لا يمر يوم من دون أن تأتي الصحافة بخبر عن تعرض صحيفة لمضايقة قضائية تحت عنوان "مصدر المعلومات الصحافية". وبغض النظر عن نتيجة الملاحقات، فإن هذا الضغط القضائي على الصحافة يستوجب بعض الملاحظات: يُلاحظ أولاً أن الملاحقات تصيب بشكل عام الصحافة المكتوبة أكثر من الصحافة المرئية أو المسموعة. وأن المحاكمات الكبرى التي تشغل حيزاً من اهتمام المدافعين عن حرية الصحافة تنصب بشكل خاص على الصحافة المكتوبة. وقد أجريت العديد من الدراسات التي تناولت تحليل وقع وتأثير الإعلام المكتوب ومقارنته مع المسموع أو المرئي وتبين أن لكل وسيلة إعلامية Media حسنات وإيجابيات مختلفة عن الأخرى. فبالنسبة إلى قياس سرعة التداخل التواصلي، أي قياس الفترة الزمنية التي تنتشر خلالها المعلومة، فإن الإعلام المرئي والمسموع يملك مقومات تسمح له بتجاوز الإعلام المكتوب. وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى قياس حجم الفضاء التواصلي، أي قياس نسبة انتشار المعلومة حسب الوسيلة. فالإعلام المرئي والمسموع ينتشر حاملاً المعلومة بسرعة أصبحت تقاس بالدقائق، إن لم يكن بالثواني، في عصر التلفزيون الفضائي والانترنت. وتسمح له التقنية الحديثة ووسائط التواصل المتعددة بالوصول إلى أوسع شريحة من المتلقين. أما بالنسبة إلى قياس "نسبة الإدراك" Perceptibility أي قياس نسبة التأثير الذي تتركه المعلومة لدى المتلقي مع مرورالزمن وتأثيرها على قراراته وطريقة تفكيره، فإن الإعلام المكتوب هو بلا شك في مقدمة الوسائل الإعلامية المؤثرة. نظراً إلى الرمزية الموجودة في لاشعور المتلقي من أن "الشيء المكتوب" هو دائم على عكس "القول" الذي يتلاشي بعد النطق به، أو "المرئي" الذي يختفي بمجرد الالتفات عنه. وبالطبع فإن خبراً في نشرة تلفزيون إخبارية يفقد من قوته الإعلامية في حال لم تتلقفه الصحافة المكتوبة، ومهما كان الخبر مهماً إعلامياً فإن تناوله في الراديو أو التلفزيون لا يمكن أن يبث بصورة دائمة بل في فترات متقطعة لفترة زمنية محدودة نادراً ما تتجاوز اليوم الواحد. وعلى العكس فإن الخبر المنشور على صفحات وسائل الإعلام المكتوبة يمكن العودة إليه ولو بعد حين. حتى ولو كان منشوراً في جريدة يومية، فإن العودة إليها ممكن أرشيف أو انترنت كما أن وسائل النقل التيبوغرافي تصوير تسمح بالمحافظة على أثر دائم للخبر يمكن تناوله بسهولة والعودة إليه. وهذا يفسر "الخوف" من الصحافة المكتوبة الذي يترجم بالدعاوى المتزايدة يومياً في محاولة لحشر الإعلام المكتوب في زاوية محددة وضمن قواعد لعبة لا تضر بمصالح التكتلات التجارية الكبرى أو من يمثلها.