قد يصدف للمريض ان يحس بأصابعه وجود عقدة أو عقد صغيرة في الرقبة، أو تحت الفك، فينشغل باله كثيراً في شأنها ظناً منه انها علامة سيئة لمرض خبيث، ولكن في معظم الأحيان تكون مجرد ذكرى عابرة لمرض سليم. كل الناس، صغاراً كانوا أم كباراً، لديهم عقد صغيرة بالكاد يبلغ حجم الواحدة منها حجم حبة البازلاء، وتسمى هذه بالعقد اللمفاوية، وهي تشكل جزءاً من الجهاز اللمفاوي في الجسم الذي يحاكي الجهاز الدوراني في أمكنته وتوزعاته. وتوجد العقد اللمفاوية إما على شكل سلاسل واما على شكل عناقيد تتوزع في أنحاء مختلفة في الجسم، وترتبط ببعضها البعض بأوعية دقيقة تنقل السائل اللمفاوي، الذي يشبه بلاسما مصل الدم في بعض مكوناته، ولكنه يحتوي على الخلايا اللمفاوية التي تلعب دوراً كبيراً في الدفاع عن الجسم ضد العوامل الميكروبية. هناك نوعان من العقد اللمفاوية، العقد السطحية وهي التي يمكن جسها تحت سطح الجلد، وتوجد هذه خصوصاً في جانبي الرقبة، وتحت الفك وفي الإبطين والمنطقة المغبنية حول الاعضاء التناسلية. اما النوع الثاني فهي العقد العميقة التي لا يمكن جسها باليد، وتتموضع عموماً داخل الصدر بين الرئتين وفي البطن بمحاذاة العمود الفقري وكذلك في منطقة الحوض. ان سبر هذه الأخيرة يحتاج الى فحوصات خاصة مثل الصور الشعاعية والإيكوغرافي والسكانر والتصوير الطبقي المغناطيسي. ماذا يقصد بداء العقد اللمفاوية؟ ان مغزى هذه العبارة يعني ان العقد اصيبت بالتضخم، أي بالالتهاب، أو بالعدوى أو بالسرطان. اذا كانت العقدة رخوة، مؤلمة، والجلد الذي يعلوها ساخناً، فهنا يقال ان التضخم يعود الى الإصابة بعدوى ميكروبية. اما اذا كانت العقدة قاسية، متحركة لا ترافقها زيادة في حرارة الجلد الذي فوقها، فهناك احتمال ان تكون الإصابة ناتجة عن ورم خبيث، ولكن وجود مثل هذا النوع من العقد لا يعني بالضرورة اصابة سرطانية، بل قد يكون السبب أشياء اخرى لا تمت للسرطان بصلة. هناك أسباب حميدة لداء العقد اللمفاوية، وكذلك هناك اسباب خبيثة. اما الحميدة فنذكر منها: داء وحيدات النوى، وهو مرض فيروسي منتشر في جميع أنحاء العالم، ويسمى بداء "القبلة" لأنه كثيراً ما ينتقل عن هذا الطريق. ويحدث هذا المرض في أي سن، ولكنه اكثر شيوعاً بين سن ال10 و35، وهو يتظاهر بعوارض شتى منها ضخامة العقد اللمفاوية التي تكون مؤلمة قليلاً. داء الحصبة الألمانية الحميراء، وهو داء فيروسي يترافق مع حدوث اندفاعات جلدية، اضافة الى زيادة في حجم العقد اللمفاوية الموجودة خلف الأذنين وخلف الرقبة. داء خرمشة القطة. وهو التهاب حاد ناتج عن العدوى بجرثومة صغيرة تجد طريقها الى الجسم عن طريق التماس مع الكلاب والقطط، ولهذا يكثر حدوثه عند الأطفال. بعد ايام من الخرمشة تتعرض العقد للتضخم، وتكون هذه مؤلمة وثابتة وأحياناً قد تتقيح. لا علاج لهذا الداء والعوارض تشفى من تلقاء ذاتها بعد اسبوع أو اسبوعين على الأكثر. داء السل اللمفاوي. وفيه تصاب العقد اللمفاوية السطحية، خصوصاً في الرقبة، وأحياناً قد تطاول الإصابة العقد اللمفاوية العميقة. يترافق هذا المرض مع سوء الحالة العامة للمصاب وارتفاع في الحرارة خصوصاً في الليل. داء التوكسوبلازموز داء المقوسات. تتم العدوى بهذا الداء عن طريق المآكل النيئة لحوم وخضار...، ولدى اكثر من 80 في المئة من المصابين تمر العدوى مرور الكرام من دون ان يلحظها المريض أو يشعر بها. أما في النسبة الباقية فقد تسبب الإصابة البدئية أي المرة الأولى التي يدخل فيها الميكروب الجسم مظاهر متنوعة منها ضخامة العقد اللمفاوية، خصوصاً في الرأس والعنق. داء الساركوئيد: داء مجهول الهوية يؤدي الى حدوث ضخامة معممة في العقد اللمفاوية السطحية والعميقة. وهناك الالتهابات العادية الشائعة مثل التهابات الحلق، خراجات السن، الدمل الجلدية وغيرها. أما في ما يتعلق بالأسباب الخبيثة لداء العقد اللمفاوية فهي كثيرة ومنها: - السرطانات اللمفاوية. - سرطانات الدم. - سرطانات الأعضاء. - الإيدز. رب سائل قد يسأل: هناك اشخاص يحسون بوجود عقدة صغيرة، أو اكثر في جسمهم مع أنهم أصحاء، فهل هذا أمر طبيعي؟ الجواب: نعم، وهذا الشيء نجده عند الأشخاص النحيفين، اذ يمكن ان نجد لديهم عقداً محسوسة، خصوصاً في منطقة المغبن مثلاً. ايضاً لدى الأشخاص الذين يتعرضون لالتهابات متكررة في الحلق او الاسنان، يمكن لهولاء ان تنزل هذه الالتهابات عندهم عقداً صغيرة دائمة في الرقبة أو تحت الفك. عدا هذا وذاك، فإن بعض العمال اليدويين كثيراً ما يرى الطبيب عندهم عقداً في الإبط، على رغم انهم بألف صحة، هل تعرفون لماذا؟ التفسير بسيط للغاية، اذ ان هؤلاء كثيراً ما يتعرضون للجروح والخدوش التي تفسح المجال للميكروبات بالدخول الى الجسم، ولكن العقد اللمفاوية في الإبط تكون لها في المرصاد فتمنعها من تجاوز عتبة ابوابها الى أنحاء الجسم الأخرى، فتكون النتيجة حدوث تضخم في العقد اللمفاوية نتيجة زيادة نشاطها لتصنيع الخلايا المناعية لرد العدوان. وفي المختصر المفيد، ان ضخامة العقد اللمفاوية غالباً ما تنتج عن أدواء سليمة لا تترك آثاراً خلفها، ولكن في جزء قليل من الحالات قد يقف وراء كبرها أدواء خبيثة، ولهذا يجب عدم اهمالها. إن ضخامة العقد التي تستمر اكثر من شهر، ويتجاوز قطر الواحد منها سنتيمتر واحد، يجب القلق في شأنها واستشارة الطبيب في أمرها، وكذا الحال عندما تكون هناك ضخامة عقدية منتشرة حتى ولو كانت صغيرة الحجم