في بداية تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، أعلنت لجنة جائزة «نوبل» حصول رولف ستاينمان، وهو عالم كندي، على جائزة «نوبل» في مجال الطب لعام 2011 عن مجمل بحوثه في مجال المناعة ومقاومة السرطان. إلا أن السرطان لم يمهله ليسعد بالجائزة، إذ توفي قبل إعلان فوزه بأيام متأثراً بسرطان البنكرياس، علماً أنه كان يجري بعض بحوثه على نفسه. وترك ستاينمان للبشرية بداية طريق للتغلب على السرطان الذي يهدد ملايين البشر. ملاحقة إيقاع البحث علمياً لا يبدو اختصاصيو السرطان في العالم العربي، بعيدين من متابعة المستجدّات في بحوث السرطان وعلاجه. وأخيراً عقدت «الجمعية المصرية لأمراض السرطان» مؤتمرها العلمي السنوي الثاني في القاهرة بالتعاون مع «الجمعية الأميركية للسرطان» وشارك فيه أكثر من 400 طبيب من مصر ودول عربية، مثل الكويت والسعودية والسودان ولبنان. واختيرت مصر هذا العام ضمن 12 دولة لعرض بحوث عالمية ناقشها مؤتمر «الجمعية الأميركية» الذي عقد أخيراً في شيكاغو. وناقش هذا المؤتمر قرابة 70 بحثاً عن علاج الأورام. وفي سياق مؤتمر «الجمعية المصرية لأمراض السرطان»، تولّت نخبة من أساتذة الأورام عرض هذه البحوث. وتحدث الدكتور طارق شومان أستاذ علاج الأورام في المعهد القومي للأورام في القاهرة عن سرطان الرأس والرقبة، مشيراً إلى أن هذه المنطقة تصاب بسرطانات متشابهة منشأها البلعوم والحنجرة والشفة وجوف الفم وجوف الأنف والجيوب الهوائية وغيرها. وغالباً ما تُشخّص هذه الأورام عندما تضرب العقد الليمفاوية في الرقبة. وأضاف شومان: «ترتبط سرطانات الرأس والرقبة بعوامل بيئية وحياتية، منها تدخين التبغ وتناول الكحوليات والتعرض لبعض المواد الضارة أثناء العمل والأشعة فوق البنفسجية، والإصابة ببعض الفيروسات التي ينتقل بعضها من طريق الجنس. وتتسم تلك الأورام بالعدوانية في تطوّرها. وأكد شومان أهمية اكتشاف هذه الأورام مبكراً. وتُعالج بالجراحة والمواد الكيماوية وجلسات الأشعة. وتحدّث عن العلاج الموجّه Targeted Therapy، الذي يحمل الدواء إلى الأنسجة السرطانية من دون الإضرار بالأعضاء السليمة. وتحدّث أيضاً عن دراسة «بونر» التي قارنت بين العلاج الإشعاعي والعلاج الذي يتضمن أدوية مع الأشعة. وأظهرت أن النوع الثاني من العلاج أكثر فائدة من الأول، بل إن آثاره الجانبية أقل. وكذلك تناول دراسة أوروبية عنوانها «إكستريم»، تناولت نتائج العلاج بالأدوية الحديثة في حال الأورام المتفشية في العنق والرأس. وأظهرت انخفاضاً في معدل وفاة المرضى بنسبة 20 في المئة، كما لُجِم انتشار المرض بنسبة 46 في المئة، مع تحسّن بعض أعراضه وعدم زيادة الآثار الجانبية للعلاج. كذلك تناول المؤتمر علاج أورام القولون الشرجي الذي يعد ثالث أنواع السرطانات انتشاراً. وتحدث الدكتور مصطفى الصيرفي أستاذ علاج الأورام في «المعهد القومي للأورام»، عن العلاج الموجه، مشيراً إلى حدوث تطور كبير فيه، ومُنوّهاً بالنتائج التي يحرزها حينما يضاف إلى العلاج الكيماوي أو الإشعاعي. وأوضح أن 40 في المئة من المرضى يُظهرون تحسناً في الاستجابة