مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    وزير الصناعة من قلب هيئة الصحفيين بمكة : لدينا استراتيجيات واعدة ترتقي بالاستثمار وتخلق فرصا وظيفية لشباب وشابات الوطن    السعودية الأولى عالميًا في رأس المال البشري الرقمي    استقرار أسعار الذهب عند 2625.48 دولارًا للأوقية    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    سجن سعد الصغير 3 سنوات    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    حرفية سعودية    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    فصل التوائم.. أطفال سفراء    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    ألوان الطيف    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    القتال على عدة جبهات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    كلنا يا سيادة الرئيس!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" في مرسيليا "العربية" عرب ضائعون يبحثون عن هوية ودور بين الاندماج والعنصرية والحجاب ولقمة العيش
نشر في الحياة يوم 29 - 03 - 2004

قصة العرب مع فرنسا، ومع مرسيليا تحديداً، قصة تاريخ طويل من العشق العنيف والمشاكسة الودودة. فمرسيليا المدينة الجنوبية المتوسطية، هي مرفأ فرنسا الأول التجاري والسياحي ومركزها الإداري والجامعي والديني. أخذت اسمها من أغنية وطنية Marseillaise ألفها عامل في ستراسبورغ عام 1792 من أجل الجيش في منطقة رين. وأصبحت هذه الأغنية في عام 1795 ومن ثم في العام 1875 الشعار الوطني الفرنسي.
هذه المدينة المتوسطية الهوى، تخالطها جنسيات كثيرة، اسبانية وايطالية وبرتغالية، ولكن تطغى عليها الملامح العربية والسحنة السمراء، حتى لقبت بأول مدينة جزائرية على البحر الأبيض المتوسط.
تضم هذه المدينة السمراء بين حواريها وأزقتها محلات صغيرة وأسواقاً شعبية لسلع شرقية، وتصادفك غالباً لكنات مغربية وتونسية وجزائرية حتى يخيل لزائرها انه في احد الشوارع الشعبية في مدينة مغاربية.
بدأت قصة فرنسا مع المهاجرين العرب في بداية القرن الثامن عشر، بعدما انخفض النمو السكاني فيها، وأصبحت اليد العاملة حاجة ماسة وحيوية في بلد يتطور صناعياً بشكل غير متناسب مطلقاً مع التزايد السكاني فيها، ما اضطر فرنسا الى اعتماد سياسة استقطاب اليد العاملة في مستعمراتها، فكانت الحصة الكبرى للمغاربيين، خصوصاً الجزائريين، الذين لهم مع فرنسا تاريخ طويل، فمنهم من جاء الى مرسيليا للعمل ومنهم للبقاء مع عائلته أو طلباً للجوء، حتى أصبحت فرنسا البلد الثاني بعد أميركا في قبول المهاجرين، خصوصاً بين 1900 و1920.
وساهمت موجة المهاجرين التي اجتاحت فرنسا واستقرت فيها، في بناء البلاد اقتصادياً، وتركزت في الأعمال الصعبة، كالبناء وشق الطرق، والصناعات الثقيلة وأحواض بناء السفن. وكان لا بد لهذه اليد العاملة من أن تأخذ شكلها القانوني لاحقاً، اذ اضطرت فرنسا الى منح العمال الجنسية الفرنسية بالاستناد الى قانون الجنسية الذي يعطي أي أجنبي الحق في الحصول على الجنسية الفرنسية بعد خمس سنوات من الاقامة والعمل.
وهكذا عاش العرب في فرنسا وعملوا فيها وأصبحت لهم عائلاتهم واخترقوا مختلف المجالات حيث غالبية المهن مجبولة بعرقهم. وأصبحوا هنا في فرنسا ولا يريدون الرحيل، ولكنهم في الوقت نفسه لا يشعرون بالمواطنية الفرنسية الكاملة بل على العكس يشعرون بالغربة أينما ذهبوا، سواء في فرنسا أم في بلدهم الأصلي، تتآكلهم مشاعر الدونية والاحساس بأنهم مرفوضون ومهمشون ومغبونون.
والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل ان منح الجنسية الفرنسية للمهاجرين العرب كان كافياً لمعاملتهم كفرنسيين ولدمجهم رسمياً وفعلياً في المجتمع الفرنسي؟
وكيف يشعر الفرنسيون من أصل عربي، هل هم فرنسيون أم عرب؟
وأين هم من المواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
هل يتقبلهم الفرنسيون الأصليون؟ هل عملت فرنسا فعليا على دمجهم في المجتمع الفرنسي؟
أين هم من التمثيل السياسي؟
هل القانون القاضي بمنع الحجاب هو رد فعل أم عقاب على عدم الاندماج؟
هل تتناسب مفاهيم الدين الاسلامي مع مبادئ العلمانية؟
هل الحجاب علامة على خضوع النساء أم على تطبيق الشريعة؟
هذه الأسئلة حملتها "الوسط" الى عدد من العرب الفرنسيين يمثلون نماذج مختلفة، سواء من المندمجين كلياً في المجتمع الفرنسي، أو من الذين يشعرون بالتهميش، أو من الذين لا يعتبرون انفسهم فرنسيين مئة في المئة وفي الوقت نفسه لا يستطيعون العودة الى أوطانهم.
أحمد محيو
مولود عام 1936، جزائري بربري، دكتور في القانون وعميد كلية الحقوق في الجزائر سابقاً ومدير سابق لمركز الدراسات والابحاث للعالم العربي والاسلامي في فرنسا وحالياً مدير ابحاث في المركز الوطني للدراسات العليا في فرنسا منذ 1990.
يقول ان: "الفرنسيين من اصل عربي مندمجون فعلياً في المجتمع الفرنسي، ومن يعتبرون انفسهم غير مندمجين اقلية ويمثلون القطار الوحيد الذي وصل متأخراً، بينما كل القطارات وصلت على الوقت. وانا في الحقيقة لا افهم لماذا نتكلم عن الاندماج واعتقد بأن الصحافة هي التي ضخّمت القضية واعطتها حجماً اكبر مما تستحق. لكن مما لا شك فيه ان هناك عنصرية وتمييزاً في فرنسا، لكن العنصريين هم اقلية كما انه لا يمكن مقارنة الوضع في فرنسا الآن بما كان عليه في الثمانينات.
