السواحه والتميمي يرفعان الشكر للقيادة للموافقة على تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    استشهاد 18 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على منزلين شمال وجنوب قطاع غزة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة نابلس وقرية النبي صالح    الإعلان عن أسماء الفائزين بالمراكز الأولى بجائزة الملك عبدالعزيز لسباقات الهجن فئة "جذع"    "الرأي" توقّع شراكة مجتمعية مع جمعية يُسر بمكة لدعم العمل التنموي    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    ندوة "التدريب المسرحي في العالم العربي : التحديات والفرص" في مهرجان الرياض للمسرح    جهود دعوية وإنسانية لتوعية الجاليات وتخفيف معاناة الشتاء    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    نائب أمير تبوك يطلق حملة نثر البذور في مراعي المنطقة    NHC تنفذ عقود بيع ب 82 % في وجهة خيالا بجدة    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    تهديد بالقنابل لتأجيل الامتحانات في الهند    إطلاق ChatGPT في تطبيق واتساب    هل هز «سناب شات» عرش شعبية «X» ؟    المملكة تدعم أمن واستقرار سورية    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائنًا مهددًا بالانقراض    السعودية واليمن.. «الفوز ولا غيره»    إعلان استضافة السعودية «خليجي 27».. غداً    رينارد: سنتجاوز الأيام الصعبة    اتركوا النقد وادعموا المنتخب    أخضر رفع الأثقال يواصل تألقه في البطولة الآسيوية    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    غارسيا: العصبية سبب خسارتنا    انخفاض معدلات الجريمة بالمملكة.. والثقة في الأمن 99.77 %    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    رغم ارتفاع الاحتياطي.. الجنيه المصري يتراجع لمستويات غير مسبوقة    رئيس بلدية خميس مشيط: نقوم بصيانة ومعالجة أي ملاحظات على «جسر النعمان» بشكل فوري    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير تعليم الطائف ويدشن المتطوع الصغير    وافق على الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة.. مجلس الوزراء: تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    مجلس الوزراء يقر الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة العامة    إيداع مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر ديسمبر    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    عبد العزيز بن سعود يكرّم الفائزين بجوائز مهرجان الملك عبد العزيز للصقور    تزامناً مع دخول فصل الشتاء.. «عكاظ» ترصد صناعة الخيام    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    طريقة عمل سنو مان كوكيز    الموافقة على نشر البيانات في الصحة    جامعة ريادة الأعمال.. وسوق العمل!    أخطاء ألمانيا في مواجهة الإرهاب اليميني    الدوري قاهرهم    «عزوة» الحي !    نقاط على طرق السماء    حرب السودان تعمق من أزمة المجاعة    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    عبد المطلب    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    سيكلوجية السماح    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضباط أتراك مطرودون من الجيش يتحدثون ل "الوسط": تهمتنا الوحيدة اننا نصلي وان نساءنا محجبات
نشر في الحياة يوم 06 - 10 - 2003

منذ العام 1996 جرى طرد أكثر من 1350 ضابطاً وضابط صف من الجيش التركي. فإذا أضفنا اليهم أولئك الذين طردوا من الجيش خلال سنوات دراستهم في الكليات العسكرية والآخرين الذين فضّلوا التقاعد من الجيش باكراً، فإن العدد سيصبح ما بين 3500 و4000 ضابط. ولكن ما هو الخطأ الذي ارتكبه كل هؤلاء؟ "السلوك غير المنضبط". والحقيقة ان ما يتهمون به انما هو الصلاة في المساجد، لا سيما ان زوجاتهم متهمات بارتداء الحجاب. غير أن أحداً لا يقول هذا بصراحة لهم. أما القرار الذي يتخذه "المجلس العسكري الأعلى" في هذا الشأن فإنه مبرم عادة. وهنا، للمرة الأولى، وافق أحد هؤلاء الضباط على أن يروي حكايته وهو سافر الوجه.
