منذ أن ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه الشهير في القاعة الكبرى بجامعة القاهرة في (حزيران) يونيو الجاري، الذي تضمن رؤيته للسلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ورؤيته لحل القضية الفلسطينية بوجود دولتين في فلسطين، لازالت ردود الأفعال وآراء المحللين تتجاذب بين متفائل ومتشائم، مؤيد ومعارض، ومن المشارب والأطياف كافة، كل حسب قناعاته أو المعلومات المتوفرة لديه، لكن بعد سماع خطاب نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي في 16-6-2009، والرؤية الإسرائيلية بدت واضحة للسلام الذي تريده إسرائيل، حيث تضمن الخطاب الذي ألقاه في جامعة بار إيلان، نوع السلام الذي تنشده إسرائيل مع الفلسطينيين والعرب، الذي يتعارض كلياً مع ما تسعى له الإدارة الأميركية، والطروحات العربية لحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي، بالعودة لتفاصيل خطاب نتنياهو نلاحظ الآتي: أولاً: عندما حدد نتنياهو التحديات الثلاث التي تواجه إسرائيل، جاء السلام مع العرب التحدي الثالث، حيث وضع الملف النووي الإيراني التحدي الأول، والأزمة الاقتصادية الثاني، وهو ما يوحي للمراقبين بأن السلام لم ولن يكون أولوية بالنسبة لحكومة نتنياهو المتطرفة، مما يجعل عملية السلام صعبة التحقيق إلا في ظل ضغوط أميركية واضحة وقوية على إسرائيل تجعلها تستجيب للمتطلبات الأميركية في عملية السلام. ثانياً: طرح العامل الاقتصادي بين العرب وإسرائيل، ليكون المدخل لعملية السلام قبل الشروع بالقضايا السياسية، وهو الطرح القديم الذي روَّج له شمعون بيريز في الثمانينات والتسعينات بشعار «تنمية الشرق الأوسط»، لتكون إسرائيل مركز هذه التنمية، وتستفيد من السوق العربية، استيراداً وتصديراً، لكن العرب رفضوا هذه الفكرة في مهدها ومنذ بداية الترويج لها. ثالثاً: رؤيته للدولة الفلسطينية تعتبر نسفاً كاملاً للمبادرة العربية التي لم يأتِ على ذكرها البتة، حيث طالب بوجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وأجواؤها مفتوحة، وعدم الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والقدس عاصمة للدولة اليهودية، واعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل كدولة يهودية، مما يهدد الوجود الفلسطيني بالأراضي المحتلة عام 1948. رابعاً: رفض وقف الاستيطان بحجة النمو الطبيعي للمستوطنات، مما يهدد بالاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتعارضه بشكل مباشر مع طلب الإدارة الأميركية بوقف الاستيطان. كل هذه الشروط التي وضعها نتنياهو في خطابه تجعل وجود الدولة الفلسطينية مستحيلاً، ويستحيل بقاؤها واستمرارها في الحياة، بل تصبح سجناً كبيراً للفلسطينيين. السؤال المطروح هو: لماذا اختار نتنياهو الملف النووي الإيراني كتحدٍ أول؟ اعتقد لأنه يعرف أن الغرب منشغل بملف إيران النووي، وكذلك يحاول أن يجعله أولوية، ليشغل الإدارة الأميركية في هذه المسألة، ولخلق نوع من الجدل بين أركان الإدارة الأميركية على ترتيب الأولويات في التعامل مع عملية السلام في الشرق الأوسط، وكذلك زيادة اهتمام الدول الأوروبية بهذا الملف، والإيحاء لها بأن إسرائيل هي خط الدفاع الأول لهم، من خلال تصديها لملف إيران النووي، الذي يمثل تهديداً لها ولأوروبا، ولمصالحهم المشتركة في المنطقة، بحسب زعمه. لقد كان رد الفعل الأميركي متراجعاً عن المأمول، عندما صرح المتحدث باسم البيت الأبيض بقوله «إن خطاب نتنياهو يعتبر خطوة أولى للأمام في الاتجاه الصحيح»، أما الموقف الأوروبي فمن المعروف أنه متطابق مع الموقف الأميركي، إن لم يسبقه في بعض الأحيان، وكلا الموقفين وصفا ذكر نتنياهو لحل الدولتين في خطابه، هو تطور مهم، بينما ما هو شكل الدولة الفلسطينية التي يريدها إلى جوار إسرائيل وصلاحياتها وعلاقاتها مع الغير وعاصمتها، غير مهم بالنسبة لهم الآن. أما بالنسبة للموقف العربي، فكل ما ورد في الخطاب يتناقض مع الطروحات العربية للسلام، وكذلك، حتى مع الطروحات الأميركية الحالية، التي تنادي بها إدارة أوباما بوجود دولة فلسطينية قابلة للعيش، حيث مثّل خطاب نتنياهو نسفاً كاملاً لكل طروحات السلام العربية، ابتداءً من المبادرة العربية وانتهاءً بالمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، مما دعا كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات لأن يقول «على نتنياهو الانتظار ألف عام ليجد من يتفاوض معه من الفلسطينيين». إذاً: ما الطريق المناسب الذي يسلكه العرب في ظل وجود حكومة إسرائيلية متطرفة في مواجهة إدارة أميركية تسعى لحل القضية الفلسطينية؟ على العرب أن يركزوا على تطرف الحكومة الإسرائيلية وتعريتها أمام العالم بأنها حكومة لا تريد السلام، بل تسعى للتوسع وتهديد الاستقرار في المنطقة، الذي ينعكس سلباً على الاستقرار العالمي، والدليل هو عدم تركها لأي فرصة نجاح لعملية السلام مع العرب، وكذلك الوصول إلى القيادات المؤثرة في المجتمعات الغربية، التي كانت ساحة مفتوحة للبرامج والدعاية الإسرائيلية منذ عقود، والتحاور معها ضمن برامج منسقة ومدروسة ومتفق عليها من الدول العربية ليكون هدفها موحداً، هو إقناع هذه القيادات بعدالة القضايا العربية وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني. إن وجود مثل هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، وفي الجانب الآخر وجود إدارة أميركية تسعى للحوار والسلام، هي فرصة عربية ثمينة لاستغلالها، خصوصاً مع تنامي الشعور الشعبي الناقد لإسرائيل، منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى وازداد بعد مجزرة غزة، وكذلك تعنتها في عملية السلام، مع التركيز على أن إسرائيل هي سبب التطرف والعنف في المنطقة، وتزايد الشعور المعادي للغرب، مع التدليل بالدراسات العلمية والبرامج الثقافية التي تظهر صحة وجهة النظر العربية في هذه النقطة بالذات. والسؤال المطروح هو: هل كان هدف خطاب نتنياهو المتطرف رفع سقف شروط التفاوض؟ أم أنه كان فعلاً يعكس السياسة الإسرائيلية للحكومة الحالية؟ أم أنه اختبار لتوجهات الإدارة الأميركية تجاه عملية السلام؟... الأيام المقبلة كفيلة بمعرفة الجواب. * أكاديمي سعودي