على رغم تطور وسائل الإعلام فإن الكثير من وقائع العالم المعاصر تموت في عالم الأسرار، وقد يكشف جزء منها، أو لا يكشف مطلقاً، ومع ذلك يدعي المعاصرون أن الزمن الحاضر أشد وضوحاً من الزمن الماضي، وان ظلام السنوات الماضية لا تنيره إلا بعض الروايات الشفوية، أو المكتوبة على الورق، أو المنقوشة على الصخور والأخشاب والمعادن والزجاج. وتتنوع النصوص المكتوبة والروايات الشفوية، وتتوزع ما بين الحقيقة والخيال، وقد صيغ بعضها شعراً، وبعضها الآخر نثراً، ووصلتنا من الماضي الكتب المقدسة، كما وصلتنا الملاحم والأساطير التي احتواها الفولكلور الشعبي الإنساني العالمي. في محافظة نينوى العراقية تكثر المنارات التي تكشف أسرار الزمن الماضي بأنوارها المعرفية، وما كشف من آثارها الحضارية العريقة التي تشكل مصادر أساسية في مجالي علم الآثار، وعلم التاريخ القديم والحديث. وتشكل سورية الكبرى والعراقين عراق العرب وعراق العجم منطقة حضارية متكاملة، ومتقاربة العهود، وقد سادت فيها لهجات من أصول واحدة. وجذور استيطان هذه المنطقة عميقة جداً، ويوماً بعد يوم تسفر أعمال التنقيب عن مفاجآت تقلب النظريات التاريخية السائدة رأساً على عقب. ولكن استيطان الناس لهذه المنطقة من العالم قديم جداً، وتاريخ محافظة نينوى العراقية هو تاريخ العالم المتحضر، إذ شهدت نينوى "العصر الحجري القديم" و"العصر الحجري الحديث"، وما تبعه من العصر البرونزي الذي اعتمد خلط القصدير والنحاس، ثم عصر الحديد الذي انتقل إلى أوروبا بعد العراق بألف عام وأكثر. وساهم سكان العراق والشام وجيرانهم في أوسع خطوة خطاها الإنسان في انتقاله إلى المدنية بواسطة الكتابة التي بدأت في العصر الحجري الثاني على شكل خطوط مرسومة بالألوان فسرها كثير من الباحثين بأنها رموز تعبر عن الأفكار، وقد نقشت بالأظفار أو بالمسامير على الطين الذي تم تحويله إلى خزف. وتعود أقدم كتابة هيروغليفية معروفة في بلاد "سومر" إلى سنة 3600 قبل الميلاد، وتتضمن صورة الطائر، وصور الغلال، والأشكال الهندسية، وتوحي بأوجه شبه بينها وبين الزخارف الطائرية الموجودة على أقدم الآثار الخزفية عند "سوزا" في "عيلام" الواقعة في الجزء الأدنى من بلاد ما بين النهرين. وتمتد مواطن الكتابة غرباً إلى مدينة "ماري" السورية في موقع تل الحريري، ثم تتوغل غرباً إلى شمال منطقة معرة النعمان حيث تقع إيبلا التاريخية في موقع بلدة تل مرديخ وما يحيط بها من المواقع الأثرية التي وجد فيها أكثر من عشرين ألف لوح في مكتبة ملكية تدل على العلاقات التاريخية مع "نينوى" و"أور" و"ماري" في تل الحريري. ويقال ان بدايات الكتابة والتصوير والنحت كانت فناً خزفياً، إذ بدأت ضرباً من ضروب النقش والرسم واستحال الطين في يد الخزاف إلى آنية، وفي يد النحات تماثيل، وفي يد البناء آجراً، وهيأت للكتاب مواد استطاعوا أن يخطوا عليها أقدم الرموز التصويرية، والكتابية التي عثر عليها في العراق وبلاد الشام وإسبانيا، وحوض البحر الأبيض المتوسط، مما يدل على علاقات تجارية قديمة يقدر عمرها بخمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وكانت الكتابة القديمة تجسد أرقاماً حسابية خاصة بالتجارة، ثم تطورت إلى صور، ثم صارت حروفاً معبرةً عن الشرائع