من بين الأفلام العشرة التي اختارتها هذه السلسلة لتحكي عن القفزات النوعية التي عاشها الفن السينمائي طوال تاريخه الذي يربو الآن على مئة عام، يبدو "2001 أوديسا الفضاء" لستانلي كوبريك، الأجمل والأقوى لغة ودلالات. فهذا الفيلم الاستثنائي في تاريخ السينما لقي منذ عروضه الأولى سوء فهم واستنكار قبل ان يستقر في الذهنيات العامة، في مكانته التي هي له اليوم، أسوة بما حدث للأفلام التي عرضتها "الوسط" قبله: "التعصب" و"الدارعة بوتمكين" و"ذهب مع الريح" و"المواطن كين" و"الختم السابع" و"لورانس العرب" و"الساموراي السبعة". في صيف العام 1969 هبط الانسان للمرة الأولى في تاريخ البشرية على سطح القمر، بل على سطح أي كوكب، غير الأرض، في النظام الشمسي كله. كان ذلك الانسان أميركياً، لكن عصر الفضاء، في شكل عام، كان بدأ قبل ذلك ولم يكن أميركياً في بدايته، فالسوفيات كانوا يسجلون، شهراً بعد شهر، نقاطاً مهمة في سباق الفضاء مع الأميركيين. وكانوا أول من غزا الفضاء قبل ذلك بأكثر من عقد. غير ان خطوات الانسان الأولى افتتحت في الحقيقة زمناً جديداً، خصوصاً انها أدت الى جلب صور ميدانية، التقطت هناك في الأعالي فريدة من نوعها. ويروى ان أحد كبار مهندسي وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" راح يتأمل تلك الصور ويتمتم في دهشة: يا إلهي كم انها تشبه فيلم "2001 أوديسا الفضاء". كان فيلم "2001 أوديسا الفضاء" قد عرض قبل أكثر من عام من وصول الانسان الى القمر. ولم يكن المهم في ذلك الحين ان يكون موضوعه دار حول ذلك الأمر مستبقاً اياه او غير مستبق. فالسينما، ومنذ جورج ميلياس، عند بداية القرن العشرين، كانت "وصلت" الى القمر كما كان الأدب جول فيرن فعل من قبلها. فالمهم، في ذلك الوقت، كان البعد البصري، لمدى واقعية ذلك الفيلم الذي كان يومها ولا يزال أجمل فيلم حققه فنان عن غزو الفضاء. حتى وإن كانت "واقعيته" لم تتحقق مع مجيء ذلك العام الانعطافي 2001 ليقول لنا انه سيكون زمناً يشهد سفراً طبيعياً بين الكواكب، وما الى ذلك. والحال ان قوة "2001 أوديسا الفضاء" لا تكمن في قدرته على التنبؤ أو على التوقع، وفي استباقه للأحداث، بل تحديداً في أبعاده الفلسفية والجمالية، خصوصاً البصرية، التي بدّلت من نظرة الانسان الى الفضاء، والى تاريخ البشرية، والى العلاقة مع الزمن. ومع هذا بدا الفيلم حين عرض للمرة الأولى عصياً على الفهم ولا يزال. فهل علينا ان نقول ان مسألة الفهم أو عدم الفهم مسألة شديدة الأهمية بالنسبة الى فيلم من هذا النوع؟ سنرى. مخرج "2001 أوديسا الفضاء" هو ستانلي كوبريك، الذي لم يحقق طوال حياته، التي قضى قسمها الأول في الولاياتالمتحدة، وبقيتها في بريطانيا التي نفى نفسه اليها أوائل الستينات ثم لم يغادرها أبداً بعد ذلك، لم يحقق سوى 13 فيلماً، يعتبر كل منها في مجاله نقطة انعطاف في تاريخ الفن السابع. وكان كوبريك قد حقق قبل "2001 أوديسا الفضاء" مباشرة فيلماً معادياً للحرب وللسلاح النووي يسخر من الولاياتالمتحدة ونزعتها