كانت مسيرة النقيب باقي غلب 44 سنة في العمل العسكري مسيرة لامعة. فهو ولد في منطقة أفيون، شرقي تركيا في العام 1959، وما ان أنهى دراسته الثانوية حتى دخل الكلية العسكرية. كان ذلك في العام 1976. "كان في امكاني أن التحق بجامعة متميزة هي "جامعة الشرق الأوسط التقنية" غير أنني فضّلت أن أخدم بلدي بشكل مباشر فانتسبت الى الجيش". وهو إذ نال ديبلومه كملازم في العام 1981 انضم الى سلاح المدرعات، ورقّي الى نقيب في العام 1989 ثم الى رتبة رائد في العام 1995. وهو تلقى في العام 1996 جملة من التهاني والمكافآت. وكان يعرف انه، في العام 1998، أي بعد عامين سيحال الى التقاعد بعدما أمضى 22 سنة في الجيش، وبين يديه 60 بليون ليرة نحو 44 ألف دولار كتعويض اضافة الى مرتب تقاعد يصل الى بليون ليرة حوالي 700 دولار ما يشكل مبلغاً محترماً في تركيا.
ولكن، فجأة، انهار كل شيء. فهو بعد شهر واحد من تلقيه آخر مكافأة نالها، تلقى من بين يدي قائده العقيد، رسالة من بضعة سطور تعلمه انه "بسبب سلوكه غير المنضبط" طُرد من الجيش بقرار من المجلس العسكري الأعلى: "عليك ان تعيد بطاقة هويتك العسكرية وما تبقى لديك من شارات، ثم تجمع حوائجك وترحل"، قال له العقيد، كما يروي غلب مضيفاً: "إثر ذلك بقيت طوال ست ساعات منهاراً، غير قادر على ابداء أي رد فعل. أما تهمتي فكانت الصلاة، وأن زوجتي تضع الحجاب. بيد أنني لم أكن استطيع أن أتصور اطلاقاً أن مثل هذه الأمور يمكن ان تسفر عن مثل هذه النتائج. كانت هناك، حقاً، اشاعات فحواها انه إذا لوحظ على ركبتيك وعلى جبينك ما يفيد بأنك تصلي، فستتعرض للمتاعب، لكنني لم أكن لأصدق مثل هذا الكلام. كانت هناك أقوال غامضة تفيد ان المجلس طرد العديد من الضباط، لكن أحداً لم يكن يعرف لماذا".
ويضيف باقي غلب: "خلال الخدمة كان على الواحد منا أن يملأ، مرة كل ثلاثة أشهر، استمارة شخصية: هل لديك مكتبة في بيتك؟ ما نوع الأشخاص الذين يزورونك؟ ماذا يفعل أفراد عائلتك؟ هل تضع زوجتك حجاباً؟ نقاباً أو برقعاً أسود؟".
"أنا شخصياً"، يقول باقي، "لم أكن بدلت من نمط حياتي: كنت أصلي منذ البداية، وكان ثمة مسجد في الكلية العسكرية. وحين تزوجت في العام 1991، كانت زوجتي تضع نقاباً، لكن هذا كان من دون أهمية تذكر بالنسبة الينا. بل على العكس كنت أنال ثناء لأنني أصلي ولأنني أجهد في عملي. وكان في وسع رؤسائي الاعتماد علي. وخلال حرب الخليج الأولى في العام 1991، كنت الضابط الوحيد المسؤول عن وحدة في الجبال عند الحدود مع العراق. أما واقع إيماني بالآخرة فكان هو ما يرفع من معنوياتي...".
لكن هذا كله تدهور في ثوان. وهكذا، قبل تقاعده من الجيش بعامين، وجد باقي غلب نفسه من دون عمل… من دون ضمان اجتماعي، من دون أي شيء، وفقط مع زوجة مريضة واستحالة العمل لدى الإدارات الرسمية. "في النهاية،" يختم غلب كلامه: "أسست شركة صغيرة للأشغال العامة، ورحت أنشئ الطرقات، وهكذا صرت من الناحية المالية في حال أفضل مما كنت عليه في الجيش، لكن هذا لا يمنعني من أن أكون حزيناً على الدوام لأنني فقدت مساري المهني في عمل كنت شغوفاً به. ولقد ميّزت الحكم على أية حال لدى محكمة العدل الأوروبية".
بديهياً ينكر باقي غلب انه ناضل في صفوف أية منظمة دينية: "كان هذا محظوراً، ثم انني لم يكن لدي وقت لذلك، ولو كان الوضع على ذلك النحو كانوا اكتفوا بطردي من الجيش، بل كانوا وضعوني في السجن".
