منذ نحو أربعة أشهر رفعت «الأكثرية الصامتة» صوتها، فعبّر الشباب اللبنانيون عن رفضهم للنظام السياسي الطائفي والفساد والفقر، تحت شعار «لنُسمع الطائفيين صوتنا الهدّار». ومنذ 26 حزيران (يونيو) الماضي، تغيّرت الوقائع: صفحات موقع «فايسبوك» التي كانت مخصّصة للتحفيز على المشاركة في التظاهرات ضد النظام الطائفي، تحولت الى مساحات يُكتَب فيها عن مختلف المواضيع باستثناء تلك المرتبطة بالطائفية، والاجتماعات التي تُعقَد بهدف تنشيط حركة التظاهرات لم تعد تشهد الزخم نفسه. أمّا التساؤل الذي يشغل بال منظّمي الحركات الاحتجاجية، فهو ما إذا كانت هذه «الثورة الشبابية» وصلت الى حائط مسدود وحان وقت إعلان الحداد عليها بعدما زرعت الأمل في نفوس الكثير من اللبنانيين من مختلف الفئات العمرية. الأسف والإحباط لا يفارقان الشباب، الذين شاركوا يوماً بالتظاهرات متحدّين حتى الأمطار ليعبّروا عن رأيهم، فلا دعوات جديدة توقظ الشعور بالرغبة في مواجهة الواقع اللبناني القائم على المحاصصات الطائفية، باستثناء بعض اللقاءات التي تفتح المجال أمام مناقشة مواضيع مرتبطة بالنظام الطائفي. وترى لميا داغر، التي شاركت في التظاهرتين الأخيرتين اللتين تمت الدعوة إليهما عبر موقع «فايسبوك»، أن هناك حالة من الاستسلام شعر بها الشباب بعد المحاولات العديدة للفت الانتباه الى ضرورة الخروج من تحت سلطة النظام الحالي الذي يفرض رؤيته الطائفية على الجيل الجديد ذي الأفكار المختلفة. وتلفت داغر الى أن الشباب المشاركين في التظاهرات لا يمكن أن يتركوا أعمالهم بشكل مستمر للنزول الى الشارع من دون أن يجدوا أن هناك أي أمل في حدوث التغيير. إلا أن عدداً محدوداً من الشباب ما زال متمسكاً بأفكار النهضة اللبنانية، وتتسلل بعض الكتابات الى صفحات «فايسبوك» لتتساءل: «ما هي التحركات الجديدة التي لا بد من القيام بها للحفاظ على زخم الاحتجاجات والتظاهرات؟» من دون أن تلقى الجواب الشافي. زيادة الرواتب لا تعنيهم التخلي التدريجي عن «حلم» إسقاط النظام وإنهاء الانقسام الطائفي في لبنان وإقامة نظام علماني، يشكّل الخسارة الأولى لمسيرة النضال الشبابي التي وثق بها الكثيرون، بعدما حققت إنجازات كبرى في الدول العربية المجاورة للبنان. إلا أن الخطر الذي يُحدق بهذه المسيرة لا يتوقف عند حدود الاعتكاف عن التظاهرات والاحتجاجات، فهناك الكثير من القضايا الأخرى التي تحتاج لحماسة الشباب واندفاعهم، لكن حالة الاستسلام تطاولها أيضاً. والمحطة الثانية هي لقضية رفع الحد الأدنى للأجور، اذ أثار إقرار الحكومة زيادة مقطوعة على الأجور للعاملين في القطاعين العام والخاص بلغت نسبتها 40 في المئة، استياءَ الموظفين كما أرباب العمل، إلا أن رأي الشباب غاب مرة جديدة تاركاً مساحة التعبير للشركات وممثلي العمال، وفي وقت وجد الكثير من الموظفين الشباب أنفسهم غير معنيين بمثل هذه القرارات، باعتبارها غير مؤثرة على ميزانيتهم الاقتصادية بشكل جذري، لم يُسجَّل أي تحرك شبابي رافض لتجاهل البحث عن حلول لمشكلة البطالة، بعدما أكدت دراسة للبنك الدولي أن نصف القوى العاملة في لبنان عاطلة عن العمل أو تعمل بطريقة غير نظامية. وحتى الشبكة الإلكترونية التي طالما اعتُبرت