ولا اعتقد بان حظر الحجاب سيؤدي الى تقوقع، فمن هم ضد هذا القانون قلّة قليلة والاكثرية موافقة على هذا القانون، اضافة الى ان النتيجة لن تتعدى ان الفتيات المحجبات سيذهبن الى مدارس خاصة تقبل بهن.
ان الحل هو ايجاد التوازن في مسائل السكن والعمل ومعالجة المناطق التي تعاني من وضع اقتصادي واجتماعي سيئ وايضاً معالجة التمييز العنصري في المجتمع الفرنسي، وهذا لا يمكن ان يتم بسرعة فهو بحاجة الى الوقت والصبر. وفيما يتعلق بالجرائم الصغيرة، كالنشل والسرقة او الشغب الخفيف فالنسبة الكبيرة من المتورطين فيها هم من العرب للاسف، وسببه اما رد فعل على الرفض الاجتماعي الذي يشعرون به او سوء الحالة الاقتصادية".
علي مدني
أستاذ أدب ولغة في الجزائر وفرنسا، متقاعد حالياً: "ولدت فرنسياً لأن الجزائر لم تكن موجودة قبل الاستقلال. وبعده أصبحت جزائرياً فقط، لأنه كان على المسلمين بعد الاستقلال أن يطلبوا رسمياً الاحتفاظ بالجنسية الفرنسية، ولكنني طلبت الجنسية الفرنسية قبل حوالي عشر سنوات كي أحصل فقط على كامل الحقوق التي يحصل عليها الفرنسيون.
لا شك أن هناك تمييزاً عنصرياً، نراه بشكل واضح في العمل والسكن. فشخص عربي مثلاً اسمه محمد لا يحصل على العمل. أما شخص فرنسي اسمه هنري مثلاً فيحصل عليه بكل سهولة. وعندما يتكلمون عن عنف العرب، فأنا أؤكد أنه رد فعل وليس فعلاً مجانياً، وذلك بسبب البطالة والفقر، وكون العرب مهمشين، مما خلق لديهم عقدة الدونية.
وفي ما يتعلق بوجود وزيرين من أصل عربي في الحكومة الحالية، فأنا أرى أنهما لن يقوما بأي شيء، خصوصاً أن الوزير الحملاوي هو حركي المتعاونون مع الفرنسيين أثناء حرب التحرير، وهو بالتأكيد لن يساعد الفرنسيين من أصل عربي، فالحركيون تم تهميشهم في الجزائر ونزعوا عنهم الجنسية الجزائرية، وهم حتى الآن يشعرون بالكره حيال الجزائر والجزائريين وهم أصلاً ليسوا جزائريين وليسوا عرباً، وبالتالي وجودهم في الحكومة لن يساعد في شيء، بل على العكس.
ميريام صلاح الدين
فرنسية بالولادة من أصل مغربي. أول فرنسية من أصل مغربي تحتل منصب مساعدة رئيس بلدية، شاركت في الانتخابات البلدية عام 2001 على لائحة اليمين. تقول: "طبعاً أنا مندمجة كلياً في المجتمع الفرنسي وأنا أصلاً لا أحب التكلم عن الدمج والاندماج، لأنني أصلاً ولدت في فرنسا، ولكنني بالطبع لا أنسى جذوري، فأنا مغربية ومسلمة ولا أنسى تقاليدي، ولكنني أيضاً لا أنسى أنني فرنسية.
اشكالية الاندماج تطرح مع الجيل القديم وليس الجيل الجديد، إنما لا استطيع أن أنفي وجود العنصرية والتمييز في المجتمع الفرنسي، فمن اسمه بول هو أكيد ليس كمن اسمه محمد، والمشكلة في ذلك ان الفرنسيين لم يأخذوا في الاعتبار هذا الجيل الذي ساهم في بناء فرنسا، ولهذا يجب أن يتقبلوا وجوده بينهم.
مشكلة هذا الجيل أنه يشعر بالدونية لأن له ثقافة وديناً مختلفين. ولهذا يجب مساعدته على تعزيز الثقة بنفسه، والاحساس بأنه فرنسي فعلاً، وأشدد أيضاً على ضرورة تعليمهم أبناء هذا الجيل اللغة الفرنسية التي هي أصلاً الباب الرئيسي لدخول المجتمع الفرنسي. مثلاً أهلي جاؤوا للعمل في فرنسا، فكانوا يطبقون تقاليدهم ودينهم داخل البيت فقط، أما في الخارج فكانوا يطبقون القوانين والقواعد الفرنسية.
أنا حالياً أعمل على ما يسمى بالسياسة العائلية، فنحن نموّل الجمعيات التي تتبنى هذه السياسة، وذلك بتعليم اللغة للأمهات اللواتي هاجرن إلى فرنسا وأصبحت لديهن عائلات هنا، وذلك بهدف ألا يصبح لدينا عائلات لا تعرف أبداً الفرنسية وأولاد يعرفون اللغة الفرنسية فقط، وهذا بالتأكيد سيخلق شرخاً في العائلة، وبالتالي سيشعر أبناء الجيلين القديم والجديد بأنهم مرفوضون.
العرب في فرنسا من الصعب جداً أن يشكلوا "لوبي" على رغم أن لهم ثقلهم السياسي، فنحن حتى الآن لا يزال عندنا مشكلة في بناء جامع في مرسيليا. وكما قال وزير الداخلية نيكولا ساركوزي المشكلة منا وفينا وليست من خارجنا. الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا، وعلى رغم ذلك فنحن لا نستطيع أن نفرض أي شيء. مثلاً، الطائفة اليهودية أقلية في مرسيليا، ومع ذلك ابناؤها متضامنون، لهم معبد في كل حارة في مرسيليا، أما نحن فبناء جامع واحد لم نستطع الاتفاق بشأنه.
وحتى على صعيد اللوبي، فإن كل طائفة عربية، مثلاً جزائرية أو مغربية أو تونسية، تحاول أن تنشئ لوبي على طريقتها. فأنا مثلاً أحاول انشاء لوبي عربي بهدف التأثير الفعال والبناء في السياسة الفرنسية، والقول لكل الفرنسيين إننا فرنسيون وليس عندنا أي عقدة لون أو جنس أو عرق أو دين أو دونية، وبهدف اظهار اننا فعلاً أخوة، فنحن نريد أن نبقى هنا، اننا فرنسيون. وأيضاً اظهار اننا أيضاً مختلفون، بهدف تقبّل هذا الاختلاف وليس رفضه. وحتى أقول لأولادنا أننا أيضاً عرب وحتى لا ننسى جذورنا.