والآداب، وعمت حوض البحر الأبيض المتوسط عند نهاية العصر الحجري الحديث. وجاءت سنة 3600 قبل الميلاد فطورت "عيلام" و"سومر" مجموعةً من الصور التي عبرت عن أفكار سكان العراق وعرفت باسم "الكتابة الهيروغليفية" التي عبرت بلاد الشام، وانتقلت إلى مصر وجزيرة كريت وغير ذلك من البلدان. وتتابعت مسيرة التطور الكتابي من رمز إلى مقاطع، ثم إلى حروف على أيدي الآراميين في بلاد الشام، ونشر الفينيقيون الأبجديات السورية والعراقية في سواحل البحار انطلاقاً من قواعدهم في صور وصيدا وبيبلوس. واستورد اليونانيون الحروف الآرامية من الفينيقيين في عصر هومر، وسموها باسم الحرفين الآراميين الأولين: "ألفا. بيتا" مثلهم في ذلك مثل العبرانيين الذين سموهما: "ألف. بيت" وتبعهم العرب فقالوا: "ألف. باء". وقدمت الكتابة خدمات جليلة للحضارة الإنسانية، لأن الكتابة وفرت وسيلةً فعالةً لتسجيل المعرفة ونقلها، مما أدى إلى ازدهار العلوم والآداب، وتدوين القوانين، وحفظ التاريخ وتجارب الشعوب. مدينة آشور على الضفة اليمنى لنهر دجلة بلدة عراقية تسمى الشرقاط وهي أول عاصمة للآشوريين، واسمها الحالي منحوت من كلمتين هما: "آشور" و"قات" ومعنى الكلمتين هو صولجان آشور. وفي هذه المدينة التاريخية وضعت أسس معبد آشور، وطور أبنيتها كعاصمة توكولتي نينورتا الأول 1260-1230 ق.م. ثم انتقلت العاصمة منها إلى مدينة كالح التي سميت مدينة نمرود في أيام آشور ناصل بال الثاني 883-859 ق.م، ثم جددت أبنية مدينة آشور في زمن شلمانصر الثالث 859-824 ق.م، ولكنه اتخذ مدينة نينوى عاصمة له. ثم عاد مقر العاصمة إلى مدينة "آشور" في عهد سرجون الثاني 721-705 ق.م، ثم انتقل إلى مدينة كالح ثم مدينة نينوى وبعد ذلك أسس مدينة دور شاروكين وتحول إليها، وظلت مدينة آشور عاصمة روحية، ومقبرة لجميع الملوك. ويرى الآشوريين ان أهم وثيقة تاريخية جغرافية هي رسالة من سرجون الثاني حول حملته الثامنة على أرارات عاصمة الأرمن التي سقطت عسكرياً سنة 614 قبل الميلاد. مدينة نينوى مدينة ذات تاريخ عريق موغل في القدم، ويقال ان الإنسان القديم سكنها في العصر الحجري، ثم سكنها الآشوريون الذين وفدوا إليها من شبه الجزيرة العربية، وحولوها إلى عاصمة لهم في القرن الحادي عشر ق.م، وتشير المصادر التاريخية إلى أن الآشوريين اتخذوها عاصمة لهم سنة 1080 ق.م، وهي العاصمة الثالثة بعد مدينة اشور القديمة وكالح العاصمة الثانية. واستطاع الآشوريون أن ينتزعوا السلطة من الكيشيين، وأصبح العراق بزعامتهم في حدود سنة 626 - 539 ق.م.، ثم استطاعت سلالة كلدية متمركزة في مدينة بابل إسقاط بلاد آشور، والسيطرة على البلاد من الشمال إلى الجنوب، وسمي هذا العصر بالعصر البابلي الحديث، وكان أشهر ملوكه نبوخذ نصر الثاني 605 - 562 ق.م. ثم تعاقبت بعد ذلك على العراق فترات احتلال من قبل "الإخمينين" 550 - 331 ق.م. و "السلوقيين" 334 - 321 ،312 - 139 ق.م، و"الفرثيين" من سنة 139 ق.