عبدالواحد قولجي أصغر سناً من غلب، فهو ولد في ريزبارا على شاطئ البحر الأسود. وهو واحد من أولئك الضباط الذين أمضوا حياتهم كلها في طاحونة الجيش: فهو منذ سن الرابعة عشرة، في العام 1980 دخل مدرسة الرتباء التي بارحها العام 1984 لينتسب الى الكلية العسكرية التي تخرج منها برتبة ملازم في العام 1988. وهو منذ ذلك الحين خدم حيناً في سلاح المشاة وحيناً في سلاح المدفعية: كان ذلك في فترة احتدام الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. وخدم في العام 1992 ثم في العام 1995 في كردستان وتانغان وبتليس وشمدلي. وأخيراً صار في العام 1997 نقيباً. ثم بعد ذلك بخمس سنوات، أي في آب اغسطس 2002، طرد من الجيش بعدما أمضى فيه 22 عاماً.
"ذات صباح يوم أحد، طرق قائد سربي باب شقتي في ديار بكر وقال لي: أنا آسف، لقد طُردتَ من الجيش. وكان جاء إلي في باص صغير وفي رفقته جنديان مسلحان. توجهنا معاً الى الثكنة حيث سلّمت أوراقي وبطاقة هويتي العسكرية. وفي اليوم التالي عدت بالثياب المدنية لأستعيد اغراضي الشخصية. وإذ قلت لرفاقي وداعاً، أحسست ان كل شيء انتهى. ترى هل سبق لي ان شككت بشيء ما؟ كنت أستمع الى أخبار سيئة على شاشة التلفزة، لكنني كنت عاجزاً عن تصديق أن الأمر قد يحدث معي، كان يحدث للآخرين دائماً! ولكن حين تزوجت، بعد يوم 28 شباط فبراير 1997، أي بعد الإنذار الذي وجهته قيادة الأركان الى حكومة أربكان، التي أرغمت على الاستقالة بعد ذلك بأسابيع قليلة، كنت أدرك أنني سأواجه بعض المشاكل لأن زوجتي محجبة. لكنني لم أبالِ، كنت أريدها هكذا، بالتناغم مع أسلوب حياتي. ومع هذا لم تواجهني مشاكل في البداية"، يروي النقيب السابق مضيفاً: "لم أكن أخفي أفكاري عن أحد. لكن رؤسائي كانوا يعرفونني، ويعرفون أسلوبي. وذات يوم قال لي قائدي: عليك أن تطلب من زوجتك رفع حجابها، وإلا فإنك ستطرد من الجيش". فأجبته بأن الحجاب جزء من ديني فإذا كنت مؤمناً عليّ أن أحترم قواعد الدين. وبعد بضعة شهور حدث ما لم يكن، مع ذلك، في الحسبان: طردت من الجيش قبل موعد تقاعدي بخمس سنوات، وخسرت كل شيء، عملي ومرتبي 3.1 بليون ليرة تركية أي نحو 990 دولاراً وضماني الاجتماعي. كل شيء".
في الوقت الحاضر يعمل عبدالواحد قولجي في التصدير والاستيراد. وهو لم ينقل قضيته الى محكمة العدل الأوروبية، لأنه لا يملك أجر المحامي نحو 550 دولاراً، اضافة الى انه لا يعتقد بأن هذه المحكمة ستنصفه "لأنها لا تتخذ أي موقف لمصلحة الاسلام!".
واحد من أصغر الضباط الذين طردوا من الجيش هو أكرم كاراطاش المولود في العام 1970. وأكرم بدوره مرّ في مدرسة الرتباء، ولكن في البحرية في اسطنبول، حيث دخلها العام 1984 وكان في الرابعة عشرة من العمر، ليتخرج منها العام 1989، بعد صعوبات كأداء واجهته: ففي تلك المدرسة لم يكن ثمة قاعة صلاة، لكن أكرم ، وهو مؤمن ممارس، راح يتوجه في نهاية الأسبوع الى المسجد.. أما في أيام الأسبوع فكان يصلي في المهجع، خفية عن عيون الرؤساء. ويبدو أن أحداً شاهده، إذ في العام 1987، أثناء الاحتفال السنوي بتوزيع المكافآت، وجد نفسه يطرد من المدرسة بتهمة "عدم الانضباط". وقبل ذلك ببضعة أشهر تحدثت الصحافة التركية عندها وجود شبكة تضم أعضاء "أخوانية" دينية في الجيش، وعن طرد عدد من طلاب إحدى المدارس العسكرية، لكن أكرم استأنف الحكم لينتهي الأمر بإعادة ضمه الى مدرسة الرتباء حيث تخرّج ملازماً ثانياً في العام 1989. وعيّن في قاعدة بحرية في غولتشوك.