انني من خلال هذه السياسة أتعاون مع جمعيات مغربية وعربية على صعيد بلدية مرسيليا وضمن اطر منصبي في بلدية مرسيليا.
أن نكون فرنسيين وعرباً على حد سواء ليس عقدة أو مشكلة، بل على العكس، هو غنى، وهذا الاحساس سأنقله إلى ابني، فنحن لنا جنسية مزدوجة ولغة مزدوجة. ابني في مدرسة علمانية وأنا في البيت أعلمه التقاليد الإسلامية، وأؤكد أن هذا غنى وليس فقراً، ولن يؤدي أبداً إلى شرخ حضاري".
لطفي مدني
دكتور في القانون في جامعة اكس - مرسيليا، جاء إلى فرنسا بشكل نهائي في العام 1993، وحصل على الجنسية الفرنسية عام 1998، وهو يدير أيضاً إذاعة Soleil الشمس الموجهة إلى أبناء الجالية العربية أو ذوي الاصول العربية. يقول: "أنا جزائري ولا أحس أبداً بأنني فرنسي على رغم انني مندمج كلياً وفعلياً في المجتمع الفرنسي. ولا أحد يلاحظ انني عربي لأن ملامحي فرنسية، ولا أحس انني غريب، خصوصاً على المستوى الثقافي، فأنا أعرف بشكل جيد تاريخ فرنسا وحضارتها وثقافتها، ولكن دائماً أشعر بأنني جزائري ولست فرنسياً، وأزور الجزائر دورياً مرتين في العام.
ومما لا شك فيه ان العامل الأساسي للهجرة إلى فرنسا هو المناخ الاقتصادي الصحي فيها، أما في ما يتعلق بالمهاجرين المثقفين فالمناخ السياسي الديموقراطي هو الذي يجذبهم.
غادرت الجزائر بسبب وجود الإرهاب والعنف السياسي المسلح، خصوصاً من جانب المتشددين من المسلمين ، وهو أمر دفع كثيرين غيري إلى الهجرة، خصوصاً بعد عام 1993. وحتى الآن ما زلت اهتم بالجزائر سياسياً وأتابع كل ما يجري هناك، فأنا لم تنقطع علاقتي أو جذوري ببلادي اطلاقاً، فأقاربي وأصدقائي ما زالوا هناك.
على مستوى الدولة الفرنسية، فإن السياسيين المسؤولين يحاولون أن يدخلوا الفرنسيين من أصل عربي في المجتمع الفرنسيين وهذا طبعاً لمصلحتهم ولمصلحة فرنسا. أما المجتمع، ففيه حركات اجتماعية لادخالهم ودمجهم في المجتمع، ولكن هذه الحركات غير كافية، فهناك كثيرون ممن لا يحبون العرب ويخافوهم ويخافون الإسلام، الأمر الذي يؤدي إلى رفضهم واقصائهم. باختصار هناك مناخ عام في فرنسا من عدم الثقة بالعرب والمسلمين.
وفي ما يتعلق باللوبي العربي، فهو حتى الآن ما يزال في البال، ولكن قيامه صعب جداً لأن كلمة "العربي" غامضة جداً، بالإضافة إلى أن مصالح العرب هنا متضاربة جداً، خصوصاً بين الجزائر والمغرب وتونس! ولكن إذا اردنا انشاء لوبي إسلامي، فإنه ممكن التحقيق. أما العرب العلمانيون فلن يكون لهم أي مجال هناك، والمشكلة أن أكثرية العرب المثقفين هم علمانيون وبالتالي يصبحون غير معنيين باللوبي.
إن عنف العرب أمر طبيعي، فالمجموعات الأكثر فقراً هي الأكثر عنفاً، اضافة الى انهم يشعرون بأنهم مرفوضون ومهمشون ويعيشون في "غيتوات"، لأن ليس لهم الحضارة نفسها ولا الدين نفسه، وفي السجون نرى غالبية المساجين من أصل عربي. والخطأ برأيي هو في النظام الفرنسي. فمنذ العام 1970 لم يكن هناك ما يسمى بالعنف العربي، أما الآن فنحن نسمع به، وهذا لا يعود الى طبيعة العرق العربي ولكن المجتمع السياسي والاجتماعي الفرنسي الذي خلق منهم مجرمين. فعزلتهم لا ترجع الى خيار نابع منهم، ولكن الحكومة هي التي عزلتهم ووضعتهم في مدن لوحدهم بهدف إبعادهم عن المجتمع الفرنسي.
أحب فقط ان أكرر انني شخصياً غير معني بهذه المشكلة، في ما يتعلق بالجزائريين، فالجزائر هي التي حضرّتنا كي نكون مندمجين في المجتمع الفرنسي، فنحن مهيأون نفسياً وثقافياً للاندماج، ولكن فرنسا هي التي لم تحضر وتهيئ شعبها لتقبل العرب.
وأنا هنا أسأل نفسي لماذا المجتمعات العربية هي اكثر قدرة على ادخال الحضارة الغربية في مجتمعها، اما المجتمع الفرنسي فهو غير قادر على تقبل أي جسم غريب فيه، فهو لا يتقبل الآخر ابداً ولا يعترف به.
أما قانون منع الحجاب فأنا لست ضده، ولكن ضد الطريقة التي طرح بها، فأنا أؤيد ان تكون فرنسا صارمة في موضوع العلمانية، والا تخضع لأي تنازل في هذا الموضوع. فالحجاب يتعارض مع العلمانية في المدارس الرسمية، وايضاً كل علامة دينية اخرى هي ضد العلمانية في المدارس الرسمية في الجزائر، الحجاب تم استعماله كأداة سياسية في يد الاسلاميين وبالتالي استعمل علامة سياسية وليس علامة دينية. يجب محاربة السياسيين الذين يتوسلون الدين لتحقيق مآربهم، حتى لا نقع في الفوضى، حتى التظاهرات التي شاهدناها سياسية وليست دينية. هناك من يحاول أن يفرض علينا نظاماً استبدادياً مرتكزاً على عدم أهلية المرأة، وعدم المساواة بين الرجل والمرأة... فأين هن النساء لمحاربة قانون العائلة في الجزائر؟
وإذا كان الفرنسيون لا يعرفون الإسلام وأحكامه، فعلينا نحن الفرنسيين العرب الآتين من بلاد تعرف الإسلام حق المعرفة، أن نُفهم المتشددين من المسلمين أنه لا جدوى من معاملتنا كأغبياء، فنحن نعرف الإسلام على حقيقته، ونحن مع العلمانيين في فرنسا وسنحارب المتشددين من المسلمين في فرنسا.
