ما الذي قد يحصل حين يجتمع ألفريد هيتشكوك سيد سينما التشويق وباتريسيا هايسميث رائدة الأدب البوليسي السيكولوجي ورايموند تشاندلر أحد كبار كتّاب أدب التحري في أميركا وديمتري تيومكين أحد أساطين الموسيقى التصويرية في السينما؟ واحد من اثنين فإما أن يتناولوا عشاء طيباً مشوّقاً يتسامرون فيه حول الجريمة الكاملة واستحالتها، وإما أن يحققوا معاً فيلماً استثنائياً. في حالتنا هنا كان الخيار الثاني هو الصحيح: كانت النتيجة فيلماً عرض في عام 1951 عنوانه «غريبان في قطار» أخرجه الأوّل عن قصة للثانية وضع لها الثالث السيناريو وكتب الرابع موسيقاه التي لا تضاهى. يعتبر «غريبان في قطار» واحداً من أقوى أفلام هيتشكوك حتى وإن ظلّ في ظلّ الأفلام الكبيرة للمعلم. وربما كان هذا من حظه حيث نعرف أن الأفلام التي نالت من الشهرة حصة تفوق حصته بكثير، اتسمت بالعادية مع مرور الزمن وفقدت نكهة المفاجأة. أما هو فظلّ عصيّاً على العادية وبالتالي ظلّ قادراً على أن يفاجئ كلما عرض من جديد، ويبدو كأنه ولد في الأمس فقط. وحتى عروضه التلفزيونية المتكررة لم تفضح سنّه الحقيقية فاستمرّ طازجاً. وما عرضه اليوم من جديد على الشاشة الفرنسية الصغيرة سوى امتحان جديد له في هذا السياق. مع أننا نعرف سلفاً أن حكايته التي تدور حول رجلين غريبين يلتقيان في قطار وإذ يشكو أحدهما من هيمنة أمه على حياته ويشكو الثاني من وجود زوجته يتفقان على أن يتبادلا جريمتين من المفروض أن تسفرا عن قتل المرأتين، وهذه الحكاية معروفة ويتذكرها المتفرجون. والحقيقة أن المسألة هنا ليست مسألة الحكاية بل الكيفية التي صوّرها هيتشكوك بها بلحظات التشويق ومصير الرجلين ثم الصراع بينهما إذ يرفض أحدهما القيام بما كان تعهّد به إذ نال مأربه... هنا في الحقيقة تكمن هيتشكوكية هذا العمل الكبير وقدرته على أن يبدو دائماً في شرخ الشباب. * «سيني + كلاسيك»، 18,40 بتوقيت غرينتش.