منذ روايته الأولى، التي صدرت قبل ثلاثة عقود، وهو يخوض تجربة روائية، لعل أبرز ما يميزها تلك المقدرة على التجريب، والتقلب بوعي مدروس في الأشكال والأساليب السردية. بدا خارجاً عن السرب من الوهلة الأولى، في ما يتعلق بالرواية وفنون السرد في منطقة الخليج. ظل في غالبية كتبه مهموماً بالإنسان العربي، ينتصر لأحلامه وتطلعاته إلى حياة حرة وكريمة، بعيداً عن الاضطهاد وتضييق سبل العيش. جعلته رواياته التي تجاوزت العشرين رواية، في طليعة روائي الخليج، وإن لم تحمل معظم هذه الروايات سماته وهمومه الخليجية. ولد الروائي اسماعيل فهد اسماعيل عام 1940 في العراق، من أم عراقية وأب كويتي، كان يدخل إلى العراق بوثيقة سفر بريطانية صادرة عن المندوب السامي البريطاني، لإدارة أملاكه، في البصرة، التي كانت مصيف الكويتيين في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي. في العراق درس وانتظم في تشكيلات أدبية. ازدحام العراق بالحركات الأدبية والفكرية في الأربعينات والخمسينات، فتح له آفاقاً معرفية رحبة ودفعه إلى أن ينشط أدبياً وثقافياً. لكنه يعلم أن جنسيته الكويتية ستسبب له مشكلة إلا عقب اعتقاله للمرة الأولى عندما كتب مقالاً مشاكساً في الصحف العراقية، ضد مطالبة عبدالكريم قاسم بالكويت عام 1961. يقول عن سنوات إقامته في العراق: "... كنت دائم الإحساس بأنني معرض للاعتقال في أي لحظة". حين عاد إلى الكويت في الستينات ليقيم بصفة دائمة، واجهه المأزق نفسه، إذ عامله الكويتيون على أنه عراقي يقيم بينهم، بسبب اختلاف لهجته ومظهره. وإذا كان اسماعيل فهد دفع ثمن إقامته في العراق اعتقالاً وتعذيباً، فإنه في الكويت لم يستطع التأقلم لفترة طويلة، فظل نحو خمسة عشر عاماً، وهو يحاول فهم المجتمع الذي ينتمي إليه، حتى يستطيع بالتالي الكتابة عنه بصدق. في البداية دفعه الاغتراب المكاني، النفسي والاجتماعي، الذي عاناه في الكويت، إلى تناول قضايا قومية، فكتب روايات عن مصر والحرب اللبنانية وفلسطين. كان كاتباً كويتياً، لكنه غير منخرط في قضايا وهموم كويتية. أول عمل صدر لإسماعيل كان مجموعة قصصية بعنوان "البقعة الداكنة" 1965، لكنها لم تكن موفقة فنياً. غير أن بداياته الحقيقية، ككاتب عميق في الطرحه والمعالجات الأسلوبية ظهرت في الرواية الأولى له التي صدرت عام 1970، وحملت عنوان "كانت السماء زرقاء". وهي الجزء الأول من رباعية روائية لاقت الاعجاب. مثلت هذه الرواية، إلى جانب "المستنقعات الضوئية" و"الحبل" و"الضفاف الأخرى"، أحد أكثر المشاريع الأدبية طموحاً ضمن الرواية العربية المعاصرة، وفقاً للناقد الانكليزي روجر ألن في كتابه "الرواية العربية: مقدمة تاريخية ونقدية". ويتوقف ألن عند معالجة الكاتب للزمن، إضافة إلى تقصيه مختلف مستويات الوعي لدى الشخصية الرئيسية، ليرى أن مقدرة إسماعيل تتجلى أكثر في استخدام الكلمات للتعبير عن الوضع النفسي بدقة وفعالية كما هما في الواقع، وبدمج هذه الدقة والفعالية معاً، وهو ما يجعل في رأيه من هذه الرباعية مساهمة مرموقة في تقاليد الرواية العربية المعاصرة. فيما قال الشاعر العراقي سعدي يوسف عن رواية "الضفاف الأخرى" انها "انتفاء للغة وعود حميم لمنبعها، ما نلمسه ليس لغة، انه الشيء والحركة". أراد اسماعيل لروايته الأولى أن تكون مغايرة تماماً، وأن تخرج على أساليب الرواية العربية آنذاك. "ألغيت منها دور الراوي كمؤلف آثرت للحدث أن يعرض ذاته، من خلال مواكبته لحظة لحظة أو اللهاث من ورائه، أو استعادته بقصد مواجهته لبعث الحياة فيه". أما الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور، فكتب قائلاً عن هذه الرواية: "... هذه الرواية جديدة كما أتصور، رواية القرن العشرين، قادمة من أقصى المشرق العربي، حيث لا تقاليد لفن الرواية... وهي لن تمتع القارئ المتعجل، لكنها ستزعج القارئ المخلص الرصين، وتدفعه إلى التفكير". تستمد روايات إسماعيل مرجعيتها من الواقع الذي تعيشه الغالبية المهمشة على الصعيد الاجتماعي والسياسي. وتتنوع شخصياته الرئيسة من عمل إلى آخر بتنوع انتماءاتها إقليمياً واجتماعياً وثقافياً، و"من حيث طبيعة التكوين العضوي والنفسي، والوعي العميق الكافي للشعور بالغربة الاجتماعية والإحساس بالعبثية واللامبالاة