مفتي القدس الشيخ عكرمة صبري، هو أكثر الذين يعاينون على الطبيعة، السياسة الإسرائيلية الرامية إلى تهويد المدينة المقدسة بالكامل. أثناء زيارته لمدينة مرسيليا الفرنسية التقته "الوسط" في حديث شامل عن وضع القدس والمشاريع المطروحة لها. كيف تنظرون إلى القرار الذي اتخذه وزير الأمن الإسرائيلي بالسماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى؟ - بسم الله الرحمن الرحيم. إن هذا القرار غير مسؤول وهو ليس من اختصاصه ولا من صلاحياته، فهذا الأمر يتعلق بالوقف الإسلامي المشرف على إدارة الأقصى المبارك، وإدارة المسجد الأقصى شأن إسلامي ونحن لا نسمح بتدخل أي سلطة غير إسلامية في شؤون المسجد المبارك. وأعلنا هذا في مناسبات عدة. ما هي ردود الفعل التي تتوقعونها فلسطينياً وعربياً وإسلامياً على هذا القرار؟ - نحن نأخذ الاحتياطات اللازمة في هذا الموضوع حتى لا نفسح المجال أصلاً لتنفيذه. وحذرنا من تنفيذه وحملنا الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن أي خلل يحصل في المسجد الأقصى المبارك، وان المرابطين وحراس المسجد الأقصى يتصدون منذ عام 1967 لمحاولات الاقتحام من قبل اليهود المتطرفين ويحبطونها. ونحن لا ننتظر ردود فعل تكون متأخرة، لأن اليهود إذا قرروا أمراً فإنهم يعتبرونه حقاً لهم ونحن لا نفسح لهم المجال لأن يعتبروا أي خطوة مكسباً لهم، بل نحبطها أولاً بأول. أما الردود العربية والإسلامية، فإنها تأتي متأخرة. ونحن نكرر ونوضح بأننا نعتمد على الله سبحانه وتعالى أولاً وعلى أنفسنا ثانياً في احباط كل المحاولات، ولا ننتظر اجتماعات جامعة الدول العربية أو منظمات المؤتمر الإسلامي، لأنها تأخذ وقتاً وتتأخر في الاجتماعات، وإذا اجتمعت فلا نسمع منها إلا الاستنكارات. وهذا لا يعطي العلاج الحازم والحاسم. فالعلاج الحازم والحاسم هو التصدي لهذه المحاولات في حينها. برأيكم، هل العمليات الاستشهادية وانتفاضة الحجارة هي السبيل لحل هذه الاعتداءات المستمرة؟ - الاعتداءات مستمرة، ودائرة العنف التي يعيشها الشعب الفلسطيني سببها الاحتلال الذي نحمله المسؤولية ونطالب بانهائه حتى ينتهي العنف في المجتمع الفلسطيني. تتولى الأوقاف الإسلامية باشرافكم إدارة المسجد الأقصى نيابة عن المسلمين في العالم، هل تقوم بينها وبين السلطة الفلسطينية علاقة معينة؟ - من الناحية الرسمية، إدارة الأقصى ومقدسات الأوقاف في مدينة القدس بالذات مرتبطة رسمياً بالحكومة الأردنية. لكن هذا لا يمنع التنسيق والتعاون مع الجانب الفلسطيني، لأن الأقصى لجميع المسلمين، وأي مسلم موجود في مدينة القدس ليس له أكثر من أي مسلم موجود في العالم، وبالتالي نحن لا نميّز ولا نفرّق بين مسلم في الأقصى ومسلم خارجه. ما الذي تتوقعونه بعد اختيار محمود عباس رئيساً للحكومة الفلسطينية؟ - هناك توجه دولي بتحديد المسؤوليات في السلطة الوطنية الفلسطينية، لكن حتى الآن لم نلمس أي تغيير في الوضع الراهن، ولكل حادث حديث في حينه. بعدما وافقت الحكومة الفلسطينية على "خريطة الطريق" ومماطلة الحكومة الإسرائيلية في الموافقة عليها، إلى أين تسير الأمور برأيكم؟ - منذ عام 1967 طُرحت المبادرات لحل القضية الفلسطينية، لكنها باءت بالفشل و"خريطة الطريق" بضحكة استهزاء لن تكون آخر مبادرة. أما السلطة الفلسطينية فوافقت على الخريطة حتى لا تتهم بأنها تعرقل ما يسمى بمسيرة السلام، وإن كان السلام في مهب الريح. إن إسرائيل لا تريد سلاماً، بل تريد مضيعة للوقت، وأنا أتوقع أن تضيع "خريطة الطريق" في الطريق. تُنسب الانتفاضة المستمرة إلى المسجد الأقصى الذي انطلقت منه، ولكن أخبار القدس تراجعت، فيما تسجل المدن الفلسطينية الأخرى تحركاً يومياً، ما سبب ذلك؟ - لا بد أن نوضح ان القدس مدينة محتلة منذ العام 1967، بمعنى أنها لم تسلم إلى السلطة الفلسطينية حتى تحصل الأحداث فيها، بخلاف رام الله ونابلس والخليل وجنين وغزة، فهذه تسلمتها السلطة الفلسطينية. وعندما حصل الخلاف المباشر بين الحكومة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية وقع الاجتياح والاحتلال من جديد. أما القدس فهي أصلاً محتلة وتحت قبضة الحكومة الإسرائيلية، ومحاصرة حصاراً عسكرياً خانقاً، وبالتالي ليست فيها أحداث ساخنة كما حصل في جنين ونابلس والخليل وغزة. لكن هذا لا يعني أنه لا توجد مقاومة في القدس، نحن يهمنا أن نحافظ على مؤسساتنا في القدس. أما الضغط الإسرائيلي على القدس أكثر من غيرها، فسببه ان إسرائيل تعتبر المدينة عاصمتها كما تزعم. المشاريع المتعلقة بالقدس كثيرة، ومنها تدويل المدينة، أو جعلها عاصمة لدولتين، أو تقسيمها، أي المشاريع أقرب إلى الموقف الفلسطيني؟ - القدس عبارة عن قسمين: القدسالشرقيةوالقدس الغربية. القدس الغربية سقطت عام 1948 بيد إسرائيل وضمت إلى الأراضي المحتلة عام 1948. والقدسالشرقية، التي توجد فيها المقدسات الإسلامية والمسيحية، احتلت عام 1967 وبالتالي فإن الحديث هو عما احتل عام 1967، بمعنى أن تكون عاصمة فلسطين في القدسالشرقية، وأن تأخذ إسرائيل الجزء الغربي، أي القدس الغربية. كيف تنظرون إلى القرار الإسرائيلي بتوسيع حدود مدينة القدس؟ - إنه قرار جائر. فإسرائيل تريد أن تضم أكبر مساحة إلى دولتها لتمنع قيام دولة فلسطينية، لأن القدس هي في الوسط جغرافياً، وحينما تتوسع هذه الرقعة، فإن الجزء الشمالي من فلسطين ينفصل عن الجزء الجنوبي، وبالتالي فإن توسيع هذه المدينة هدفه تعطيل إقامة الدولة الفلسطينية، إضافة إلى ضم مناطق لم تكن في إسرائيل لتصبح مع إسرائيل. ما مدى إمكان تطبيق مطالب الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس؟ - أتصور حسب المعطيات الحالية، أن لا مجال لتنفيذ هذه المطالب، لأن إسرائيل لا تريد سلاماً أصلاً، ثم لا تريد إقامة دولة فلسطينية مستقلة. إسرائيل تريد من الفلسطينيين أن تكون لهم كانتونات مدن مجزأة حتى لا تقوم لهم قائمة، وحتى لا يحصل بينهم وصال واتصال، وعليه فإن المجريات الحالية لا تشير إلى قيام دولة فلسطينية. ما موقفكم من احتمال وضع القدسالشرقية في عهدة الأممالمتحدة بشكل موقت على طريق الحل الشامل؟ - هذه خطوة خطيرة جداً، إذا وضعت هيئة الأممالمتحدة يدها على شيء فلا تنسحب منه، خصوصاً أن هناك مشروعاً أصلاً بتدويل المدينة، والأممالمتحدة تستغل هذا الوضع لتبقى فيه ولن تخرج منه. إن إسرائيل تعارض تدويل القدس بشكل عام، لكنها لا تمانع في تدويل القدسالشرقية، وبالتالي فإن وضع القدسالشرقية بيد الأممالمتحدة أمر خطير وعواقبه وخيمة، ونحن لا نقر بذلك، لأنه يرفع السيادة الإسلامية عن القدس، ثم ما الداعي لهذا الاقتراح؟ فلتنسحب إسرائيل حسب قرارات الاممالمتحدة، لأن وضع القدسالشرقية تحت وصاية الاممالمتحدة هو التفاف على قرارات الاممالمتحدة وعدم التزام اسرائيل بهذه القرارات، ونحن لا نوافق على هذا الاقتراح مطلقاً. بالنسبة الى المتعاملين مع قوات الاحتلال ما رأيكم الديني والوطني بالنسبة اليهم؟ - هذا الموقف ليس جديداً، فالقرآن الكريم اشار الى ذلك بالذين تخلّفوا عن الجهاد والعقوبة لهم بحرمانهم من الحقوق المدنية. حينما بدأت عمليات تسريب الاراضي الى اليهود، صدرت فتوى من علماء المسلمين في الثلاثينات من القرن الماضي اي قبل 70 سنة او يزيد وأجمع عليها علماء فلسطين بأن الذي يبيع ارضه لليهود يكون خارجاً عن جماعة المسلمين ولا يُدفن في مقابر المسلمين، وأيّد هذه الفتوى علماء العالم الاسلامي، من مصر الازهر الشريف، من العراق النجف الأشرف، من علماء في الهند، وعلماء الشام وباكستان. هذه الفتوى سارية المفعول وعلماء فلسطين جددوها واكدوها. هل تتعرض الاماكن المقدسة المسيحية للاعتداءات نفسها التي تتعرض لها الاماكن المقدسة المسلمة؟ - نعم تتعرض للاعتداءات نفسها لان اسرائيل لا تحترم الاماكن المقدسة، اصلاً لا للمسلمين ولا للمسيحيين. لكن الاقصى بالذات مستهدف من قبل اليهود المتطرفين، لانهم يزعمون بأن الاقصى مُقام على هيكل سليمان. هذا الادعاء الخطير هو الذي يجعل الوضع متوتراً في المسجد الاقصى اكثر من غيره. هل يقوم دار الفتوى بدور الوساطة بين حركة "حماس" والسلطة الفلسطينية؟ - كلا نحن لا نقوم بذلك وهو لم يُطلب منا. لم يُطلب منا لا من هذا الطرف ولا من ذلك. نحن لا نقحم انفسنا بدور ليس مطلوباً منا. هل لديكم علاقة مع "حماس"؟ - دار الفتوى فوق الفصائل والخلافات والتناقضات، وفوق جميع الاعتبارات لان وضعها يستلزم ذلك. نحن مع جميع الشعب الفلسطيني، لسنا مع او ضد، نحن مع الجميع من دون تحيّز او تفريق لأن هذا هو واجبنا. ما رأيكم بالحركة الاسلامية داخل الدولة العبرية وما موقفكم منها؟ - هذا حق للمسلمين ليقوموا بتدبير شؤونهم، اذ لا توجد لديهم وزارة اوقاف ولا دار فتوى ولا اي جهاز من الاجهزة الاسلامية التي ترعى شؤونهم، وبالتالي من حقهم ان يكوّنوا لانفسهم جمعيات وهيئات لتكون بإشرافهم، ونحن على وصال معهم، مع اخواننا، باعتبار ان الشعب الفلسطيني هو أسرة واحدة، بغض النظر عن الطروحات المختلفة فان المسلمين واهل فلسطين في مناطق 48 وضعهم السياسي يختلف عن وضعنا في الضفة الغربية او في القدس او غزة، ولكن هذا لا يمنع ولا يجوز ان يكون حائلاً بين ان نكون اسرة واحدة. هل لديكم علاقات برجال دين يهود ومسيحيين من فلسطين؟ ما هو مستواها وما الهدف منها؟ - علاقتنا مع رجال الدين المسيحيين هي علاقة دائمة وطيبة وهي استمرار للعهدة العمرية أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 هجرية ما يقابل 636 ميلادية. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن والعلاقة هي علاقة طيبة. اما بالنسبة الى اليهود، فقد كانت هناك علاقة منذ فجر الاسلام وحتى عام 1917 وولادة وعد بلفور حيث تعكّرت العلاقة واعتبرنا هذا الوعد هو اعتداء على الشعب الفلسطيني. والآن لا توجد بيننا وبينهم اية علاقة، والسبب ان اليهود والحاخامين اليهود في فلسطين يطالبون بهدم المسجد الاقصى وبناء هيكل سليمان فكيف نجتمع معهم؟! من الناحية السياسية نحن لسنا ضد الديانة اليهودية ولكن نحن ضد الاحتلال وهم يريدون ويؤيدون الاحتلال ويؤيدون شارون ويؤيدون القتل والهدم وسفك الدماء وبالتالي من العبث ان نجلس معهم في هذه الظروف. الذين تتهدم بيوتهم في فلسطين من يقوم بمساعدتهم؟ - اولاً من يهدم بيته لا يخرج من بلده، بل ينصب خيمة فوق انقاض بيته المهدم للدلالة على تمسكه ببلده ووطنه، كما ان اهل المحلة واهل الحي واهل البلد يهبّون لنجدة العائلة التي شردت لناحية تأمين المسكن لهم والغطاء والمأوى والأكل والشرب، وبالتالي لدينا بحمد الله تكافل اجتماعي ايماني قوي، فمنذ الانتفاضة المباركة التي انطلقت سنة 2000 وحتى الآن والتكافل الاجتماعي يقوى بين الشعب الفلسطيني. كذلك من يستشهد ابنه تجد كل المحلة وكل البلد الى جانب الاسرة التي فقدت ابنها. هل تفكرون بالدعوة الى الجهاد لتحرير القدس اذا استمرت الاوضاع من سيئ الى اسوأ؟ - الامر ليس بحاجة الى تفكير، و"نحنا في إيش؟ ما نحنا في جهاد" لكن يجب توجيه هذا السؤال الى المسلمين خارج فلسطين وليس لي انا. الناس تتفرج علينا، ونحن نقول يجب ان نفكر! كثيرون من الصحافيين يسألونني لماذا لا تعلن الجهاد؟ اقول لهم ماذا اعلن؟ اولاً نحن معلنون عنه من زمان. ثانياً لماذا تنتظروننا؟ لماذا ما تزالون نائمين؟ وأقصد بذلك العلماء والحكّام والناس خارج فلسطين ماذا يفعلون؟ يتفرجون علينا حتى ننتهي! حتى نموت! حتى ننقرض! ان الجهاد بالنسبة الينا هو تحصيل حاصل. ما هي علاقة الاوقاف الاسلامية بمنظمة التحرير الاسلامي؟ - لا توجد علاقة مباشرة، ولكن من علمائنا من هو عضو في المجمع الفقهي، او في مجلس المساجد العالمي. لكننا لم نتلق اي دعم من منظمة المؤتمر الاسلامي التي مهمتها اصدار بيانات الشجب. كيف تنعكس احداث ما بعد حرب العراق على الوضع في فلسطين؟ - نحن ندرك السيناريو والاحداث قبل حرب العراق، واثناءها وبعدها، وبالتالي لم نتأثر بما حصل في حرب العراق. ما دامت القرارات الدولية لمصلحة الفلسطينيين فلماذا لم تنفّذ؟ وهل يعود هذا برأيكم الى تواطؤ مع الدولة العبرية؟ - هذا امر ليس بخفي، فهو واضح ان اميركا لم تضغط على اسرائيل لتنفيذ اي قرار من قرارات الاممالمتحدة المتعلقة بفلسطين، في حين ان اميركا تشن الحروب على اي دولة اخرى تخالف قرارات الاممالمتحدة ومجلس الامن. ان اسرائيل لم يسبق لها ان نفّذت قراراً من قرارات الاممالمتحدة منذ عام 1948 وحتى الآن. واميركا متواطئة مع اسرائيل في هذا الموضوع. هل تعتقدون بوجود تواطؤ عربي اسرائيلي؟ - ليست لدينا معلومات عن هذا الموضوع اي بالنسبة الى العرب، ولكن الكلمة النافذة الآن في الاممالمتحدة هي لاميركا وليس للعرب، فالعرب ليسوا اصحاب قرار، اما الشعوب العربية فهي مع فلسطين قلباً وقالباً، ولكنها غير قادرة على تنفيذ قرارات الاممالمتحدة. ما هو النداء الذي توجهونه الى العرب والمسلمين والعالم؟ - نحن نقول لاخوتنا خارج فلسطين: نحن بانتظاركم، ونطمئنكم بأننا على العهد ماضون. لن يستسلم شعبنا وعليكم ايها الاخوة خارج فلسطين ان تشدّوا الهمّة لاستقبالكم في رحاب المسجد الاقصى المبارك