تتنافس الفضائيات على استقبال ضيوف على "الهواء"، وتشكل هذه المنافسة إحدى أبرز مميزات عالم الفضائيات العربية في المرحلة الحالية، خصوصاً في البرامج الإخبارية. وهكذا باتت "وجوه" بارزة "فضائياً"، تنتقل من قناة إلى أخرى حسب اختصاصها أو حسب الاختصاص الذي عُرِّفت به أو الذي التصق بها. وبعدما كانت الضيافة تقتصر على الأخصائيين والمستشارين كل في حقل اختصاصه، باتت اليوم تشمل الإعلاميين، بحيث تتسابق الفضائيات على استضافة "الزملاء" الصحافيين العاملين في وسائل إعلامية غير وسائل الإعلام المرئي، مثل الصحافيين الإذاعيين والعاملين في الصحافة المكتوبة. كانت الصحافة المكتوبة تنفرد في السابق باستضافة إعلاميين من الراديو والتلفزيون على صفحاتها باعتبار أن إعلاميي التلفزيون والراديو هم بالنسبة الى قراء الصحافة المكتوبة "نجوم" ذات وجوه معروفة، ولها ثقل تواصلي يمكن الاستفادة منه إعلامياً لكسب القراء. وكان الإعلان على أغلفة الوسائل الإعلامية المكتوبة عن مقابلة مع "نجم إعلامي" تلفزيوني أو إذاعي في صفحاتها الداخلية، يعتبر عاملاً دعائياً يرفع نسبة المبيع. وازداد الثقل التواصلي لما بات يسمى "النجومية الإعلامية" لوسائل الإعلام المرئي والمسموع، بحيث باتت تنافس نجوم السينما والمجتمع. في المقابل كان استقبال إعلاميي الصحافة المكتوبة في الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة يقتصر على البرامج التحليلية التي تركز على جانب الاختصاص الصحافي التحليلي لتغذية البرامج فقد كانت قلة من الإعلاميين الناشطين في الحقل الكتابي تتمتع بثقل "تواصلي نجومي". واقتصرت النجومية على قلة من الصحافيين الذين تجاوزوا عملهم الصحافي الى العمل في الحقل العام، خصوصاً الحقل السياسي. ويمكن القول ان ميزان التبادل بين عالمي الإعلام المرئي والمسموع من جهة وعالم الإعلام المكتوب من جهة أخرى كان يميل دائماً الى جانب الإعلام المكتوب الذي كان يفتح صفحاته لاستضافة إعلاميين من الجانب الآخر بشكل أوسع. كما تميزت المقارنة بنوعية "تلوين" الاستضافة: فالإعلام المكتوب كان يسعى للتركيز على نجومية ضيوفه من الإعلام المرئي والمسموع. بينما في معظم الأحيان كانت استضافة إعلامي من الصحافة المكتوبة في الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة تسعى للتركيز على الاختصاص الصحافي. كما يمكن تمييز التبادل بين عالمي الإعلام بنوعية الضيوف من كل جانب. فبينما يمكن للإعلام المكتوب استضافة كل من يظهر على الشاشة أو على الهواء مثل مقدمي البرامج أو المذيعين أو حتى مقدمي نشرات الأحوال الجوية وبرامج التسلية وكل من "يظهر" على الشاشة أو "يسمع" على الهواء بمجرد أن يكتسب قدراً من النجومية، فإن الإعلام المرئي والمسموع لم يستطع استضافة غير الأسماء اللامعة في فضاء الصحافة المكتوبة. ولذلك أسباب تقنية تتعلق بنوعية التواصل الإعلامي الذي يختلف في الإعلام المرئي والمسموع الذي يعتمد نظام استغلاله التواصلي، في مجال النجومية، على ما هو موجود أصلاً لدى المتلقي من معرفة مسبقة يرتكز عليها ليتوسع في عملية التواصل. فالإعلام