المنبر الرئيسي للشباب، لم تتحول هذه المرة الى ملجأ للتنفيس عن الغضب، اذ لم يتم تشكيل إلا 3 صفحات على «فايسبوك» تُطالب بإعادة النظر في السياسة الاقتصادية المُنتهجة في لبنان بدل التركيز على نقطة واحدة، وهي الاجور. وعند سؤال مروى خضر، وهي إحدى المشاركات في الكتابة حول مطالب الشباب اللبناني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول العوائق التي تَحُول بين الكلام وبين تحويله الى أفعال، تقول: «حاولنا أن ندعو الى تظاهرات ينظّمها الشباب العاطل عن العمل، لكن عدد الملبّين للدعوة لم يتجاوز العشرين شخصاً، فتراجعنا عن محاولتنا للاحتجاج». وترى مروى أن «هناك شعوراً بالتهميش يغزو صفوف الشباب اللبناني، ما يدفعهم الى حال من الإحباط تزيد من استسلامهم للأمر الواقع، بدل محاولة مواجهته للتغيير، لا بل إنّ بعضهم «يفضّل أن يقضي أيامه في السفارات منتظراً الموافقة على طلبه للهجرة بدل أن يتظاهر في الشارع للمطالبة بحقوقه». الطلاب تخلوا عن الأساتذة حال الاستسلام للأمر الواقع تنسحب على ملف آخر أيضاً ذي أهمية وطنية وهو وضع الجامعة اللبنانية، بعدما أكّد الأساتذة المتفرّغون والمتعاقدون أن الكيل طفح من الملفات المتراكمة وتحديداً التجاهل لسلسلة الرتب والرواتب وترك الجامعة من دون مجلس ليديرها بالتعاون مع الرئيس. فما توقّعه الأساتذة هو أن يتضامن الطلاّب معهم لتحقيق مطالبهم، اذ يُعتبر النضال الشبابي جزءاً من تاريخ الجامعة اللبنانية، خصوصاً قبل الحرب الأهلية، لكن ردّات الفعل أتت مغايرة، ووجد الأساتذة أنفسهم وحيدين في مواجهة الإهمال الذي يلحق بالجامعة الوطنية. ومنذ الأسبوعين الأولين للإضراب الذي أعلنه الأساتذة، برز مسار واضح عبر الهيئات الطلابية لاعتبار ذلك إجحافاً بحق الطلاب، اذ تم تأجيل بداية العام الدراسي، وانضم آلاف الطلاب الى مجموعتي «التحرّك الطلابي للدفاع عن حقوق طلاب الجامعة اللبنانية في ظل الإضراب» و «طلاب الجامعة اللبنانية يقولون كفى استهتاراً بحقوقهم» عبر موقع «فايسبوك». كما نُظّمت تظاهرات في حرم بعض الكليات للمطالبة بإطلاق العام الجامعي ووقف الإضراب، باعتبار أن الأساتذة اختاروا فترة صعبة جداً للاحتجاج، اذ ينتظر الكثير من الطلاب التسجيل والدورة الثانية للامتحانات النهائية التي تسمح لبعضهم بالتخرّج. لكن ردة الفعل هذه لم تكن هي المتوقعة أبداً، خصوصاً أن العديد من المنظمات الشبابية أكدت في السنوات الماضية دعمها لقضية الجامعة اللبنانية وحاجة الأساتذة للشعور بالأمان الاقتصادي كي يؤدوا مهمتهم التعليمية، وذلك لأن الجامعة الوطنية تبقى هي الضامن الوحيد لحصول الطلاّب في لبنان من مختلف المستويات على العلم النوعي وشبه المجاني. وأكثر التعابير المُستخدمة بين صفوف الطلاّب هي اعتبار أنفسهم «كبش فداء» في الصراع بين الأساتذة والحكومة، لتبرز بعض الأصوات الخجولة وتعيد التذكير بأن الجامعة ما كانت لتستمر لولا التكاتف بين الطلاب والاساتذة والادارة. وتصف رانيا كرم، وهي طالبة في الجامعة اللبنانية، ما يحدث بأنه «تخلّي الطلاّب عن مفهوم المصلحة العامة ومحاولة كلٍّ منهم تحقيق مصلحته الشخصية من دون الاخذ بعين الاعتبار القضايا المصيرية المطروحة».