تلازم صفة المحارب الأرجنتيني غونزالو هيغوين، وأكد أحقيته بحملها عندما سجل ال«هاتريك» الثالث في أقل من أسبوعين، مبرهناً تجاوزه آثار الإصابة التي تعرّض لها، وأبعدته عن فريقه ريال مدريد تسعة شهور، ما طرح مجدداً مسألة الخيار المطلوب أن يعتمده البرتغالي جوزيه مورينيو في تشكيلة «النادي الملكي»، من حيث المفاضلة بينه وبين الفرنسي كريم بنزيمة، الذي سجل هدفاً في مرمى ليون خلال مواجهة دوري أبطال أوروبا أخيراً (4 – صفر)، وكان هيغوين احتياطياً، علماً أن الفرنسي فرض نفسه في صفوف ريال مدريد بعد ابتعاد هيغوين القسري. وطبعاً لا تجوز المقارنة بين هيغوين الحالي، وذلك اليافع الذي انضم إلى ريال مدريد قادماً من ريفر بلايت عام 2006 في مقابل 12 مليون يورو وكان في الثامنة عشرة من عمره، ولا حتى مع زميله السابق في مدريد الهولندي رود فان نيستلروي، أو بنزيمة الذي انتقل إلى ريال صيف 2009. مزق عضلي في الظهر «جمّد» أحلام هيغوين وطموحاته وأجبره على الخضوع لجراحة في شيكاغو خلال كانون الثاني (يناير) الماضي. والظهور الأول بعد التعافي تحقق في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وترجمه ب«هاتريك» ساحرة في مرمى إسبانيول (4 – صفر). وبعد خمسة أيام كرر عرضه لكن في شباك تشيلي (4 – 1) تحت ألوان منتخب بلاده ضمن تصفيات مونديال 2014. ولم يكن عناء السفر الطويل والعودة من أميركا الجنوبية مشكلة بالنسبة إلى هيغوين، فلم تتعب قدماه من التسجيل، وأصابت الشباك ثلاث مرات، مهدياً ريال فوزاً عزيزاً على ريال بيتيس (4-1) يوم 15 الجاري ضمن الدوري الإسباني. وعلى رغم انغماسه في حجز مكان أساسي له مع ريال مدريد، لا يتوقف هيغوين عن الحديث عن طموحاته مع المنتخب الأرجنتين، مؤكداً في مناسبات عدة أن حلمه الكبير هو إحراز لقب هداف المونديال. علماً بأنه كان ثالث أرجنتيني يسجل «هاتريك» في المونديال (أمام كوريا الجنوبية عام 2010) بعد غييرمو ستابيلي عام 1930 وغابريال باتيستوتا عامي 1994 و1998. «هيغوين ينهض دائماً» جملة يرددها بفخر والده خورحي، الظهير السابق في برست الفرنسي (1987 – 1988)، حيث أبصر غونزالو النور. و«بيبيتا» لقب ورثه غونزالو عن والده، وبشهادة زميله ومواطنه سانتياغو سولاري، لاعب الوسط السابق في ريال (2000 – 2005)، فإن «هذا المحارب لا يستسلم أبداً، بل يسعى إلى الأفضل، ولا يتأثر بالإصابات وكأنها تضاعف عزيمته وتؤجج حماسته، فالدم الأرجنتيني الصافي يجري في عروقه». ويتذكر شقيقه نيقولا في حديث لتلفزيون «سكستا» الإسباني: «كان عمره 10 شهور عندما أصيب بداء السحايا وظل 25 يوماً بين الحياة والموت، ولم تتعد نسبة تعافيه وعودته طبيعياً ال5 في المئة، لكنه تجاوز هذا المطب. ومنذ ارتدائه قميص ريال مدريد سجل 77 هدفاً في 134 مباراة. ولا يحقق ذلك الا شخص استثنائي يمتلك ذهناً متوقداً، خصوصاً أن اللعب في صفوف ريال والتألق وفرض نفسك بين خيرة النجوم هو تحد دائم بحد ذاته». وهو هدف وضعه هيغوين نصب عينيه منذ التحاقه ب«النادي الكبير»، إذ أراد إثبات نفسه وتثبيت قدميه. وبصفته مهاجماً، كان المطلوب منه تسجيل الأهداف لتأكيد أحقيته في ارتداء القميص الأبيض الشهير. وهو كان قلقاً من هذا الأمر، فسمع كلمات قليلة من زميله فان نيستلروي، بدأ يعرف معناها حالياً، إذ قال له النجم الهولندي: «الأهداف مثل عبوة الكاتشاب، أحياناً لا تخرج مهما ضغطت، لكن لاحقاً تقدُم كلّها دفعة واحدة». عودة هيغواين بهذا الشكل إلى مباريات ريال مدريد تؤكد مجدداً أن إصابته في الموسم الماضي كسرت ظهر المدرب مورينيو الباحث دائماً عن رأس حربة قاتل، لاسيما أن الفريق الملكي سبق أن أثبت فاعليته الهجومية وقدراته في إيصال الكرة إلى منطقة الخصم بفعل وجود لاعبَين يجيدان الاختراق وصناعة الألعاب بامتياز هما الألماني مسعود أوزيل والبرتغالي كريستيانو رونالدو. وعودة هيغوين ب«بريق تسجيل الهداف» تريح من دون شك مورينيو الذي سعى في سوق الانتقالات الصيفية إلى استقدام مهاجم إضافي إلى الفريق، أو على الأقل محاولة إبقاء التوغولي إيمانويل اديبايور الذي استعاره من مانشستر سيتي الإنكليزي في الموسم الماضي لسدّ الفراغ الذي خلفته إصابة هيغواين. أضف أن البرتغالي تدخل مباشرة في محاولة استقطاب البرازيلي نيمار، وكأنه لم يكن مؤمناً بقدرة هيغوين على العودة بهذه القوة وهذه الفاعلية. ونفحة الثقة التي منحها مورينيو لهيغوين ترجمها الأخير بتأكيده أنه لا ينفك يسير في طريق التطور، التي جعلته يزيح بنزيمة سابقاً من الحسابات الأساسية للمدرب، تماماً كما فعل في المواسم القريبة الماضية عندما سبّب تألقه رحيل فان نيستلروي والهداف التاريخي للنادي الملكي راوول غونزاليس.