المرئي والمسموع لا يملك المساحة التواصلية الكافية للتعريف بضيوفه بشكل كافٍ في حال لم تكن أسماؤهم معروفة، أي حين يكون "المؤشر التواصلي" الذي يلتصق بأسمائهم ضعيفاً. وعلى العكس فإن الإعلام المكتوب الذي يعتمد على عملية تواصل فكرية مختلفة لا تتسابق مع الوقت، يستطيع بسهولة، أن يقدم بسطور، قد تطول أو تقصر حسب المساحة المتاحة، "ضيفاً" مهما كانت نسبة قوة أو ضعف المؤشر التواصلي المتعلق به. ويمكن اختصار المقارنة بالقول ان استقبال وسيلة اعلامية مرئية ومسموعة ل"نجم" معروف لدقائق معدودة يزيد من قوة المؤشر التواصلي المرتبط باسمه ويؤدي الى مضاعفة قوة التداخل التواصلية للوسيلة الإعلامية لدى المتلقين أي أن صاحب النجومية يصبح أكثر نجومية، ومقدم النجم القناة والبرنامج ومقدم البرنامج تتضاعف نجوميته بتقديمه نجماً معروفاً. بينما في المقابل فإن استقبال شخصية مغمورة والتوسع في تعريفها لدى المتلقين لا يزيدان من نجومية الشخصية المقدمة إلا قليلاً، في حين أن نجومية مقدم الشخصية القناة والبرنامج ومقدم البرنامج تتراجع بسبب "التبديد التواصلي" الذي يصيب المتلقي، إلا إذا كانت القصة التي "تحملها" الشخصية من النوع المشوّق أو الغريب الذي يمكن أن يؤثر بشكل كثيف على المتلقي. وبالنسبة الى الإعلام المكتوب فإنه لا يتأثر بنجومية الشخصية التي يعالج موضوعها في سطور كتاباته. فإذا كانت ذات مؤشر تواصلي عالٍ فهو يكتسب كماً تواصلياً يضاف إلى الصورة التواصلية التي تحملها الوسيلة الإعلامية المكتوبة التي سطرت الموضوع. وإذا كانت الشخصية ذات مؤشر تواصلي ضعيف، فإن ذلك لا ينعكس سلباً على الوسيلة. وفي المقابل مهما كانت نسبة المؤشر التواصلي ونجومية الشخصية المتناولة فإنه بمجرد ورودها في موضوع مكتوب على صفحات الإعلام فإنها تجني كسباً تواصلياً لا يمكن أن يكون سلبياً حتى ولو كان الموضوع يعالجها بصورة سلبية. إلا ان الجديد في عملية "استضافة الزملاء" هو محاولة الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة، تجاوز نقاط الضعف التي يحملها التواصل التلفزيوني في هذا المجال، واستقطاب ثقل تواصلي إعلامي عبر استقبال مكثف لإعلاميين من حقل الإعلام المكتوب. وهي وضعت لبلوغ هذا الهدف، مجموعة من الأدوات المميزة التي تتمتع بها بحكم نوعية عمليتها التواصلية. وأهم هذه الأدوات: الكثافة والترديد إضافة إلى الترغيب الإعلاني للإعلاميين، وهي لغة يفهمها جيداً الإعلاميون الساعون الى الشهرة، والذين يدركون قوة الإعلام المرئي، وفي بعض الأحيان لغة الترغيب المالي. وإذا وضعنا جانباً العامل المالي، فإن الوسائل الإعلامية المكتوبة لا تستطيع منافسة الإعلام المرئي في مجال الأدوات الثلاث المتبقية. فمن ناحية الكثافة والترداد، يستطيع الإعلام التلفزيوني إعادة بث حديث أو مقابلة أو برنامج أكثر من مرة في اليوم الواحد وفي اكثر من يوم في الأسبوع وفي بعض الأحيان طوال أسابيع في الشهر. بينما لا تستطيع الصحافة المكتوبة نشر الموضوع مرتين، وإذا عالجت موضوعاً ما لا تستطيع العودة اليه إلا بعد مرور فترة زمنية معينة. وفي