للعلاجات بمعدل 80 في المئة، عند استخدام العلاج الموجّه. وأوضح أن تحديد العلاج الموجه بما يتناسب مع سرطان القولون الشرجي، عبر تحليل حيوي مبتكر يحمل اسم «كراس» KRAS. ويوصف هذا التحليل بأنه أول دليل حيوي لسرطان القولون الشرجي. وأضاف الصيرفي أن انتشار هذا النوع من السرطان يرتبط بزيادة تناول الدهون واللحوم، وقلّة تناول الأغذية المحتوية على الألياف مثل الخضار والفواكه. وأكد الصيرفي أيضاً أن مصر ليست من أكثر الدول في معدل الإصابة بالسرطان. إذ تبلغ نسبة الإصابة بالسرطان في مصر طبقاً لإحصاءات «المشروع القومي لتسجيل الأورام»، 120 حالة لكل 100 ألف من السكان، فيما النسبة عالمياً تراوح بين 200 و 300 حالة لكل 100 ألف نسمة. وتصل في بعض ولايات أميركا إلى 400 حالة لكل 100 ألف نسمة. مشاركة كندية مؤثّرة وفي إطار مؤتمر «الجمعية المصرية لأمراض السرطان»، أعلن الدكتور حمدي عبدالعظيم، أستاذ علاج الأورام في كلية طب قصر العيني، نتائج دراسة أجريت برعاية «معهد السرطان القومي الكندي» ومشاركة من «جامعة هارفرد» عن نوع حديث من الدواء، مُبيّناً أنها نُشِرت للمرة الأولى في حزيران (يونيو) 2011. و شملت الدراسة 4560 مريضة من سيدات تزيد أعمارهن عن 60 عاماً، هن من الأكثر عرضة للإصابة بمرض سرطان الثدي بسبب عناصر تشمل تاريخ عائلي للإصابة بهذا السرطان من أكثر من شخصين، والإصابة بسرطان ثدي موضعي، واستئصال أحد الثديين، ووجود تغيّرات جينية مرتبطة بسرطان الثدي، مثل «برا 1» BRA1 وغيرها. وأوضح عبدالعظيم أن الدراسة بدأت في شباط (فبراير) عام 2004 واستمرت سبع سنوات، مع الحرص على ألا يعلم الطبيب أو المريض ما إذا كان العقار المستخدم في العلاج هو الدواء الفعّال أو دواء وهمي. وتابع أن الدراسة أظهرت أن العلاج الجديد أمكنه منع حدوث مرض سرطان الثدي، من طريق التأثير في هرمون ال «إستروجين» Estrogen، الذي يؤثّر عادة في مسار سرطان الثدي. وفي الحال الطبيعي، يفرز هذا الهرمون من المبيض، لكنه قد يتكوّن أيضاً، وبكميات قليلة، في الأنسجة الدهنية وخلايا الثدي أيضاً. وإضافة إلى عمله الطبيعي كهرمون للأنوثة، فإنه يساعد أيضاً على تسريع تكاثر خلايا سرطان الثدي ونموّها. لذا، يتضمن علاج سرطان الثدي بديهياً إعطاء أدوية لتقليل إفراز ال «إستروجين» أو خفض تأثيره. وأظهرت نتائج الدراسة نجاح هذا العقار الجديد في لجم ال «إستروجين» بنسبة 65 في المئة. ولفت عبدالعظيم إلى أن ال 35 في المئة الباقية هي رهن بعوامل أخرى متنوّعة، لافتاً إلى أن الأثر الجانبي الوحيد للعلاج الجديد هو زيادة احتمال الإصابة بهشاشة العظام، والتي يمكن علاجها من طريق العقاقير، بمعنى أنه عارض جانبي يمكن منعه. في السياق عينه، أعلن الدكتور ياسر عبدالقادر بدء العمل بأول تحليل بيولوجي في مصر بدل إرسال العينات إلى الخارج، موضحاً أن هذا يأتي بعد أن تمكنت جامعة القاهرة من تطوير معمل لفحوص الأنسجة، ما يمكنها من تحديد المرض ونوعه ومستقبلاته وتركيزه أيضاً، إضافة إلى المعلومات التي تساعد في رسم خريطة للعلاج تتناسب مع تفاصيل علاج كل مريض بمفرده.