تُعلن السلطات الليبية الجديدة اليوم السبت أن البلاد «تحررت» غداة مقتل العقيد معمر القذافي، الأمر الذي يعني بدء المرحلة الانتقالية التي يُتوقع أن تدوم ثمانية شهور وتؤدي إلى حكومة منتخبة. وأرجأت سلطات المجلس الوطني الانتقالي دفن جثماني القذافي ونجله المعتصم اللذين قُتلا بعد أسرهما في سرت ونَقَلَهما الثوار إلى مدينة مصراتة، في ظل دعوات من الأممالمتحدة وعائلة القتيلين إلى فتح تحقيق في ما يبدو أنه «إعدام» لهما بعدما وقعا في الأسر. ونقلت قناة «الرأي» الموالية للنظام المخلوع عن أرملة القذافي صفية، مطالبتَها الأممالمتحدة «بالتحقيق بملابسات وفاة المجاهد معمر القذافي»، وقالت وفق «فرانس برس» نقلاً عن «الرأي»: «أفتخر ببسالة زوجي المجاهد معمر القذافي وأولادي الذين تصدوا لعدوان 40 دولة وعملائها على مدار ستة اشهر، وأحسبهم عند الله مع الشهداء والصديقين». وتابعت صفية التي لجأت إلى الجزائر مع قسم من عائلة القذافي بعد سقوط طرابلس: «لو قبل القذافي بالقواعد الأميركية في ليبيا ... لما حشدوا العالم للعدوان على ليبيا». وظل الغموض أمس يلف مصير سيف الإسلام، النجل الآخر للعقيد الراحل، وأيضاً مصير مسؤول الاستخبارات السابق عبدالله السنوسي، وهو أيضاً عديل للقذافي. وفي حين أكدت مصادر في الثوار أن سيف الإسلام مصاب ومحتجز لدى ثوار زليتن، رد هؤلاء بنفي هذه المعلومة. أما السنوسي، فقد تردد أنه صار في النيجر، بعدما زعمت معلومات سابقة أنه قُتل في عملية الهروب الفاشلة التي حاول القذافي تنظيمها يوم الخميس من سرت. وأكد منصور ضو، المسؤول الكبير في كتائب القذافي والذي كان معه في سرت، أن المعتصم، نجل العقيد، هو من كان يقود المقاومة في هذه المدينة مسقط رأسه، وأنهم كانوا يتنقلون من منزل إلى آخر في الحي السكني الرقم 2 الذي كان الثوار يحاصرونه في سرت. وأوضح ضو لقناة «العربية»، التي قابلته بعدما أسره الثوار ونقلوه إلى مصراتة، أن القذافي ومناصريه قاموا بمحاولة لفك حصار الثوار لهم في الحي الثاني لكنهم عندما انطلقوا في موكب ضخم هاجمتهم طائرات «الناتو»، فغيّروا طريقهم لناحية غرب مصراتة، حيث قصفتهم الطائرات مجدداً فتشتتت عربات الموكب. وقال إنه كان مع القذافي عندما تعرضوا للقصف، وعندما حاولوا الفرار وقعوا في قبضة الثوار. وأظهرت مقاطع تم بثها على شبكة الانترنت، أن الثوار قبضوا بالفعل على القذافي حياً وأساؤوا معاملته وأهانوه قبل قتله، لكن لم تظهر لقطاتٌ للحظة قتله، وإن سُمع دوي رصاص ظهر بعده القذافي ميتاً بعدما كان قبل لحظات يتحدث إلى الثوار. كذلك ظهر المعتصم في شريط فيديو حياً، قبل إعلان مقتله. وأكد حلف شمال الأطلسي الجمعة انه لم يكن على علم بوجود معمر القذافي في القافلة التي أغارت عليها طائراته قرب سرت الخميس. وقال في بيان: «في حوالى الساعة 8:30 (6:30 ت غ) الخميس، اغار طيران حلف شمال الاطلسي على احدى عشرة آلية عسكرية موالية للقذافي كانت في عداد قافلة تضم حوالى 75 آلية تسير في ضاحية سرت». وأضاف أن «هذه الآليات المسلحة كانت تغادر سرت بسرعة كبيرة (...) كانت تنقل كمية كبيرة من الاسلحة والذخائر التي كانت تشكل تهديداً جدياً للسكان المحليين». وجاء في البيان أن طيران الحلف الاطلسي دمر في البداية «آلية واحدة فقط» «مما أعاق سير القافلة» وأدى إلى تفرق الآليات «التي سلكت اتجاهات