حين يمكن أن يظهر "ضيف" على التلفزيون في مواضيع وبرامج مختلفة وفي أوقات متباينة. إلا ان المُستَضاف على صفحات الإعلام المكتوب لا يستطيع أن يظهر في أكثر من موضوع، في صحيفة أو مجلة. إذ لا يمكن العودة لإجراء مقابلة معه إلا بعد فترة طويلة نوعاً ما، مهما كانت أهميته التواصلية وأهمية موقعه في حقل اختصاصه. بينما في التلفزيون يمكن استقبال متخصص في شأن ما والاستماع إلى رأيه في الموضوع والعودة إليه في موضوع دائري قريب بشكل مباشر أو غير مباشر من الموضوع الأول. أما من ناحية الترغيب الإعلاني فإن الإعلاميين يدركون جيداً القوة التواصلية الإعلانية للإعلام المرئي والمسموع، ويعرفون جيداً أن الظهور التلفزيوني "يرفع أسهمهم" التواصلية وبالتالي يلمع صورتهم ويزيد من شهرتهم المهنية ويحّسن ظروف عملهم في مجالهم في الصحافة المكتوبة، كما أن زيادة ثقلهم التواصلي تعطي وزناً أكبر لنتاجهم في الإعلام المكتوب، وتزيد من فاعلية التداخل التواصلي المؤثِر للمواضيع التي ينتجوها كتابة. لذا فإن القليلين من الإعلاميين العاملين في الإعلام المكتوب يرفضون "الظهور التلفزيوني" حتى في غياب العامل المادي والإفادة المالية المباشرة. ومن هنا، باتت الفضائيات بشكل عام والعربية بشكل خاص تقدم "استعراضاً" واسعاً لمقابلات سريعة بين 3 دقائق و7 دقائق مع تشكيلة من الإعلاميين القادمين من عالم الصحافة المكتوبة أو برامج تستقبل بعضهم بشكل مباشر على البلاتو أو بشكل غير مباشر صوت وصورة ثابتة. وساعدت التقنيات الجديدة في زيادة إمكانات التعاون وإجراء مقابلات مع الصحافيين المتواجدين في شتى أنحاء العالم. إذ يكفي إرسال صورة رقمية للإعلامي بواسطة الأنترنت، وحين يتم موعد المقابلة يتم الاتصال هاتفياً بالصحافي الضيف لإجراء الحديث معه على شكل أخذ رأي خبير أو تعليق على حدث أو إجراء مقارنة مع رأي من يسبقه ويكون في هذه الحال مستمعاً على الهاتف الى البرنامج. وتظهر صورة الضيف على زاوية الشاشة بينما هو يدلي بكلامه. وباتت المقابلات غير المباشرة غالبة في البرامج الإخبارية لسهولة تنفيذها. أما الاستقبال على البلاتو فمخصص فقط للبرامج التحليلية الإخبارية وهي محدودة لأنها مرتبطة بوجود المدعوين في بلد البث. ولكن يصار أيضاً إلى استقبال المدعوين في بعض الأحيان في بلاتو مكتب المراسلة. وفي هذه الحال يتم فتح خط "فيديو عبر الأقمار الاصطناعية"، لكنها عملية مكلفة نوعاً ما، على عكس المقابلة التي تسمى "صوت وصورة" والتي لا تكلف سوى مخابرة هاتفية. ومن الطبيعي أن كلا الفريقين يجد مصلحة في عملية الضيافة والاستضافة والتبادل الإعلامي - الإعلاني على شاشة التلفزيون، فهي تشكل مربحاً إعلامياً للطرفين، كما أن المتلقي - المشاهد هو أولاً وأخيراً الرابح الأكبر. ويمكن القول أن الإعلام المرئي الذي يظهر في دور من يعمل يعمل لتأمين الكمية القصوى من المعلومات لمشاهديه، وتوسيع رقعة صيده المعلوماتي وبسطها، يخرج كذلك رابحاً في العملية التواصلية. أما الإعلامي "القادم" من حقل الصحافة المكتوبة في زيارة تبادلية، فهو، ما عدا بعض الكسب التواصلي الإعلاني