العسكرية عنوانه "دكتور سترانجلاف". وهو حين كان يستعد لتحقيق هذا الفيلم كان يريد له ان يكون مروياً على لسان سكان الفضاء الخارجي اذ يراقبون باحتقار وسخرية تصرفات سياسيي عالمنا الذي نعيش فيه. لكن كوبريك سرعان ما استبعد تلك الفكرة لصعوبة تنفيذها مالياً وعملياً. وقرر ان يكون فيلمه التالي عن غزو الفضاء. وهكذا ما ان حقق "دكتور سترانجلاف" النجاح الذي نعرف حتى راح كوبريك يبحث عن نص أدبي ينطلق منه، في الوقت نفسه الذي بدأ فيه محاولة اقناع المنتجين مترو غولدوين ماير بتوظيف أموال في مشروع كهذا، من دون ان يخفي عنهم ان الكلفة ستكون باهظة لأنه قرر منذ البداية ان تكون المؤثرات البصرية في الفيلم استثنائية وغير مسبوقة. واذا كان كوبريك قد تمكن من الحصول على موضوعه اثر تعرفه الى الكاتب آرثر سي. كلارك وقراءته قصته القصيرة "الخفر" التي ستشكل أساس الرواية والسيناريو اللذين سيكتبهما كلارك معاً، تحت اشراف المخرج، فإنه كان مضطراً الى انتظار النجاح التجاري الكبير الذي حققه فيلم "كوكب القردة" ليرى أصحاب "مترو غولدوين ماير" مقتنعين بأن هذا النوع من الأفلام يمكن ان يكون مربحاً، شرط الا توظف فيه أموال طائلة. صحيح ان الموازنة التي طلبها كوبريك يومها كانت كبيرة 5.4 مليون دولار، لكنها كانت تبدو معقولة بالمقارنة مع أكثر من عشرة ملايين دولار، التكلفة النهائية للفيلم، ذلك ان سنوات الاعداد والتنفيذ الطويلة كانت لها كلفتها. التفسير ممنوع اليوم، لن يكون من الانصاف القول ان "2001 أوديسا الفضاء" كان مخيباً لآمال الشركة التي أنتجته، من الناحية المالية. خيبة الأمل، الفورية على أية حال، كانت من نصيب النقاد الذين كانوا اعتادوا مناصرة سينما كوبريك، كما كانوا اعتادوا المواضيع الخطية الواضحة والبسيطة التي تليق بسينما يشاهدها عشرات الملايين. فبالنسبة الى هؤلاء كانت الأسئلة كثيرة ومحيرة. وكان كثير مما في الفيلم مغلقاً تماماً يصعب ولوجه، وعقلانياً الى درجة ان أحدهم اقترح يومها ان يأتي كوبريك مع كل عرض لشرح ما يريد ان يقوله في الفيلم. بيد ان هذا لم يحرك في كوبريك ساكناً. بل انه قال ان الفن الكبير لا يشرح ولا يطلب منه ان يعلن ما يريد قوله، بل المطلوب منه ان يقول وأن يترك لكل متفرج حرية ان يفسر تبعاً لرؤاه وتوقعاته وثقافته. طبعاً مثل هذا الكلام كان جديداً على عالم السينما الشعبية، سينما الأنواع التي لا علاقة لها بالسينما الشخصية التي كان اعتاد تحقيقها بين الحين والآخر مؤلفون هامشيون. و"2001 أوديسا الفضاء" فيلم لا بد من ان ينتمي الى السينما الشعبية - كلفة وضخامة وموضوعاً - من هنا كان رهان كوبريك شديد الخطورة. واليوم بعد نحو أربعة عقود هل يمكن القول ان كوبريك حقق رهانه؟ ان كل من يشاهد الفيلم اليوم. يبدو مستمتعاً به، حتى وإن أغلق عليه فهم بعض مفاتيحه، وهو أمر يتضاءل عقداً بعد عقد، بل ان مشاهدين كثيرين بدأوا يتلمسون تجديدات كوبريك على صعيد اللغة السينمائية. وحتى على صعيد دور الفن الكبير في الحياة الروحية للبشر. فهناك مشاهد عدة في الفيلم تبدو اليوم أليفة جداً. بما في ذلك - ويا للغرابة - صوّر ذلك المشهد الأخير الذي ينتقل من رحلة "بسيكاديلية" مذهلة في أعالي الفضاء الى غرفة نوم أثاثها من طراز لويس السادس عشر. من ناحية سياقه التتابعي يتألف "2001 أوديسا الفضاء" الى هذه الأجزاء الأربعة على التوالي: الجزء الأول، وعنوانه "فجر البشرية"، وفيه تطالعنا جماعة من الكائنات - التي سنعرف على الفور انها حلقة الوصل بين القردة وأول البشر، وحياة هذه الكائنات تتمحور حول أكل النبات الملتقط من الطبيعة السخية. لكن هذه المجموعة سرعان ما تشعر بنفسها مهددة من قبل مجموعة أخرى من آكلي اللحوم. ويدور صراع عنيف حيناً، وخفي حيناً آخر بين الجماعتين. ثم حين تفيق المجموعة الأولى ذات يوم، تجد أمامها نصباً مونوليث مرتفعاً أسود اللون تعجز، بالطبع، عن ادراك سره أو سر وجوده هنا. وفي اللحظة نفسها يتعلم واحد من تلك الكائنات كيف يستخدم عظمة ليقتل بها للحصول على اللحم. وبهذا يكون جد الانسان الأول قد اكتشف اخترع؟! أول آلة وأول سلاح، ما يعني ان الكون دخل مرحلة جديدة من تطوره. وهنا اذ يرمي الكائن بالعظمة في الفضاء، احتفالاً بذلك ربما، يحدث ذلك القطع السينمائي الأكثر غرابة، اذ بالتدريج تتحول العظمة الى المركبة الفضائية: لقد قطعنا في الزمان والمكان ما لا يقل عن أربعة ملايين عام. وهكذا نجدنا في الجزء الثاني من الفيلم: تحديداً في العام 2001. وها نحن الآن داخل مركبة فضائية عملاقة تقوم برحلة - ستبدو على الفور عادية وشبه روتينية - الى القمر. وسنفهم ان الغاية من الرحلة انما هو تمكين العالم الأميركي د. هوارد من سبر أغوار نصب أسود غريب جرى اكتشافه ورصده فوق سطح القمر وتبين انه يبث اشارات غامضة في اتجاه كوكب جوبيتير المشتري. ونفهم أيضاً ان النصب يبدو قائماً هناك منذ زمن بعيد، وان الذين يقتربون منه يتعرضون لعواصف رهيبة. ولن يكون مدهشاً للمتفرج ان يعلم على الفور ان ذلك النصب كان هو نفسه الذي برز أمام أولى الكائنات البشرية منذ فجر التاريخ فكان سراً عصياً. وها هو يبرز اليوم أيضاً كسرّ عصي أمام أبناء الألفية الثالثة. غير ان هذا، لن يمنع علماء الفضاء من محاولة التوجه الى كوكب المشتري أملاً في سبر أسرار هذا النصب / اللغز. وينقلنا الفيلم عاماً ونصف العام، تحت عنوان "مهمة في المشتري". وهذه المرة مع المركبة الفضائية "ديسكافري" المبحرة في أعالي الفضاء في اتجاه هذا الكوكب وعلى متنها رائدا الفضاء الأميركيان بومان وبول، اضافة الى ثلاثة علماء تم تجميدهم جليدياً كي يعاد ايقاظهم عند الوصول ليقوموا بأبحاثهم هناك حول الاشارات التي يبثها النصب. لكن هؤلاء ليسوا كل من على المركبة. فهناك أيضاً الحاسوب "هال 9000" الذي يسيّر شؤون المركبة، وهو حاسوب متطور جداً إذ أنه قادر على الكلام. وذو عواطف. وستكلف كثيراً، كما انها - هنا - ستنحو بالفيلم في اتجاه جديد ومفاجئ، ذلك أن "هال 9000" وقد سئم وضعيته كآلة في خدمة الانسان، يتطلع الى ان يعامل في شكل أفضل: بكونه عقلاً