هنا كَرَاوي
فرنسية من اصل جزائري39 سنة، محاسبة، محجبة منذ 10 سنوات.
تقول ان :"الاسلام والعلمانية متطابقان لان العلمانية لا تعني الالحاد وانما تعني فصل الدين عن الدولة. والاسلام حتى الان لم يطرح اية مشكلة مع مبادئ العلمانية والجمهورية، ولكن الفرنسيين بدأوا الآن يرون او يتوهمون رسائل من نوع آخر في الاسلام والحجاب. فهم خائفون بل مرعوبون من الاسلام والمسلمين، ونحن نحتاج الى الوقت والجهد لتغيير هذه الصورة ولكن ايضاً على الفرنسيين ان يسمعونا ويحاولوا فهم الاسلام على حقيقته.
ونحن اذا كنا نلبس الحجاب فهذا لا يعني اننا نكره فرنسا، على العكس نحن نحب فرنسا فهي بلدنا ولن نخرج منها، ولا احد يستطيع ان يخرجنا منها.
حتى الآن لم أواجه مشاكل في البريد حيث اعمل على رغم انه دائرة حكومية، فالكل يتقبّلني ويتقبّل حجابي، ولكن بمجرد طرح هذا القانون، بدأ جميع الموظفين يطرحون عليّ الاسئلة العادية والغريبة حول الحجاب وإلزاميته ومعناه وماذا يخفي من رسائل. اضافة الى انه لتحقيق المواطنية للفرنسيين المسلمين لا بد من الاقتناع بأن الاسلام يختلف في حقيقته عن التطرف غير المقبول في جميع الاديان.
انا محجبة منذ 10 سنوات ومتزوجة من فرنسي لا يعترف بأي دين واولادي منهم من يصلي ومنهم لا يصلي، فالاسلام خيار واقتناع وليس اجباراً، وابنتي الوحيدة اذا ارادت ان تتحجب فأنا لن أمنعها ولكن بالطبع عليها ان تنتظر سن 18 سنة لكي تتحجب اذا ارادت، والا فلن تدخل المدرسة الحكومية".
ساري واليني
محاسب مصرفي 45 سنة متزوج من فرنسية من اصل جزائري محجبة منذ سنتين.
تقول: "انا لست ضد القانون، ولكن لتحقيق العلمانية كان عليهم الرجوع الى القانون القديم اما اصداره لمنع العلامات الدينية في المدارس الحكومية ولا احد يعلم ماذا بعد ذلك فقد جعل الجميع يشعر بأنه موجّه ضد الاسلام.
أنا مسلم ولكن لا اطبّق كل الواجبات الدينية وزوجتي تحجبت منذ سنتين برغبة منها ولم يكن لي اي تأثير سلبي او ايجابي عليها. برأيي ان الحجاب ليس خضوعاً وليس عدم اهلية، انه مجرد علامة على تطبيق احدى الشعائر الدينية. وانا هنا اسأل لماذا لا احد ينتقد الاباحية المتفشية في فرنسا او يحارب العنصرية؟ لماذا الآن هذه الحرب ضد الحجاب؟! واذا كانوا يعتقدون ان مكافحة الارهاب تبدأ بمنع الحجاب فهم على خطأ.
هذا القانون ما هو الا لتأكيد رفض المجتمع الفرنسي للفرنسيين المسلمين ونفيهم. هم يطلبون منا الاندماج ثم يضعون قيوداً لمنعنا من ممارسة حرياتنا الدينية. اضافة الى ان فرنسا بقانونها هذا خالفت المعاهدة الاوروبية لحقوق الانسان التي تنص على ان كل فرد له الحق بممارسة شعائره الدينية والحجاب ما هو الا احدى هذه الممارسات الدينية البسيطة، واذا كان بعضهم يرى فيه علامات او رسائل اخرى فهذه مشكلته وليحلها بعيداً عنا. اما المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية فبرأيي انه اخطأ عندما تبنى هذا القانون لأن كل من في المجلس لا يتمتع بأية دراسة دينية او فقهية في الشريعة الاسلامية".
زينب تامن
فرنسية من أصل جزائري، قاضية ومحامية سابقة وأستاذة قانون حالياً في جامعة اكس مرسيليا.
تقول: "حصلت على الجنسية الفرنسية بالولادة، ولكن بعد استقلال الجزائر فقدتها وأصبحت جزائرية، وهذا فقط لأنني مسلمة، أما المسيحيون فحصلوا على الجنسيتين، لأن القانون الفرنسي اعتبر أن الفرنسيين المسلمين يفقدون الجنسية الفرنسية إلا إذا تقدموا الى القنصلية وأعلنوا انهم يريدون أن يبقوا فرنسيين، وأنا وعائلتي لم نتقدم بهذا الطلب، خصوصاً انني كنت قاصراً وعائلتي كانت سعيدة بأن تبقى جزائرية، فهي كانت وطنية ومع الاستقلال كغالبية الجزائريين. أما الآن فإنني أيضاً فرنسية وحصلت على الجنسية الفرنسية قبل سنتين كوني محامية.
في ما يتعلق بالتمييز العنصري في فرنسا، فأنا شخصياً لا أشعر به ولست معنية به في مجال عملي ومهنتي كمحامية وفي تعاملي مع القضاة. ولكن في المجتمع الفرنسي هناك سوء تفاهم كبير يرجع الى السياسة والعقلية وحرب الجزائر وتاريخ فرنسا التي جلبت الجزائريين والمغاربة وغيرهم ليكونوا عمالاً في الأعمال الصعبة، ولم يخطر أبداً على بالها ان يصبحوا مواطنين! من دون أن ننسى طبعاً عدم ثقافة الشباب الذين أصبحوا فرنسيين وليس عندهم الأسس لذلك.
