائع الزراعية الإسرائيلية رخيصة الثمن (لأنها مدعومة من الدولة ولأن معظمها منتج في المستوطنات)، يسيء إلى الإنتاج المحلي ويتسبب ببطالة أكبر من الوظائف التي سيوفرها العمل في المرفأ الجديد. هذا بخصوص حساب المصالح!
ولكن النقابة نفسها قالت أيضاً أنها لا يمكن أن تعتبر القيم شيئاً نافلاً يمكن التضحية به في سبيل المصالح، وأنها لكانت اتخذت الموقف نفسه في كل الظروف، فالأمر يتعلق بتحديد خيارات للحياة، لنوعيتها المرتجاة ولما يعتبر بالتالي نمواً، ولما يعتبر مصالح بالمعنى العميق للكلمة وليس بالمدى الآني الربحي المباشر. وهكذا بدا البيان المتعلق بمناهضة «اغريسكو» ومشروع مجلس المنطقة، والذي وقّعت عليه أكثر من ثمانين هيئة هي مزيج من نقابات وأحزاب وجمعيات متنوعة، حاملاً لفلسفة قلما تخصص لها البيانات السياسية حيزاً، بينما تظهر الأزمة الطاحنة التي تلقي بالناس إلى البطالة والبؤس، أن الحاجة لمثل هذه المقاربة «الطوباوية» لم تكن يوماً بالقوة التي هي عليها اليوم.
هنا يتقارع منطقان. وتبدو حملة مقاطعة إسرائيل (ومساندة الحق الفلسطيني) تتجه لاحتلال مكانها داخل مقاربة شاملة، سياسية بمقدار ما هي قيمية. ويبدو هؤلاء الذين يعتبرون أن من يناهض إسرائيل فعليه تأييد أعدائها، يبدون بائسين حقاً. وهذه الإشارة في الختام تحيل إلى مقدمة هذا المقال، فعسى اتضح القصد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.