وعاطفة أيضاً. ومن هنا يدور صراع خفي أول الأمر - علني لاحقاً - بينه وبين رائدي الفضاء. وهذا الصراع تدعمه تمتمة "هال 9000" الذي يتبين انه ثرثار أيضاً، ولكنه حين يعجز عن فرض كينونته الروحية يتلاعب بالآلات، ويحدث خللاً تكون نتيجته القضاء على العلماء الثلاثة النائمين، وكذلك رمي الرائد بول في الفضاء الخارجي اللامتناهي. وهذا "الشر" هو الذي يدفع الرائد الآخر بومان الى القضاء على الحاسوب "هال 9000" وتفكيكه وسط توسلات هذا الأخير. اذاً، بعد قضاء بومان على "هال 9000" يكون عليه، في الجزء الرابع من الفيلم ان يواصل مهمته وحيداً في اندفاع مركبته "ديسكافري" نحو المشتري. وهذا القسم من الفيلم هو أكثر أقسامه دينامية وجمالاً ودلالة. ولكن كذلك اثارة للأسئلة، حيث ان كوبريك حمله كل أسئلته الوجودية والفكرية، وربما الميتافيزيقية أيضاً، من دون ان يجد جواباً على أي من تلك الأسئلة، الا في البعد البصري الأخاذ الذي أضفاه عليه: اذ ان المركبة تتابع الطريق الى المشتري تحت عنوان "ما وراء الأبدية"، ويلتقي الرائد بالنصب الأسود غير بعيد عن الكوكب، في وقت تلج فيه المركبة مناطق ضوئية شديدة الغرابة في سفر يبدو بلا نهاية وكأنه يمثل رحلة الانسان منذ فجر الأزمنة الى آخرها. اذ من الواضح هنا ان هذا السفر ليس سفراً في المكان/ الفضاء. بل هو سفر في الزمان. حيث ان بومان، عند نهاية رحلته وحيث يلف السكون كل شيء في شكل مفاجئ، لن يجد نفسه في أعالي الفضاء، بل داخل غرفة صامتة هادئة مؤثثة على طراز لويس السادس عشر. أما بومان الذي نعرفه شاباً دينامياً، فإنه سيصبح كهلاً خلال دقائق قليلة جداً ويشيخ في السرير الأنيق، حيث يفتح عينيه فيجد النصب الأسود الشهير يواجهه في منتصف الغرفة نفسها. وعند مواجهة النصب يحدث للشيخ ان يتحول الى جنين كوكبي يسبح في الفضاء والأرض تبدو غير بعيدة. وعلى هذه الرؤية المذهلة تنتهي دقائق الفيلم المائة والخمسون. ما الذي يعنيه هذا كله؟ أمام تلك الرؤية التي ينتهي بها الفيلم، فغر المتفرجون في ذلك الحين أفواههم، دهشة واعجاباً، بل استنكار أيضاً. فهم بعدما أفاقوا من ذهول بصري أصابهم خلال الساعة الأخيرة من الفيلم راحوا يتساءلون: ما هذا؟ ماذا يعني هذا كله؟ أي دلالة له؟ كما قلنا، لم يشأ كوبريك ان يجيب. وكذلك صمت آرثر سي. كلارك الذي كان تعليقه الوحيد على الفيلم اذ أعلن انه أحبه كما لم يحب أي فيلم من قبل، من دون ان يفوته القول ان الفيلم هو فيلم كوبريك أولاً وأخيراً انه "بعد هذا الفيلم وبما فيه من الواقعية والجمال، اذا شئنا تصوير فيلم خيال - علمي سيكون علينا ان نصوره في المكان نفسه الذي تقع فيه الأحداث". المهم ان النقاد والمتفرجين تمكنوا من التعود تدريجاً، بعد "الصدمة" الأولى، على ان السينما يمكنها - بصرياً - ان تقول كل شيء من دون ان تشرح شيئاً. وخلال عام أو عامين على ظهور "2001 أوديسا الفضاء" صار ممكناً اعتباره أكثر أفلام الخيال العلمي جمالاً وطموحاً وإدراك الكل ان كوبريك انما شاء، من خلاله ان يتجاوز تبسيطية أفلام