ان المسؤولية هنا انسانية، فجميع العمال الذين استقطبتهم فرنسا، أصبحوا كباراً في السن والهدف الأساسي كان أن يرجعوا الى بلادهم ويربوا أولادهم هناك، ولكن فرص العمل أبقتهم في وطن لقمة العيش، ولكنهم طبقوا تقاليدهم الشرقية وأفكارهم العربية هنا في فرنسا، أما أولادهم فظلوا على الهامش، وحتى غير متعلمين الغالبية لأنهم اعتقدوا بأنهم يوماً ما سيرجعون الى الوطن!
أما فرنسا فهي سياسياً لم تعتبر الأبناء مع ولادتهم على ارضها كفرنسيين أصليين لأنه لم تكن لديها أي نية مطلقاً لادخالهم في المجتمع الفرنسي وحتى في المواطنية الفرنسية، لذلك نحن أمام جيل هائل من الشباب الضائع، فهم جزائريو الأصل وفرنسيو الهوية والسكن، في الجزائر هم فرنسيون وفي فرنسا هم جزائريون، لذلك فقدوا الانتماء والهوية.
العرب هنا يعيشون في عزلة هي ليست في مصلحة فرنسا، وهي ضد الجمهورية وضد الديموقراطية وضد ازدهار فرنسا، فأي بلد لا يمكنه أن ينجح اذا عزل واهمل خمسة ملايين من مواطنيها.
بعضهم يقول ان هذه العزلة غير مقبولة حتى لدى الفرنسيين لأنهم ليسوا عنصريين ويعبرون عن ذلك بقولهم: "انا لست عنصرية، فأنا أحب الكوسكوس، حتى ان خادمتي عربية".
فإذا لم يكن هناك مركز حيوي للعرب في المجتمع الفرنسي فهم مقبولون على الرحب والسعة، أما إذا أصبح لهم مركز حيوي محام، مهندس، طبيب... فهم ليسوا مقبولين، بل وحتى محاربون: "محامية ولكن من أصل عربي، طبيب ولكن من أصل عربي..."!
وفي ما يتعلق باللوبي العربي، فهو غير قابل للتحقيق، والمسؤولية هنا هي في عدم تضامنهم وعدم وعيهم للسياسة وعدم ثقتهم بالآخر وبأنفسهم. أضف الى ذلك أنهم لا يبحثون الا عن مصالحهم الخاصة، وهم غير معنيين بما يجري حولهم، والدين أيضاً لم يوحدهم بل على العكس زادهم تفرقة.
أنا تركت الجزائر لأسباب سياسية، لعدم احترام المرأة وعدم المساواة، وللأسف أنا أعيش في بلد الآن حيث يوجد مواطنون وأقل من مواطنين، لذلك أنا لا أشعر بالحرية أبداً على رغم انني لست معنية هنا بشكل خاص.
أما بخصوص العلمانية والحجاب، فالعلمانية ميزة خاصة لفرنسا موجودة منذ العام 1789، وجاءت كرد فعل على تحكم الكنيسة وللحد من سلطتها. والفرنسيون كافحوا وناضلوا من أجل تحقيق مفهوم العلمانية الذي هو مفهوم مقدس بالنسبة اليهم، وكل من يأتي الى فرنسا عليه أن يحترم كنز الجمهورية الفرنسية، وهو العلمانية.
المسلم وغير المسلم عندما يدخل المسجد للصلاة أو الزيارة يخلع حذاءه، نحن علينا أن نتمثل بهذا المثل لفهم الموضوع والمشكلة. نحن مسلمون ولا نستطيع الدخول الى مكان عام ولا نحترم قانون هذا المكان. العلمانية مبدأ وقانون أساسي في فرنسا، قانون سيئ أو جيد، لكنه قانون ويجب أن يطبق على الجميع مهما كان الدين أو المعتقد، فالقانون هو القانون وهو فوق الجميع.
أنا كفرنسية لا أخلط الدين مع الحرية الشخصية وإذا كانت المحجبات الفرنسيات غير موافقات على القانون فليخرجن من فرنسا. برأيي على كل الديانات ان تتأقلم والمجتمع التي تعيش فيه. وأنا أقول لهؤلاء المحجبات أنه في النهاية علينا استعمال الذكاء والمنطق، واعتقد بأن الرجال العرب لديهم مشكلة مع المرأة.
وأقول لمن يشجع الناس على التظاهر ضد هذا القانون، ان هذا الحماس يجب استعماله لحل مشكلة المواطنية، من عمل وسكن واحترام وغيرها، فهذه هي الأمور الجديرة فعلاً بالكفاح والنضال من أجل تحقيقها في المجتمع الفرنسي، فنحن حزينون على الذين يكافحون من أجل أشياء لا نحتاجها، بل انها تسيء اكثر الى وضعنا وتزيد العنصرية التي ما زلنا نعاني منها، وهذا برأيي ضد المواطنية ويعطل الاندماج، كما ان تصرفاتهم لا تمثل حقيقة رأي المسلمين الذين لا يريدون الا تحقيق المواطنية الفرنسية والاندماج في المجتمع الفرنسي، والا فإن كفاحهم من أجل الحجاب سيؤدي الى تعزيز التطرف والأصولية".
فاطمة كدور
فرنسية من اصل جزائري، طالبة جامعية، محجبة منذ خمس سنوات
تقول: "هذا القانون هو ضد الحجاب وضد المسلمين وهو يؤكد رفض الفرنسيين للمسلمين. وزير الداخلية نيكولا ساركوزي مثلاً، هو من اصل هنغاري ولكنه الآن فرنسي وليست عنده اي مشكلة، ولكن عندما تكون في الاصل غير اوروبي فحتى الجيل الرابع أو الخامس يظل من اطفال الهجرة، فهم يصنفوننا في خانة "التبعية" بينما نحن نطالب بالمواطنية.
