تعج صفحات «فايسبوك» وشبكات التواصل الاجتماعي منذ أسبوعين بتعليقات وجمل شخصية منها الآتي: «ثلاث تفاحات غيرت التاريخ: تفاحة آدم وحواء، وتفاحة نيوتن، والتفاحة المقضومة التي قدمها ستيف جوبز إلى العالم»... فجأة، ضربت زوبعة ستيف جوبز العالم كله، بما فيه العالم العربي. أصبح الجميع، كباراً وصغاراً، خبراء بتفاصيل حياة هذا الرجل الذي لم يكن اسمه متداولاً بكثرة في الإعلام خصوصاً العربي. لا عجب أن يركب العالم العربي موجة الحزن على ستيف جوبز، ولا عجب أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي بيت العزاء والتعبير اللافت عن مشاعر الخسارة. كيف لا، والمنطقة تشهد نمواً ملحوظاً في استخدام التكنولوجيا الذكية والهواتف الذكية على وجه التحديد. التعبير حزناً على رحيل صانع مجد «آبل»، لم يكن لشخصه بل لعميد المنتجات التي غزت العالم، وهو انعكاس حقيقي لمدى اقتحام التكنولوجيا الذكية، وعلى رأسها الهواتف الذكية، الحياة اليومية بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة. نعم، نجحت «آبل» في سياستها التسويقية في حمل الناس على الاعتقاد بأن الحياة لا يمكن أن ترقى إلى معايير الرفاهية إن لم يقتنِ الإنسان منتجاً من منتجات «آبل»، ونجحت في إيهام الفئات العمرية المختلفة أن ل «آبل» دستوراً خاصاً لا يتبعه إلا من أراد التفرد والتميز، علماً أن رسالتها بالتفرد كانت موجهة إلى كل فرد في العالم، ولذلك حزن العالم كله عند وفاة واضع هذا الدستور، لأن كل من امتلك أو حلم بامتلاك منتج من منتجات «آبل» رأى حلمه يموت أمام عينيه. واليوم، إن مات أي من صناع الهواتف الذكية، هل سيحزن العالم كله كما فعل لوفاة جوبز؟ الجواب: لا، والسبب اختلاف السياسات التسويقية. والواقع يؤكد أن الأسواق العالمية شهدت خلال 2011 نمواً ملحوظاً في استخدام الهواتف الذكية، إذ تُعد منطقة الشرق الأوسط ومنطقة المحيط الهادئ وأميركا اللاتينية من الأسواق الواعدة بالنسبة إلى مبيعات الهواتف الذكية التي ارتفعت بنسبة 55 في المئة في العالم خلال 2011، وذلك بحسب مؤسسة بحثية. وبحسب «انترناشيونال داتا كورب» نمت سوق الهواتف الذكية بنسبة أربعة أضعاف مقارنة بسوق الهواتف العادية. ويُتوقع أن يصل عدد الهواتف الذكية إلى 50 بليون جهاز في العالم بحلول عام 2020. وقد تعود الفورة في أسباب النمو في منطقة الشرق الأوسط إلى زيادة فاعليتها، وتوفيرها برامج الاتصال المرئي والصوتي المجاني وإرسال واستقبال الصور ومقاطع الفيديو، والتسهيلات التي أُدخلت إلى أساليب الاستخدام التي كانت تُعد معقدة في السابق وإدخال نظام الحلول باللغة العربية، ما وسع شريحة المستخدمين التي كانت تقتصر في فترات سابقة على فئة معينة من الناس، هذا إلى جانب خطط الحفز المقدمة من الحكومات والشركات لمستخدميها. ووسط هذا النمو الكبير لسوق الهواتف الذكية يبرز تحدٍ جديد أمام الحكومات وشركات الاتصالات للاستثمار في البنية التحتية للشبكات المتناسبة والقادرة على مواكبة الكم الهائل من البيانات والحاجة المتزايدة للمشتركين للبقاء على اتصال دائم بشبكة الإنترنت. وما حصل أخيراً مع انقطاع لخدمات هواتف «بلاكبيري» في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا، يعزز من هذه الفرضية. ويبرز تحدي تقبل الآفاق التي يمكن أن تصل إليها خدمات الهواتف الذكية خصوصاً في تسهيل التواصل الاجتماعي في شكل أسرع ومساحة أوسع، وهذا ما بان أثره واضحاً في مطالبة البعض بوقف خدمات الهواتف الذكية وقطع الإنترنت مع اندلاع الثورات في العالم العربي، او حتى في لندن خلال أحداث الشغب الأخيرة في آب (أغسطس). استطاعت منتجات «التفاحة» (آبل) و«التوت الأسود» (بلاك بيري) وغيرها أن تحدث تغييراً في أساليب التواصل الاجتماعي وارتباطنا بالعالم من حولنا وسهلت أساليب إنجازنا لأعمالنا ومتابعاتنا اليومية. لكن هذه هي البداية التي تبشر بمزيد من سيطرة الشركات الكبرى على الاقتصاد العالمي وقرارات المستهلك الشرائية، ومزيد من التحول من سيطرة الدول الاقتصادية على القرارات الاقتصادية في العالم إلى سيطرة الشركات الكبرى على أسواق العالم، وذوبان الاقتصادات الصغرى في دوامة الشركات المسيطرة. * مدير أول للعلاقات العامة في «صحارى» للاستشارات