وفي العام 1992 تزوج أكرم من فتاة محجبة: "فكرت طويلاً في الأمر، ولكن قبل يوم 28 شباط لم يكن مثل هذا الأمر ليلقى أي بال. وبما أنه سبق لي أن طالبت بحقوقي وحصلت عليها، خيّل إليّ أن الأمر انتهى عند ذلك الحد. ثم إنني كنت ذا سمعة طيبة بوصفي جدياً ومجتهداً".
غير أن هذا كله لم يمنع أكرم من أن يكون واحداً من بين أول مجموعة من الضباط وضباط الصف طردت من الجيش بعد الانقلاب الأبيض في العام 1997: "كنت يومها في طولون على متن سفينتي، حين اتخذ المجلس العسكري الأعلى قراره. وأبلغه للقيادة يوم 26 أيار مايو بواسطة اللاسلكي، لكن أحداً لم يبلغني به يومها. كذلك لم يعلمني أحد بأن واحداً من رفاقي الضباط أمر بمراقبتي ليلاً نهاراً! فقط يوم 6 حزيران يونيو حين وصلت سفينتي الى تركيا، أعطاني قائدي رسالة من بضعة أسطر تعلمني بأنني طردت من الجيش "لسلوكي غير المنضبط" لكني علمت على الفور ان ذنبي هو اقامة الصلاة وكون زوجتي محجبة. وعلى الفور استأنفت الحكم لدى المجلس العسكري لكن استئنافي رُفض، لأن الحكم الذي يصدره هذا المجلس حكم مبرم. كذلك استأنفت الحكم لدى محكمة حقوق الانسان الأوروبية، ولكن هنا واجهتني معضلات اجرائية كبيرة".
كما هي البحرية، الطيران أيضاً يعتبر سلاحاً نخبوياً. وهنا أيضاً لا تهاون مع الضباط المشتبه بممارستهم الدين "بشكل مبالغ به" - كما حال الرائد مصطفى ايرول 39 سنة الذي عاش التجربة المرة هو الآخر. ولد مصطفى ايرول في قيصري، ودخل الكلية العسكرية في العام 1991، بعدما ترك الدراسة الثانوية، وتخرّج ملازماً في العام 1995، وبعدما تخصص في اللوجستية في ازمير، عيّن في موقع بالقشير، ثم في ديار بكر حيث أمضى 6 سنوات قبل ان ينقل العام 2000 إلى قيصري، وكان ذلك حين رقّي الى رتبة رائد.
ان هذا المسار المهني يبدو هنا براقاً، ولكن وراءه في الواقع مشاكل عدة عاشها الرجل، بدأت في بالقشير، خلال فترة الرقابة السنوية، وهي رقابة تستمر ما بين 3 و4 أيام: "خلال ساعة الغداء، يروي مصطفى، كان من عادتي ان أذهب للصلاة في قاعة المصلى في الثكنة مع 3 أو 4 جنود بسطاء. وكان من سوء حظي، ذات يوم، أن الضابط المسؤول عن المراقبة زار المصلى ورآني وأنا أؤدي الصلاة فسألني: "لماذا تصلي؟ هل تصوم رمضان أيضاً؟"، أجبته على ما سأل، فلم يبدِ أي رد فعل خاص. ولكن بعد ذلك بنصف ساعة كان الأمر قد أبلغ الى قائد الثكنة الذي استدعاني فوراً وسألني لماذا أتوجه الى المصلى أثناء ساعة الغداء؟ ثم طلب مني أن أكتب تقريراً. وبعد ذلك بشهر نقلت الى ديار بكر، مع انه لم يكن قد مضى علي في بالقشير سوى ثلاث سنوات وفي ذلك الحين كان النقل الى ديار بكر، وسط المنطقة الكردية، يعتبر عقاباً.