وفي احصاء اجري في 2003 تبين ان 60 في المئة من الفرنسيين، للاسف، لا يعرفون الاسلام، ولا يحبون ان يعرفوه، ربما لانهم يخافونه، ولذلك فهم يعتبرون ان الاسلام غير متطابق مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، ولذلك يحاولون طمس كل ما يمكن ان يشير اليه، كالحجاب مثلاً. لهذا على الفرنسيين ان يقتنعوا بأن الاسلام متطابق مع مبادئ الجمهورية والديموقراطية وحقوق الانسان. والحجاب خيار شخصي نابع من ارادة حرة ويمثل رسالة دينية وليست سياسية، واذا كان البعض يستفيد او يستغل هذه العلامة لتحقيق مآرب سياسية خاصة، فعلى الفرنسيين الا يخلطوا الامور ويعمّموا آراءهم او مخاوفهم على الجميع.
اضافة الى انه لا احد حتى الآن حاول ان يسمع آراء الفتيات المحجبات فالكل يتكلم عنا ولا يتكلم معنا. حجابنا خيار شخصي وواجب ديني نقدسه ونحترمه ولا نرمي من ورائه الى تحقيق مآرب خاصة، كأسلمة فرنسة او فرض ديننا على الجميع.
هذا القانون هو علامة على بداية تنازل فرنسا عن اهم مبادئها: "حرية مساواة اخوة".
جميلة محيي الدين
سكرتيرة. تقول: "أنا جزائرية فقط، ولكنني أشعر بأنني مواطنة فرنسية فعلياً، فأنا كنت سعيدة لنجاح الرئيس جاك شيراك وحزنت جداً عندما نجح لوبن في المرحلة الأولى من الانتخابات، أنا أشعر بأنني معنية بالمجتمع الفرنسي ولو لم أكن فرنسية.
الغريب أنه على رغم انني ما زلت جزائرية، فهذا أمر رمزي بالنسبة إلي، فأنا أشعر بأنه الرابط الوحيد مع الجزائر. أنا لم أزر الجزائر منذ عشر سنوات، ولم أتصل بأحد، وليس لي اصدقاء هناك، كل ما بقي لي من الجزائر هي الذكريات. في فرنسا لي أولادي وعملي وأهلي، أولادي فرنسيون، وأنا ابني نفسي هنا والجزائر أضعها حالياً على الرف.
أحاول أن اربي أولادي المزدوجي الجنسية بطريقة لا يعانون فيها من عقدة ازدواج الجنسية وعذابها. وفي ما يتعلق بالعنصرية في فرنسا، فأنا بكل صراحة غير معنية بهذا الأمر، وأنا على العكس أشعر بعنصرية العرب تجاه الفرنسيين وليس عنصرية الفرنسيين تجاه العرب، وذلك لأن العرب أنفسهم يعانون مشكلة الهوية، وإذا رأوا أياً كان يحاول الاندماج في المجتمع الفرنسي، فإنهم يعاملونه كخائن. وبالتالي هم لا يقبلون هذا الاندماج ويعتبرونه خيانة، والاحساس بالخيانة الذي يشعر به كل فرنسي من أصل عربي كونه أصلاً ترك بلده ليعيش في فرنسا، ولأنه يبحث عن لقمة العيش. لم أطلب الجنسية الفرنسية حتى لا أشعر بأنني خنت الجزائر أو هربت منها، فازدواج الجنسية بالنسبة إلي عذاب وليس غنى. بطاقة الإقامة في فرنسا التي حصلت عليها هي فخر لي لأنها الشهادة على انني ما زلت جزائرية.
وأكرر أن العنصريين هم العرب والمسلمون، وأقول لهم توقفوا عن البحث عن الشر في الآخر وحاولوا أن تنزعوه من أنفسكم أولاً، والقول دائماً بأننا عانينا في الجزائر من الاحتلال الفرنسي فهذه حجة واهية ويجب تخطيها كي نتقدم. وحتى الآن الوضع السياسي في الجزائر ليس فقط خطأ المتشددين من المسلمين، وإنما هو خطأ كل الجزائريين، مثلاً في فرنسا أنا لم أشعر بأي مشكلة على صعيد العمل، فعندما أبحث أجد. وهذا أمر جيد على صعيد الأمن الاجتماعي، على رغم انني لست فرنسية. وحتى ابني حصل على منحة للدراسة في السويد على رغم أنه عربي ويحمل اسماً عربياً وليس عنده أي واسطة.
وبالنسبة إلى الحجاب في المدارس، نعم أنا ضد الحجاب. ولكن قانون الحجاب هو فعلاً الدخول في ما يريده لوبن، وهو كوضع الزيت على النار، وأيضاً ما يريده المتشددون من المسلمين. واذا كان الحجاب الزامياً فهو كذلك في بلادنا وليس في فرنسا بلد العلمانية. هذا المفهوم الواسع جداً. إن الحجاب يحرّض المجتمع الفرنسي ويذكّر بذكريات سيئة، مثل المجازر في الجزائر والإرهاب".
محرز بوشامة
مهندس صوت 35 عاماً.
يقول: "أنا جزائري هاجرت إلى فرنسا قبل حوالي ثلاث سنوات، متزوج من فرنسية وليست عندي أي مشاكل على صعيد العمل أو السكن منذ اليوم الأول الذي وطأت رجلي أرض فرنسا.
أنا شخصياً لم أتعرض لأي تمييز، واعتقد بأن العنصرية لا تُخلق لوحدها، فكما تعامِل تعامَل، فإذا كنت جيداً مع الآخر، فإن الآخر سيكون جيداً معك. اعتقد بأن مشكلة العنصرية هي مشكلة العرب، فهم الذين لا يريدون الاندماج ولا يريدون التعود على هذا البلد، فهم ليسوا في بلدهم، وإنما يعيشون في بلد آخر وعليهم أن يتقبلوا ويعترفوا بذلك، وان يطبقوا قوانين فرنسا وقواعدها الاجتماعية. مثلاً أنا أصوم في شهر رمضان الكريم وزوجتي الفرنسية تساعدني على الصيام، لكنها لا تقوم به، وأنا لا أجبرها.
سياسة فرنسا ليست ضد العرب، ولكن العرب هم أنفسهم لا يعرفون ماذا يريدون، ومن المؤكد أنهم لا يريدون الاندماج. اما العمل في فرنسا فهو للجميع، فمن يريد أن يعمل يجد عملاً، أما من يبقى في البيت فلن يجد شيئاً، وهذا أكيد.
أما قانون منع الحجاب في المدارس فأنا معه خصوصاً أنه يمنع كل العلامات الدينية في المدارس، سواء إسلامية أو مسيحية أو يهودية. فهذا يضع الجميع على حد سواء أمام القانون من دون أي تمييز بين عرق أو دين".