م. حتى سنة 226 بعد الميلاد، والفرس "الساسانيين" 226 - 637 للميلاد، ونشأت في تلك الأيام الإمارات العربية في العراق مثل الحضر آل نصرو والمناذرة في الحيرة، والغساسنة في بادية الشام. لكن نينوى تحولت من مهد الحضارة إلى لحدها في ظل الاحتلالات التي تعرضت لها من قبل جيوش جيرانها، وبعد دمارها تتابعت موجات البنيان، وبقيت أنقاضها تحت بعض أحياء مدينة الموصل العراقية التي تمتد على ضفتي نهر دجلة. ولم يبق من مدينة نينوى القديمة سوى القلعة الآشورية القديمة، وبعض التماثيل الأثرية الآشورية في إحدى ساحاتها ومتاحفها،واسمها الذي أطلق مجددا على محافظة الموصل التي حررها العرب المسلمون سابقاً من سيطرة الفرس الساسانيين المجوس في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وتبعد نينوى عن بغداد 465 كلم، وتبلغ مساحة محافظتها: 32308 كلم مربع، وهي ذات مناخ جيد، وتمتاز بطول فصل الربيع فيها حتى سميت أم الربيعين، ويخترقها نهر دجلة من الشمال إلى الجنوب، ويقسمها إلى قسمين متساويين تقريباً، ويختلف مناخها باختلاف تضاريسها الجغرافية، وتتصف الزراعة في نينوى بالزراعة الدائمية. ويتبع محافظة نينوى كل من قضاء الموصل، وتل عفر، وسنجار، والشيخان، والشرقاط، والحمدانية، وتلكيف، والبعاج، وباعشيقا، وقضاء الحضر، وقضاء جروانه، وقضاء جهنة. ومن معالم نينوى البارزة جامع النبى يونس عليه السلام، وجامع قبر النبي شيث الذي اكتشف سنة 1057 للهجرة، وتشير المصادر الدينية إلى رسالة يونس بن متّى الملقب "ذا النون" نسبةً إلى الحوت، والمعروف عند أهل الكتاب باسم يونان بن أمتاي عليه السلام، وهو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى أهل نينوى وفترته بعد سليمان، وقبل عيسى عليه السلام، وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل. وقال عز وجل: وإن يونس لمن المرسلين ]سورة الصافات، الآية: 139[. ويقول المؤرخون انه كان لأهل نينوى صنم يعبدونه اسمه عشتار، ولذلك أمر الله تعالى يونس عليه السلام أن يذهب إلى أهل نينوى، ليردهم إلى عبادة الله وحده، فذهب يونس من موطنه في بلاد الشام إلى نينوى فدعا أهلها إلى الله بمثل دعوة الرسل، ونهاهم عن عبادة الأوثان، فلم يستجيبوا له، فأوعدهم بالعذاب في يوم معلوم إن لم يتوبوا، ثم تابوا فأصلح الله حالهم. ويوجد في الموصل حالياً جامع النبي يونس، ويقع في الجهة الشمالية الشرقية من نهر دجلة فوق تل النبي يونس حيث ذكر بأن الزهاد والنساك كانوا يأوون إليه، وعرف أيضاً باسم مسجد التوبة، وعثر على قبر النبي يونس سنة 767 للهجرة لذا سمي بجامع النبي يونس، ويوجد تل النبي يونس، ويقع داخل مدينة الموصل الأثرية، ويضم قصر اسرحدون وقصر سنحاريب ويعتبر من أثمن ما بقي من آثار مدينة نينوى ولم تمتد إليه أيدي العابثين والمخربين، ويسمى أيضاً تل التوبة. مدينة نمرود تقع مدينة نمرود التي تسميها الكتب القديمة باسم كالحو، عند التقاء نهر الزاب الأعلى مع نهر دجلة، وعلى بعد 35 كلم جنوب الموصل، وشكل هذه المدينة مربع محاط بسور طوله 8 كلم، وهو مدعم بأبراج دفاعية، وعند زاويته الجنوبية يوجد تل نمرود الذي عُثر فيه على قصور ومعابد آشورية أثناء التنقيبات الأثرية، وفي زاويته الشرقية يقع تل أزر الذي وُجد فيه قصر وحصن يعودان إلى الملك الآشوري شلمنصر الثالث 859 - 824 ق.م.، فأطلق عليه قصر وحصن شلمنصر. وكانت مدينة نمرود مركزاً للدولة الآشورية منذ حكم الملك الآشوري شلمنصر الأول 1373 - 1244 ق.ب. ثم أهملت حتى تولى حكم الإمبراطورية الآشورية أشور ناصر بال الثاني883 -859 ق.