لاحقاً حين عيّن مصطفى ايرول في قيصري، العام 2000، أصبحت مشاكله جدية. "منذ اليوم الأول، استدعيت الى مكتب القائد الذي سألني عما اذا كانت زوجتي محجبة وإذا كنت أصلي وإذا كنت أتناول الكحول؟ ثم قال لي: "جاء الى هنا 11 ضابطاً مع زوجات محجبات، فنزعت عنهن الحجاب. فإما ان تنزع عن زوجتك حجابها او تطلقها". قلت له على الفور ان زوجتي محامية، وهي التي تقرر مثل هذه الأمور التي تخصها لوحدها...".
ومن المعروف في أوساط الجيش التركي ان الضباط الذين يتخذون زوجة محجبة ويلتحون لا ينالون الحق في أن يحظوا بشقق خدمة في المناطق المخصصة للعسكريين. وهكذا، حين أراد مصطفى ايرول ان يستأجر شقة في المدينة وجد ان هذا ليس من حقه، وفي النهاية قرر ان يتوجه مع زوجته لكي يعيشا في اسطنبول: "وهكذا طوال سنتين لم نر بعضنا سوى في نهاية الأسبوع، وكنت أسافر في الباص 12 ساعة حتى أراها".
في العام 2000 نقل مصطفى ايرول الى اسكبشهر - مع ان الناحية التنظيمية تنص على أن الضابط، بعدما ينقل مرتين الى شرق تركيا كردستان كان يحق له ان يطلب نقله الى الغرب. "طلبت أن أنقل الى اسطنبول، فإذا بهم يرسلونني الى اسكيشهر. وهناك أبلغت في كانون الأول ديسمبر 2000، قرار طردي من الجيش عندما استدعاني عقيدي ذات يوم وسلمني رسالة من 4 سطور تبلغني انني طردت ل"سلوكي غير المنضبط". وطلب مني ان أوقع الرسالة، ثم أن أعطيه مسدسي وثيابي وبطاقتي العسكرية وما الى ذلك. اذن، انتهت مسيرتي العسكرية على هذا النحو على رغم انني كنت خلالها قد نلت أفضل المكافآت ولم تكن صادفتني في السابق أية مشاكل". اليوم يعمل مصطفى ايرول في مؤسسة مدنية لوجستية.
ويؤكد مصطفى ايرول أنه لم يقم أبداً بأي نشاط سياسي: "كان ممنوعاً علينا ان نمارس السياسة. في الجيش يقتصر نشاطنا السياسي على التصويت في الانتخابات لا أكثر". وهو بعدما طرد من الجيش أسس مع عدد من رفاقه الضباط الذين كان مصيرهم مثل مصيره جمعية صغيرة أسموها "جمعية الدفاع عن العدالة" مهمتها مساعدة الضباط السابقين الذين عوملوا مثل منبوذين، والذين يجدون صعوبات شديدة في الحصول على عمل بعد طردهم.
والآن كيف يمكن تفسير مثل هذا الاضطهاد في بلد يشكل المسلمون 95 في المئة من سكانه؟ ان عبدالواحد قولجي، الذي بدا لنا الأكثر تسيساً من بين كل الضباط الذين التقيناهم، يقدم التحليل الآتي: "في تركيا يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط من الاسلام: الاسلام الحقيقي، ثم الاسلام الشعبي الذي يعاش مثل تراث وتقاليد، وأخيراً إسلام الحكومة، وهو إسلام ممالئ. ويمكننا القول الآن ان 20 في المئة من جنرالاتنا ملحدون وهم وصلوا الى المراكز الأساسية لحظة 28 شباط 1997. وهؤلاء الجنرالات يرون ان الاسلام عادة يمكن تركها عند الباب لدى الدخول الى الجيش. والا، فإن الاسلام هو العدو الذي يتعين محاربته. الجنرالات الآخرون، أي الغالبية العظمى، ليسوا على هذه الشاكلة، لكنهم لا يتحركون، أو هم عاجزون عن الحركة".
