كلّ البذور السوداء الصغيرة هيَ لبٌّ غيرُ ظاهر، تنبضُ به كلُ الأشياء ويشاءُ أنها محاصرة. حينَ ولدتُ كان هناك حصار (1985) وكان هناك احتفاء كبير ليس بولادتي، وإنما بشكٍّ... بوهمٍ ذي جسدٍ جميل، وعينين مفتوحتين تتوجهان إلى كلِ شيءٍ حيّ. حين ولدتُ أخبروني بعدَ فوات الأوان، بعد ولادتي وبعد أن دخلتُ في شرودي الأول والمستمرّ حتّى اللحظة وإلى ما بعد فوات الأوان: أنَّ الفضاء امتلأ وأنا التي كنت قد صنعت حلماً يتّسع لكلّ ما يحلو للريح أن تفعل، ولغرّتي لطويلة أن تطير وتسرح ولشراييني الضيقة التي تتسعُ فيها للدّم وللضوء معاً... حيثُ أبني نفقاً طويلا إلى الشمس وتلحق بي كلّ الاتجاهات. أخبروني قبل فوات الأوان... وبعد فوات الأوان، أنّ الفضاء امتلأ... وأن الأشياء قامت بفعلها فعلاً نهائياً. أهو فعلي أني تأخرت زمناً على ولادتي أم أني استعجلتها؟ أم أن زماني لم يكن مستعدّاً لتبنّي وجودي... ليرث أفكاري وريحي هوجاء منذ الأزل لا اتجاه له؟ والآن لا يساورني سوى الشعور بأن الولادة والأوان حصار، وبعدها لا انتماء، وأختم على كلّ الأحاسيس قبل إدراكها ختمَ الصّدأ. قالوا عندما ولدت إن الملائكة ترافقني على كتفي، ولم أصدّق وجودها، ولكم انتظرت ولكم آلمتني رقبتي. كي أراها... وبعدها تنازلت واكتفيت أن أعلم بوجودها يقينا كم كانت تحسن رؤيتي ولم أحسن ذلك قط. هل فقدت فضائي المفترض؟ وقبل أن أفترض ذلك، هل أمسكت للمعنى بطرف؟ أنتم يا من تحسنون التصرف منذ الولادة أنتم يا من تحسنون الحرّية كالطير لكم تخيّلت أني أعرف كلّ معاني الأشياء وأنّ الريش يغطّي فضائي المفقود وأنا من تنام عليه... وأني صاحبة مقام رفيع وتعرف كلّ ما يخصّها منذ المهد أجل خيالي مفعم بالأمكنة المدوّرة المفتوحة من شتّى الاتجاهات، والمليئة بالوجود الملموس في فضاء أخبروني أنه... امتلأ.