م فشيد فيها المباني والقصور، ومنها القصر الجنوبي الغربي، وأعاد بناء معبد نابو واعتنى بزقوراتها، وأكبرها زقورة نمرود المتبقية من العصر الآشوري. وتوالت بعثات التنقيب عن الآثار التي اكتشفت عدداً كبيراً من الآثار داخل الحصون والمعابد والقصور، ولكن البعثات الأجنبية نقلت معظم القطع الأثرية إلى المتاحف الأجنبية، ومنها الثيران المجنحة التي كان يحتفظ المتحف العراقي ببعضها إلى جانب المنحوتات الحجرية التي كانت تزين قاعات القصور الآشورية، وما زالت بعض آثار مدينة نمرود قائمة حتى الآن. كانت الألواح المكتوبة موزعة في مواقع أثرية متفرقة في العراق وسورية وتركيا، ثم سرقت الألواح، وتم توزيعها في أماكن متعددة من العالم تبعاً لبعثات التنقيب التي عثرت عليها، وأشهرها المتحف البريطاني، ومتحف جامعة بنسلفانيا، ومتحف جامعة شيكاغو، ومتحف اللوفر في باريس، ومتحف برلين، ومتحف الآثار العتيقة الأركيولوجي في اسطنبول، والمتاحف السورية، والمتاحف العراقية في بغداد والموصل والبصرة. وتعتبر خزانة العاصمة الآشورية الثانية نينوى من أهم خزائن كتب الملوك في العراق، وموقعها على مشارف مدينة الموصل الحالية إلى الشرق من نهر دجلة، وقد اهتم بجمع المكتبة وتطويرها الملك الآشوري آشور بانيبال الذي حكم أربعين سنة، ما بين سنة 668 وسنة 626 ق.م. وضم إلى مكتبته ألواحاً من مكتبة الملك سرجون الآشوري الذي حكم من سنة 721 حتى سنة 705 ق.م. وظلت خزانة الكتب هذه مطمورة تحت التراب نيفاً وعشرين قرناً، وأسفرت التنقيبات عن كشف ما يقرب من ثلاثين ألف لوح نقلت إلى المتحف البريطاني. وهناك خزانة نوزي التي تقع على نحو 12 ميلاً جنوب غربي كركوك، بلغ عدد الألواح المكتشفة فيها أكثر من أربعة آلاف لوح. ومن خزائن الألواح المكتوبة بالحروف المسمارية المهمة في العراق: خزانة نُفّر التي تقع على مسافة مئة ميل جنوب بابل على ضفاف نهر النيل المتفرع من الفرات قرب بابل، وقد بدأ التنقيب الأميركي فيها سنة 1889، وتم اكتشاف أكثر من خمسين ألف لوح يرقى تاريخها إلى سنة 2700 2100 ق.م. وتم نقل الألواح إلى بنسلفانيا منذ اكتشافها. كذلك تم اكتشاف 2500 لوح، يرجع تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد في خزانة مدينة أدب التي تسمى بسمى أو بسمايا، وتقع على مسافة خمسة وعشرين ميلاً جنوب غربي خزينة نُفّر. واكتشف أكثر من 130 ألف لوح في خزانة سبار على ضفة الفرات الشرقية على مسافة عشرين ميلاً جنوب غربي بغداد، وتعرف توراتياً باسم سفروايم. واكتشف الفرنسيون زهاء 35 ألف لوح نقلوها إلى متحف اللوفر من خزانة تلو، واسمها القديم لجش، أو شربولا، وهي بين دجلة والفرات. أما مدونات قانون حمورابي فقد اكتشفتها مديرية الآثار العراقية سنة 1945، ونقلتها إلى المتحف الوطني العراقي من خزانة تل حرمل شرق بغداد ، وكانت تابعة لدولة أشنونا السومرية في منطقة ديالى، وكشف فيها عن أكثر من 1500 لوح ، فيها مدونات تشريعية من قبل عهد حمورابي، ونوتة موسيقية، وسجلات نفوس مدنية، ومصورات جغرافية، ومعاجم لغوية، ونظريات هندسية نسبت لاحقا الى فيثاغورث 640- 580 ق.م.