فاطمة بكتاوي
جزائرية الاصل، مديرة مركز تسلية الاطفال في منطقة "اكس اون بروفانس".
تقول: "تزعجني فعلاً كلمة الاندماج، فالاندماج يتعلق فقط بأهلي اي الجيل الاول، اما نحن فإننا فرنسيون ومندمجون، انا ولدت وتعلمت وعشت هنا وما زلت اعيش واعمل في بلدي فرنسا، وفي داخلي حضارتان: الشرق والغرب، وهذا يشكل غنى. فالاندماج معناه ان جسماً غريباً يجب وضعه في جسم آخر اي اننا غرباء ويجب ادخالنا في المجتمع الفرنسي وهذا غير صحيح. انني كفرنسية من اصل عربي اعاني من بعض المشاكل في العمل وفي السكن لأننا نوعاً ما سبب المشاكل، واهمها فقدان الامن وهذا يحسسنا اننا غرباء وغير مرغوب بنا. وانا شخصياً عانيت من بعض المشاكل ولكن هم لا يقولون لنا صراحة انه غير مرغوب بنا لأننا عرب ولكن نحن نشعر بذلك.
ان المشكلة هي في كليهما، المجتمع الفرنسي والعرب، فهناك عدم تطابق بين الحضارتين في كثير من الامور، وهذا ما شكّل عائقاً للامتزاج. نحن كعرب نولد على اسس خاطئة ولا يمكن تطبيقها هنا في الغرب، فأهلنا لا يزالون يعيشون تقاليد موروثة وغير مطابقة للحياة الاجتماعية في فرنسا.
اما في خصوص الحجاب فقد كانت هناك باستمرار محجبات في المجتمع الفرنسي وهذا لم يطرح اي مشكلة للمجتمع الفرنسي. ولكن الحجاب يطرح الآن مشكلة، فالاسلام اصبح طريقة للتمييز داخل المجتمع الفرنسي واعتقد ان هذا القانون كان يجب ان يصدر عن حكومة اخرى، كحكومة يسارية مثلاً. اما الآن فهو يغضبني. ولا شك في ان الاعلام لعب دوراً في تكبير المشكلة".
طهار الرحماني
جاء من الجزائرالى فرنسا طفلا، درس التجارة والمحاسبة لكنه انصرف الى العمل الاجتماعي، واسس جمعية تعمل على انشاء المشاريع الصغيرة لمساعدة الشبان العاطلين عن العمل والذين يعانون من مشاكل الاندماج في المجتمع الفرنسي.
ومنذ حوالى سبع سنوات استقبل الرحماني 40 ألف شخص، الأمر الذي أدى الى نشوء 9 آلاف شركة أو مشروع صغير.
الى جانب كل ذلك، فالرحماني رجل سياسي وهو منذ 1995 أول عضو من أصل عربي في بلدية مرسيليا التي طلبت منه تشكيل لجنة لانشاء جامع ومركز ثقافي في المدينة.
يقول الرحماني: "انا مرسيلي أولاً ثم متوسطي وعربي وأخيراً أنا جزائري. لكنني أيضاً فرنسي، وأقيم على راحتي في فرنسا من دون عقدة الدونية أو الفوقية. وأنا موجود هنا ولا أحد يستطيع شطبي. وأنا أيضاً مسلم ولا أشعر بأي حرج. لا أحد يستطيع أن ينفي أويغمض عينيه عن وجود العنصرية أو التمييز في المجتمع الفرنسي لأن هذا المجتمع غير مهيئ صحياً لذلك، وطبعاً لا يمكننا أن ننسى أن حرب الجزائر لم يمض على توقفها 50 عاماً، والاستعمار يترك آثاره ولا شك. ان التمييز لا يوجد فقط عند "الجبهة الوطنية" بزعامة جان ماري لوبن بل نراه في الحياة اليومية الاجتماعية والثقافية والسياسية. المنافسة موجودة والتمييز أيضاً موجود ولا يجب علينا الا الكفاح والنضال، والطريق أمامنا طويل، ولكن ليس مستحيلاً. فلوبن له مناصروه، فهو عندما يحصل على 20 في المئة من الأصوات فهذا يعني ان هناك من يسانده، خصوصاً في ما يتعلق بمشكلة "عدم الأمان". وان كان الآن قد غير من خطابه السياسي أو خفف من حدته بأن جعل "الهجرة غير الشرعية" مشروعه الانتخابي.
ان التمثيل السياسي في فرنسا يعاني من مشكلة إذا لم يحضن كل الأحزاب السياسية والاختلافات الفكرية، فمن غير المنطقي عدم وجود فرنسيين من أصل اجنبي في الحكومة. فالفرنسيون من أصل عربي لهم أيضاً مشاكلهم الاجتماعية والسياسية لذلك يجب مساعدتهم، فمنذ عشرات السنين لم يكن يوجد أي نائب من أصل عربي ولا أي عضو في مجلس الشيوخ.
ان كل من يحمل الجنسية الفرنسية هو فرنسي، نعم نحن فرنسيون ونطالب بمركزنا الاجتماعي والسياسي في المجتمع الفرنسي، نحن فرنسيون مئة في المئة، وأنا هنا لا أتحدث عن الثقافة، فلكل منا ثقافته، ولكنني أطالب بالاعتراف بنا كمواطنين فرنسيين مئة في المئة.
أما في ما يتعلق بمسألة الحجاب فأولاً يجب احترام مبدأ الجمهورية المطبق في فرنسا ونظرية الفصل بين الدين والدولة، وأيضاً احترام مبدأ العلمانية، فالدين ليس مبدأ مطبقاً في فرنسا. خلال 15 سنة لم نتكلم أبداً عن الحجاب فلماذا الآن؟
الأمر ليس صدفة وبالتالي فهو موضوع نقاش وطني. فلماذا الآن نلجأ الى قانون يتعلق بفئة هي أقلية؟ أنا اعتقد بأن المسألة مسألة حوار، فنحن علينا التحاور ولسنا بحاجة الى قانون. بالاضافة الى أن هناك سلوكيات يجب ألا تكون جذرية، ففي مسألة الطبابة على المرأة المسلمة المحجبة ان تقبل الخضوع لفحص من قبل طبيب أو طبيبة اذ يتوجب علينا عدم الوقوع في التطرف الديني، يجب أن نبقى واقعيين ومتفهمين للبلد الذي نعيش فيه فالاندماج يوجب علينا أن نقبل الآخرين كما هم، وعليهم أن يقبلونا ويتقبلونا، فنحن علينا ألا ننسى أننا لسنا في بلدنا الأم. مثلاً عميد جامع باريس دليل بوبكر مندمج جيداً في المجتمع الفرنسي وهو رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية فإذا قال لنا ان "هذا صح أو غلط فلماذا لا نقوم به والا فلنغيره إذا لم يعجبنا".