لقد رفضت حكومة أربكان الموافقة على عمليات الطرد تلك، لكنها سقطت. أما حكومة أردوغان فإنها أبدت "تحفظات" عن قرار المجلس العسكري طرد 15 ضابطاً، ، لكنها حرصت على الا تواجه الجيش، مفضلة كسب الوقت، مجازفة بأن تخيّب أمل قواعدها
الاستثناء التركي: جيش لا يسيطر عليه المدنيون
لدى وصولها الى السلطة، كانت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، قد قررت اعادة هيكلة مجلس الأمن القومي، وهو مؤسسة فريدة من نوعها في أوروبا، شكلها انقلابيو العام 1960، الذين قاموا يومها بالانقلاب العسكري الأول، ثم عززها أصحاب انقلاب أيلول سبتمبر 1980 تبعاً للمادة 118 في دستور العام 1982. ويعطي مجلس الأمن القومي سلطة واسعة للعسكريين. وهو إذ يجتمع مرة في الشهر برئاسة رئيس الجمهورية، يتألف من رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزراء الخارجية والداخلية والعدل والاتصالات، اضافة الى رئيس أركان الجيش وقادة الجيوش المختلفة البرية والبحرية والطيران والدرك إضافة الى مسؤولين عسكريين آخرين. والحقيقة ان مركز الثقل الحقيقي في مجلس الأمن القومي، هو أمانته العامة، وهي مؤسسة ذات استقلال ذاتي تستخدم نحو 600 شخص ويقودها جنرال. والمجلس هو الذي يملي "توصيات للحكومة ذات أولوية" لا يمكن مناقشتها. وعلى هذا النحو كان رئيس الوزراء نجم الدين أربكان ضحية لانقلاب 28 شباط الأبيض الشهير في العام 1997، بسبب رفضه تطبيق لائحة من 18 "توصية" أصدرها المجلس، وأُرغم على الاستقالة بعد ذلك بأسابيع أي في حزيران 1997.
والحال ان حزب أردوغان حاول التقليص من سلطات مجلس الأمن القومي، عبر مشروع قانون ينص على ان المجلس لا يجتمع الا مرة كل شهرين بدلاً من مرة واحدة، وكذلك على تقليص عدد العسكريين المجتمعين، إضافة الى ان الأمين العام للمجلس يجب ان يكون مدنياً. ولكن بناء على طلب الجنرال حلمي أوزكوك، رئيس الأركان، اضطر رئيس الحكومة أردوغان للرضوخ ليقبل بأن يكون عسكرياً، هو الجنرال شكرو ساريسييك، على رأس الأمانة العامة للمجلس "لفترة انتقالية" مدتها سنة.
المجلس العسكري الأعلى
هذا المجلس هو مؤسسة عسكرية أخرى لا يجري الكلام عنها كثيراً. وهي تعزز من استقلالية العسكريين: أما ثقل المدنيين فيه فضئيل للغاية، لأن ليس فيه سوى مدنيين اثنين هما رئيس الحكومة ووزير الدفاع، في مقابل 15 عسكرياً هم رئيس الأركان ومساعده، وقادة الجيوش الأربعة، وقادة الفرق الثلاث الأولى، وقائد المدارس العسكرية، وقائد القوات التركية في حلف شمال الأطلسي، والأمين العام لمجلس الأمن القومي... وغيرهم.
والمجلس العسكري هو الذي، خلال اجتماعه السنوي في بداية شهر آب، يقرر ترقية أو تقاعد 15 جنرالاً وأميرالاً يشكلون عادة نواة الجيش التركي: قائد الأركان مرة كل 4 سنوات وقائد الأركان المساعد، وقادة مختلف الجيوش وأركان هذه الجيوش، وقادة الفرق والأكاديميات العسكرية والأمين العام لمجلس الأمن القومي.
وخلال اجتماعه السنوي يعلن المجلس العسكري أيضاً بعض الاجراءات التأديبية، طارداًَ من الجيش عدداً من الضباط بتهمة "السلوك غير المنضبط" وهو تعبير يعني الضباط المشتبه بممارستهم الدين. وعلى هذا النحو تم حتى الآن طرد 18 ضابطاً طرداً مبرماً، مع أنه من المعروف ان الضباط الذين تتخذ في حقهم اجراءات تأديبية خلال العام لأسباب غير مؤكدة يمكنهم الاستئناف.
وإذا كانت قرارات المجلس العسكري تحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية، فما هذا إلا اجراء شكلي بحت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.