مختلفة». وأوضح ان «مجموعة من عشرين آلية توجهت نحو الجنوب بسرعة كبيرة» وكانت لا تزال «تشكل تهديداً كبيراً». وأضاف أن «حلف الاطلسي استهدف هذه الآليات»، وان عشراً من «الآليات الموالية للقذافي قد دمرت او لحقت بها اضرار». وأكد البيان أنه «لدى اطلاق النار، لم يكن حلف الاطلسي يعرف ان القذافي موجود في القافلة، وأن الهدف من تدخله كان التقليل فقط من التهديد الذي يتعرض له السكان المدنيون، كما نص على ذلك تفويضنا من الاممالمتحدة... حلف الاطلسي لا يستهدف أفراداً». وأضاف: «علمنا في وقت لاحق من مصادر رسمية ومن الاستخبارات الحليفة، أن القذافي كان موجوداً في القافلة، وأن الغارة ساهمت على الأرجح في أسره»، موضحاً انه لا يعطي معلومات عن جنسية الطائرات التي شاركت في الغارة. وأعلن وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه الخميس، ان مقاتلات فرنسية «اعترضت» مجموعة السيارات التي كان معمر القذافي موجوداً فيها قبل ان تندلع مواجهات برية بين الليبيين. كذلك أفادت مصادر وزارة الدفاع الأميركية، أن طائرة أميركية بلا طيار أغارت على قافلة القذافي قبل تدخل الطيران الفرنسي. وصرح «وزير» الإعلام بالمجلس الوطني الانتقالي محمود شمام الجمعة، بأنه لم يتم بعد اتخاذ قرار في شأن موعد أو موقع دفن القذافي المسجى في مركز تجاري في سرت. وكان المجلس الانتقالي أعلن مساء الخميس أن الجثمان سيدفن في مكان غير معلن بعد تشريحه. وقال فتحي علي باشا آغا متحدثاً عن المجلس العسكري لمصراتة ل «فرانس برس»: «مازال ينبغي اجراء تحليل للحمض النووي، وهو ما سيستغرق يومين». في غضون ذلك (ا ف ب)، طالبت الشرطة الدولية «الإنتربول» والمحكمة الجنائية الدولية سيفَ الإسلام القذافي ب «تسليم نفسه للرد على الاتهامات الموجهة اليه». وأعلنت الشرطة الدولية في بيان أنها والمحكمة الجنائية بالتعاون مع الدول الاعضاء في «الانتربول»، ستتكفلان بنقل سيف الإسلام إلى لاهاي لمحاكمته بتهمة ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية تشمل القتل والاضطهاد». واعتبر الأمين العام للانتربول رونالد نوبل «ان من مصلحة سيف الاسلام القذافي ومصلحة العدالة، أن يسلم نفسه بأسرع وقت للرد على الاتهامات الموجهة اليه». وطلبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الاممالمتحدة الجمعة تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات مقتل القذافي. وقال الناطق باسم المفوضية روبرت كولفيل للصحافيين، إنه «في ما يتعلق بمقتل القذافي (الخميس) فإن الملابسات لا تزال غير واضحة. نعتبر أن إجراء تحقيق هو امر ضروري»، وذلك في اشارة الى المشاهد التي ظهرت على وسائل الاعلام حول اعتقال القذافي حياً قبل اعلان وفاته. وأضاف: «لا بد من اجراء تحقيق، بالنظر الى ما شاهدناه امس (الخميس)». وأكد أن «شريطي الفيديو» اللذين تم بثهما الخميس عن القذافي «الأول وهو على قيد الحياة والثاني وهو مقتول... مقلقان للغاية». لكنه لم يوضح من هي الجهة التي يتعين عليها اجراء هذا التحقيق. وفي لندن، دعت منظمة العفو الدولية السلطات الليبية الجديدة الى اجراء تحقيق حول ظروف مقتل القذافي، وأعلن كلاوديو كوردون المدير العام للمنظمة: «اذا كان العقيد القذافي قتل بعد وقوعه في الأسر، فسيشكل ذلك جريمة حرب، ويتعين على المسؤولين عن قتله المثول أمام القضاء».