اذا كان الاسلام فعلاً رسالة حب واحترام وديانة لا تفرض أي شيء على الاخر، فعلينا قبول قوانين فرنسا وتطبيقها. اما إذا كان الاسلام دين فرض وإجبار فعلينا ألا نعيش في فرنسا وانما في بلادنا الأصلية.
فرنسا بلا شك تحاول حماية نفسها. لكنني مع ذلك لا اعتقد بأن المسلمين في فرنسا البالغ عددهم حوالى خمسة ملايين سيتقوقعون. ولكن هناك بعض المجموعات التي تحتكر الشاشات وصفحات الصحافة الفرنسية وستستغل ذلك لتقول ما يحلو لها... ولكن الحمد لله ولحسن الحظ هم قلة وأنا اعتقد بأنه يجب عدم الوقوع في ما يقولونه. وفي رأيي ان الوسيلة الأفضل للاندماج هي وضع الأدوات والوسائل الحياتية الأساسية أمام المناطق التي تعيش صعوبات اجتماعية وسياسية واقتصادية عن طريق فتح المدارس، وتوفير السكن للجميع، وتأمين فرص العمل، فالشباب لا يطلبون غير ذلك.
نورا غانم
فرنسية من اصل جزائري تعتبر ان "هذا القانون ما هو الا لعرقلة ممارسة الحرية الدينية، خصوصاً الاسلامية. الدولة الفرنسية متسامحة جداً ولطالما كانت كذلك مع اليهود والمسيحيين، فقد سمحت لليهود لسنوات وسنوات بوضع القبعات وارتداء الملابس الدينية وسمحوا لهم بانشاء مدارس دينية يهودية لكنها لم تكن متسامحة مع المسلمين. الحجاب بحد ذاته قطعة قماش لكنه تعبير عن افكار دينية وعقائدية. الراهبات مثلاً يضعن الحجاب فلماذا لا احد ينتقدهن؟
صحيح ان الحجاب والعلمانية متعارضان، ولكن لماذا الآن؟ لماذا الآن يمنعون الحجاب؟ فطوال عصور لم تُطرح هذه المسألة علماً بأن المحجبات الآن اقل بكثير من السابق. أنا شخصياً لست مع الحجاب ولست ضده. انا مع الحرية ومن يتحجب فهذا خياره وقراره وعلينا ان نحترمه، وعلى الفرنسيين ان يقتنعوا بأن الحجاب ليس سلاحاً، وليس مسدساً لقتل الآخر.
اضافة الى ان الحجاب تضعه النساء وحتى الآن هل سمعنا ان امرأة محجبة قامت بعمل سيئ او ارهابي؟ الرجال هم الذين يبحثون عن السلطة وليس النساء. ومن يريد مكافحة الارهاب فليبحث عن رجاله، وليتركوا النساء وشأنهن. هذا القانون برأيي غير ضروري بتاتاً فهناك اشياء اكثر اولوية مثل الاندماج والبطالة والعنصرية".
ميريام خلفي
من اصل جزائري، حاصلة على ماجستير في علوم الجريمة.
تقول: "انا فرنسية من اصل جزائري بكل بساطة، ازور الجزائر كل 6 شهور ولم افقد جذوري مع بلدي الاصلي وانا دائمة الاهتمام بكل ما يحصل في الجزائر وفي يدي الآن جريدة "الوطن" التي تصدر في مرسيليا باللغة الفرنسية ولكنها جريدة جزائرية. اشعر بالانتماء كلياً والاندماج فعلياً في المجتمع الفرنسي. وفي ما يتعلق بالتمييز العنصري فأنا حتى الآن طالبة ولم ادخل مجال العمل ولهذا لم اصادف اي نوع من التمييز العنصري. وخلال دراستي وحتى الآن اشعر بأنني اعامل على حد سواء مثل جميع الفرنسيين.
لكن لا استطيع ان انفي وجود العنصرية في فرنسا، فهي موجودة ولكنها غير واضحة، ففرنسا بلد حقوق الانسان والحرية والمساواة. فمثلاً في ما يتعلق بالسكن في بعض المناطق الراقية، الاشخاص الذين اسماؤهم عربية لا يتمكون غالباً من ايجاد سكن لهم فيها ويتم رفضهم لاسباب اخرى من دون القول مباشرة ان السبب في ذلك يعود الى انهم عرب.
انني متأكدة من ان الجيل الجديد من الفرنسيين من اصل عربي يستطيعون التأثير بشكل كبير على السياسة الفرنسية لان القانون الفرنسي اعطاهم حق التصويت، واعتقد انه لولا وجود العرب في فرنسا لما كان الرئيس شيراك اتخذ مثل هذا الموقف الصلب ضد الحرب على العراق. وكذلك فان وجود وزيرين من اصل عربي في الحكومة الحالية هو اشارة واضحة الى دمج المجموعة العربية الفرنسية في الحياة السياسية الفرنسية.
وانا مع قانون العلمانية، ولكن هذا القانون هو ضد الحجاب وليس لتأكيد العلمانية، لذا انا ضده. الحجاب كان دائماً موجوداً وحتى منذ 1960 حيث كنا نراه بشكل واضح ولم يكن يطرح اية مشكلة حتى انه كان اكثر وجوداً في الماضي منه الآن ولكن المشكلة حالياً اننا اصبحنا نرى المحجبات في كل الميادين، فمنهن الطبيبات والمعلمات والمحاميات ورئيسات الجمعيات، لكن الوضع اختلف بالنسبة الى الفرنسيين عندما ظهرت هذه المسائل على السطح، فأمثال طارق رمضان كانوا موجودين، ولأنهم الآن معروفون اصبح الامر يضايق الفرنسيين"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.