وغيره المخطوطات السريانية لقد أصدر المجمع العلمي العراقي مجموعة فهارس المخطوطات السريانية في العراق سنة 1988، وتضمن الجزء الثالث معلومات عن المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد، وكان مجموع المخطوطات 1176 مخطوطة بثلاث لغات هي السريانية 977 مخطوطة، والعربية 196 مخطوطة، والفارسية 3 مخطوطات. وتنوعت المخطوطات، فمنها ماهو تأليف أصلي، ومنها ما هو مترجم من لغات أخرى، وكانت هذه المخطوطات في بلدة ألقوش في مكتبة دير الربان هرمزد منذ سنة 1795، حتى 1964، وكان الدير مقراً لكرسي بطريرك المشارقة. وتعرضت مكتبة دير الربان هرمزد للنهب والتخريب مما تسبب في ضياع وتلف عدد كبير من المخطوطات التي كانت محفوظة فيها، وقد نقلت المخطوطات التي سلمت من عوادي الزمن إلى مكتبة دير السيدة سنة 1869، ثم إلى دير مار أنطونيوس التابع للرهبانية الكلدانية في منطقة الدورة في بغداد، وقد شهدت الدورة معارك في الحرب الأخيرة، وقصفتها الطائرات الأميركية والبريطانية، ولا نعلم ما حل بمخطوطات الدير لا سيما بعد الفلتان الأمني الذي ساد العراق في ظل الاحتلال، ومما لاشك فيه أن محفوظات المتاحف والمكتبات العراقية هي ثروة إنسانية تتطلب تعاوناً عالمياً لإنقاذها من عبث العابثين واعتداءات الجهلة واللصوص والحاقدين التقويم البابلي الآشوري احتفل معظم المسيحيين العراقيين في أول نيسان ابريل الماضي برأس السنة البابلية الآشورية اكيتو 6753، الموافقة لسنة 2003 للميلاد، وحددوا هذا التاريخ اعتماداً على المكتشفات الأثرية في منطقة "جرمو" التي اكتشفت سنة 1948، من قبل بعثة تنقيب من جامعة شيكاغو الأميركية التي اكتشفت مستوطنة زراعية قديمة تقع على بعد 11كلم شرق جمجمال ويعود تاريخها إلى مابين 8 آلاف و10 آلاف سنة، وبذلك تكون أقدم من عهد سيدنا إدريس عليه السلام 5 آلاف سنة ق.م.، وقبل طوفان نوح 4500 سنة ق.م، في زمن الأسرة الحاكمة الفرعونية الخامسة حسب الأساطير التاريخية. وتضمنت المكتشفات أسماء 17 حاكماً من الذين حكموا مستوطنة جرمو وكان الحاكم الخامس عشر منهم اشبويا الذي بنى من الحجارة والطين بناءً، وسماه هيكل آشور وأوصى اشبويا الحكام الذين يأتون بعده بتجديد البناء كل 250 سنة، وليس معروفاً هل تقيدوا بهذه المدة، أم جددوا البناء في فترات أقصر من ذلك بسبب تهدم البناء جراء الزلازل والفيضانات، وهذا ما يجعل اعتماد هذه البينة موضع شبهة تتهاوى أمام عوامل الطبيعة، وتجعل تحديد رأس السنة الآشورية أسطورةً من الأساطير البعيدة عن الحقائق العلمية. وبذلك يجد الباحث نفسه بين نظريتين متناقضتين هما الأسطورة الآشورية، والأسطورة التوراتية التي تحدد تاريخ الآشوريين بفترة تقارب أربعة آلاف سنة ق.م. أي بعد الطوفان. وتستند الأسطورة الآشورية إلى تاريخ استعادة القائد سركون الأول الحكم من سيطرة الغزاة الذين جاؤوا من مناطق في منغوليا، وسيطروا على بلاد آشور لفترة تقارب 200 سنة. وتفيد الكتابات التي دُوّنت على أحد الألواح التي تعود إلى القرن التاسع ق.م. بأن أحد الملوك الآشوريين أعاد بناء هيكل آشور للمرة الثانية والعشرين حسب توصية اشبويا، وبناء على ذلك تم تحديد الفترة التي حكم فيها اشبويا بسنة 4700 ق.م. وبناء على تلك المعلومات اعتمدت سنة 4750 تأريخاً لبناء هيكل آشور وبداية للتقويم البابلي الآشوري.