طوينا أياماً ولا يزال عراقنا ينزف ألماً ويعتصر قلوبنا دماً ويغرق أعيننا دمعاً. طوينا أياماً وقد أصبح بلدنا مقسماً مناطق ودويلات لا يمكن تجاوز الأولى للوصول إلى الأخرى إلا بجواز سفر وربما لا ينفع جواز السفر. طوينا أياماً وقد تكرست الطائفية والقومية في شكل غير طبيعي في العراق، فها هو الكردي لا يتكلم إلا عن مشاكل الأكراد والسنّي لا يهمه إلا مشاكل السنّة والشيعي يبكي على الظلم الذي لحق بالشيعة والتركماني يستغيث من التهميش الذي لحق بالتركمان. أصبح الجميع لسان حال قومه ونسينا العراق الذي لا يطرح أحد همومه، فلا الكردي يهتم بالبصرة ولا ابن الأنبار يهتم بالناصرية ولا ابن العمارة يهمه ما يحدث في تكريت وكأننا قسمنا البلد في ما بيننا، وربما سيأتي يوم ليس ببعيد يصبح التقسيم فعلياً وعلى كل المستويات خصوصاً بعد أن أصبح كل شيء مرهوناً بالمحاصصة الطائفية والعرقية. فعلى المستوى الرياضي ستكون تشكيلة الفريق الرياضي مكونة من مختلف أطياف الشعب ووفق المحاصصة سيكون خط الهجوم من السنّة والوسط من الشيعة والدفاع من الأكراد، أما حارس المرمى فتتناوب عليه الأقليات، فتارة هو مسيحي وأخرى تركماني أو آشوري. وستتكرس المحاصصة لتشمل كل مرافق الحياة وربما يأتي اليوم الذي يحدد فيه السير في الشارع وفق القوميات والطوائف فيوم السبت والأحد يسمح فقط للسنّة بالتجول في الشوارع، أما الاثنين والثلثاء فهما من حصة الشيعة ولا يسمح لغيرهم بالتجول والأربعاء والخميس للأكراد أما الأقليات فسيكون لها فقط يوم الجمعة. يذكرنا ذلك بموضوع الزوجي والفردي وهو القرار الذي كان سارياً في بغداد قبل فترة والذي يحدد يوماً للسيارات التي تحمل لوحة يبدأ رقمها الأول بعدد فردي ويوماً آخر للوحة التي تبدأ برقم زوجي. لقد قسمنا العراق بأيدينا. فهل نلغي كل هذه الحواجز ونتكلم بلسان العراق قبل أن ننسى لفظه واسمه؟