من ناحية وضع صورته واسمه في حلقة تداول أوسع، يبدو الأقل ربحاً من ناحية الكسب التواصلي الإعلامي المباشر. وفي بعض الأحيان يمكن أن تنقلب الأمور وتلحق به خسارة تطاول صورته وشهرته وتؤثر عليه سلبياً بنسبة المؤشر التواصلي الذي يتمتع به. ونظراً إلى اختلاف معايير التواصل بين الإعلام المرئي والمكتوب، وكما لا يستطيع أي مذيع إذاعي أو تلفزيوني أو مقدم برامج أن ينصب نفسه محللاً صحافياً في الإعلام المكتوب، كذلك لا يستطيع أي إعلامي من الصحافة المكتوبة أن ينجح في دور مقدم برامج تلفزيونية أو أن يتناول موضوعاً ببث مباشر ويبرع به. فللإعلام المرئي قواعد وتقنيات مختلفة تتطلب إجادتها معرفة وخبرة في تقنيات التواصل المباشر. وفي كثير من الأحيان يدرك إعلاميو الصحافة المكتوبة نقاط الضعف التي يحملونها في حال الظهور على شاشات التلفزيون، فيطلبون، لا بل يشددون على ضرورة التحضير المسبق للمقابلة، وهو ما لا يكون سانحاً في معظم الأحيان، إضافة إلى أن هذا يفقد الإعلام المرئي الكثير من حريته وقدرته على السبق الإعلامي وقطف أحسن المناسبات بسرعة. كما يدرك الإعلام المرئي أن تحضير المقابلة يفقدها الكثير من "جاذبية" البث المباشر مهما كان التحضير جيداً، ومهما حاول الفريقان التلاعب في الإخراج. وحتى في حال قبول الإعلام المرئي "مبدأ" التحضير المسبق، وحتى في حال الاتفاق على تفاصيل المقابلة ففي غالب الأمر يحاول مقدم البرنامج الالتفاف على الأمر و"حشر" الضيف على الهواء، لما في ذلك من تشويق يتطلبه البث المباشر. وتكون عملية "الحشر" هذه إما بتوجيه سؤال غير متفق عليه أو بتغيير تسلسل الأسئلة أو بتجاهل رد الضىف والقفز إلى سؤال آخر كأنما الجواب السابق لم يكن! من الطبيعي أن هذا التلاعب ممكن في الإعلام المرئي، حيث ينتقل المشاهد بعد دقائق إلى برنامج آخر، من دون إمكان إعادة سماع المقابلة وتمحيصها. لكنه في المقابل غير ممكن في الصحافة المكتوبة حيث يعمد كاتب المقالات والافتتاحيات إلى انتقاء الكلمات في بناء مقالته، ودراسة تشابك الأفكار وتداخلها اثناء تحرير موضوعه سعياً الى إيصال خلاصة أفكاره بأوضح ما يمكن من شفافية الخطاب. فهو يملك الوقت بشكل عام بينما الإعلام المرئي يتطلب تجاوز الزمن واللحاق بالدقائق. تتحدث الأوساط الصحافية دائماً عن خلافات واتهامات ب"الطعن في الظهر" إعلامياً يوجهها إعلاميون من الوسط الكتابي إلى إعلاميين من الوسط المرئي والمسموع، ولكن سرعان ما تذوب الخلافات ويتناساها الفريقان لإدراكهما أنها قوانين اللعبة في الإعلام المرئي. فما أن يرن هاتف الصحافي الكاتب ويكون على الخط زميل من وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة إلا وتولي "الضغينة" الأدبار، وتفعل مغنطة التواصل الإعلاني فعلتها، فيهرع الى المشاركة في برنامج إخباري على الهواء، لكنه سرعان ما يعود ويندم، ويعيد تكرار الاتهامات ويعلن عزوفة الكامل عن الظهور التلفزيوني، وهو يدرك في قرارة نفسه أنه لن يتردد في العودة إذا دعي مرة ثانية. ذلك أن بريق الظهور التلفزيوني يملك قدرة جذب كبيرة لا تقوى عليها أي مقاومة