الخيال العلمي. اضافة الى رغبته في ان يضخ السينما الحديثة بشاعرية كانت بتفتقر اليها منذ زمن بعيد. وبدا واضحاً ان كلمة "شاعرية" هي الكلمة المفتاح في هذا كله. اذ ان "2001 أوديسا الفضاء" الذي يربط عنوانه نفسه، بدايات الشعر الأوديسة، بالأزمان المقبلة الألفية الثالثة، ما هو في نهاية الأمر سوى قصيدة شعر كبيرة، تزينها الموسيقى وألعاب اللغة التشكيلية وعواطف البشر وحكاية تطورهم. وبما ان الناس لا يطالبون الشعر عادة بتفسيرات شديدة العقلانية، قال كوبريك متسائلاً: لماذا تطالبون السينما بهذا؟ قبل ان يضيف: "سأقول فقط ان ما حاولته هنا انما هو خلق تجربة بصرية تدخل الوعي مباشرة بما تحتويه من قوة عاطفية وتأثيرية" خاتماً ان "كل متفرج سيكون حراً في استنباط الدلالات الفلسفية والرمزية للفيلم حسبما يرتئي". والحال ان "2001 أوديسا الفضاء"، منذ استجاب متفرجوه لدعوة كوبريك هذه، صار شيئاً آخر، اذ قفز بالسينما الى عالم الشعر، وفي هذا الاطار تكمن فرادته وأهميته في تاريخ الفن السابع ستانلي كوبريك على رغم انه لم يحقق سوى 13 فيلماً خلال مساره السينمائي الذي استغرق نصف قرن تقريباً، فصلت بين فيلمه القصير الأول "يوم المعركة" 1949 وبين رحيله العام 1999 بعدما حقق فيلمه الأخير "عيون مغمضة على اتساعها"، يعتبر ستانلي كوبريك المولود في نيويورك العام 1928 واحداً من كبار فناني السينما وشعرائها. فابن الطبيب الذي هوى باكراً التصوير والشطرنج والأدب، لم يحقق طوال حياته سوى أفلام كبيرة، لن يكون من المغالاة القول ان كلاً منها استوعب نوعاً سينمائياً ليعيد تأسيسه من جديد، من الفيلم التاريخي - مع "سبارتاكوس" 1960 و"باري لندن" 1975 - الى الفيلم الحربي - مع "خطوات المجد" 1957 و"سترة معدنية كاملة" 1986 - والفيلم العاطفي - مع "لوليتا" 1962 - فالفيلم الهزلي الساخر المناهض للقنبلة الذرية - "دكتور سترانجلاف" 1964 - فسينما العنف واستشراف المستقبل - "برتقال آلي" 1971 - وصولاً الى سينما الرعب - "اشراق" 1980 -، وأخيراً سينما الحلم والجنس - "عيون مغمضة على اتساعها" 1999 - ناهيك بأفلام أولى تبدت أفلام جريمة وعصابات مثل "القتل" و"قبلة القاتل" أواسط الخمسينات. أبدع كوبريك في تحقيق سينما شخصية وخاصة جداً، على رغم انه اقتبس مواضيعه من نصوص أدبية، لا سيما منذ "سبارتاكوس"، اذ نجد أعماله تحمل أصلاً تواقيع هاوارد فاست، وفلاديمير نابوكوف وبيتر جورج وآرثر سي. كلارك" وأنطوني بارغس وويليام ثاكري وستيفن كنغ وصولاً الى آرثر شنيتزلر في فيلمه الأخير غير ان ما يمكن ملاحظته هنا، هو ان كوبريك، الأميركي، الذي آثر مبارحة وطنه ليعيش في بريطانيا ويحقق فيها كل أفلامه الأساسية منذ 1961، عرف دائماً كيف يحوّل تلك النصوص الى سينما تقول أفكاره وأسئلته وهواجسه التي كان يحدث دائماً ان يكتشف متفرجوه ولو بعد حين انها هي هي أسئلتهم وهواجسهم، وقد أضفى عليها ذلك الفنان الذي بدأ في صباه مصوراً فوتوغرافياً، عنصر الجنون كواحد من العناصر المكونة لانسانية الانسان.