بالمصير الفردي والتزام جانب المعارضة السياسية والكراهية العميقة لرجال البوليس والميل إلى الصمت والتكتم وممارسة دور الضحية". وتفصح غالبية روايات إسماعيل عن مقدرات سينمائية تجسيدية تضع الشخوص، حسب الأديب البحريني عبدالله خليفة، في مشاهد مكثفة تضفر بين الذات الداخلية وصدمات الواقع المتتالية والمتصاعدة، "وحيث نجد البشر غائصين في المستنقعات فلا تعرفهم بل يحولونها إلى ضوء، سرد موجز ساحر يتضافر وتداعيات داخلية حارقة، وبنية روائية مكثفة أشبه بقصة وامضة، لكنها تتسع مع التجربة لتغدو ملاحم صغيرة أولى تنهل من التجربة العربية لإنتاج أمة ولغة جديدتين". من أهم أعمال اسماعيل الروائية: "الشياح" و"النيل الطعم والرائحة" و"بعيداً... إلى هنا" و"الكائن الظل" و"إحداثيات زمن العزلة" و"سماء نائية". وأصدر كتباً عن المسرح والقصة في الكويت، منها "القصة العربية في الكويت" و"الفعل الدرامي ونقيضه" و"الكلمة - الفعل في مسرح سعدالله ونوس" وسواها. وجاء عمله "إحداثيات زمن العزلة"، وهو سباعية روائية، كأضخم عمل روائي في تاريخ الرواية العربية، حيث تناول فيه حرب تحرير الكويت، وتميز بلغة سردية جديدة وبوثائقية روائية مشوقة وملأى بالمشاهد الحقيقية والتعبير عن خط المقاومة المتنامي. اللغة الروائية التي يستخدمها اسماعيل هي على جانب كبير من الاحتدام والكثافة وتعكس علاقة وطيدة وحميمة، دفعته إلى الغوص في القواميس والكتب التراثية، "ليس من أجل إحياء كلمة ميتة، لكنه فضول العودة إلى المنابع، واكتشاف المصدر الحسي لكلمة ما، عدا قراءة دورية للقرآن الكريم والكتاب والمقدس، تليهما كتب الأساطير والملاحم"، هكذا يقول، ويضيف ان اللغة التي يحلم بها "ليست عدسة كاميرا، وإنما هي منحى لأن تصبح عاملاً درامياً يشتبك من داخله بعلاقات حركية نامية، تتمثل عالماً حياً يحتوي الشخوص والأزمنة والأمكنة والأحداث بحضور كثيف". لم يسلم بعض روايات اسماعيل من المنع والمصادرة بسبب جرأتها، وفي تعليق على منع الرقابة لروايته "كانت السماء زرقاء"، قال: "الكتب التافهة لا تجد من يمنعها، وكي تجد قارئاً نوعياً عليك أن تواصل التجريب إلى ما لا نهاية، متسلحاً بكل ما هو متوافر من أدوات معرفية من دون أن يعيقك هاجس الخوف من الفشل، متتلمذاً على الأصوات الجديدة ذات الالتحام الحميمي بواقعها العربي". يعد اسماعيل فهد اسماعيل مؤسس الرواية في الكويت، وصاحب اسهام كبير في تبلور هذا الفن في منطقة الخليج والوطن العربي أيضاً. غير انه وعلى رغم شهرته وغزارة انتاجه وتعدد اهتماماته كناقد مسرحي وقاص وروائي، لم يحظَ باهتمام نقدي واسع، وظلت جوانب عدة في أعماله بحاجة إلى الكشف عن جمالياتها. وتقول الروائية ليلى العثمان، وهي إلى جانب الروائي طالب الرفاعي، أكثر الأدباء الكويتيين قرباً منه، إنه معروف على الصعيد العربي أكثر منه في الداخل الكويتي. وتصف شخصيته قائلة: "هو من النوع الهادئ جداً، يميل إلى العيش في الظل، ولا يتقن فن الدعاية والترويج لأعماله ولنفسه كروائي مهم ومؤسس في الوقت نفسه للرواية في الكويت والخليج. كما انه لا ينتظر من أحد الكتابة حول كتبه، التي تجاوزت العشرين كتاباً". لكنها تضيف انه في المدة الزمنية التي أعقبت غزو الكويت، ونظراً لما قام به من دور مهم وقيادي في المقاومة، بدأ الناس والأدباء الكويتيون خصوصاً الشباب يعرفونه، وأخذ اسمه ينتشر في الداخل مع صدور سباعيته "إحداثيات زمن العزلة". ينهمك اسماعيل منذ سنوات قليلة بإعادة قراءة شاملة في أعمال روائية وقصصية خليجية وعربية، في محاولة لإنجاز ما يشبه مشروعاً نقدياً يصدر في أكثر من كتاب، يتتبع فيه المضامين الروائية والرؤية الفنية للكاتب، ماذا أضافت وماذا تمثله في ما يخص المشروع الروائي العربي ككل. وهو يعتبر متفرغاً للكتابة منذ سنوات طويلة، حتى قبل أن يتقاعد من المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون عام 1985، وهو الأمر الذي ساعده على أن يكون متنوعاً وغزير الإنتاج ومتعدد المواهب، كما دفعه إلى أن يتلمس مسؤوليته تجاه الأجيال الأدبية الجديدة في الكويت من خلال تأسيسه لمنتدى أسبوعي ينظمه كل يوم ثلثاء، في تطلع إلى "تفعيل دور المبدعين ومتابعة الأجيال الواعدة، وتشجيعهم ودفعهم إلى الأمام"