الرواية متفوقة كثيراً على الشعر. هذا التفوق تم حصده خلال السنوات العشر الأخيرة من خلال تراكم روائي أسس لسرد ممكن ان ينهض بالدور التعبيري الذي لم يكن الشعر قادراً على النهوض به، وبالتالي تغدو الرواية وعاء يحمل تشكلات المجتمع ويدفع به الى ان يكون ديوان السعودية المقبل. وتفوق الرواية سار في طريق واحد، طريق من غير قارئ او ناقد، وغدا التفوق تفوق كم عددي لأن السنوات العشر الماضيات احتفلت بالسرد اكثر من احتفالها بالشعر. وربما يعود هذا الاحتفال الى تعطش الساحة الأدبية للأعمال الروائية التي طال انتظار حضورها في المشهد الأدبي السعودي. وهذا الحضور أخذ يؤسس وجوده من خلال تجارب روائية عدة ظهرت منذ التسعينات، وكان ظهوره من خلال "شقة الحرية" لغازي القصيبي و"الموت يمر" لعبده خال. هذا العملان اللذان خرجا عن نسق الرواية التي كانت تكتب تبعتهما كتابات روائية لتركي الحمد حركت شهية الكتاب للدخول الى عالم الرواية وتبعتها أعمال عدة من الجيل الذي كان ينتظر منه كتابة الرواية. ولأن ملف الرواية لم يفتح بعد فإننا سنجد أنفسنا نتلقى أعمالاً روائية عدة قبل ان تفرز الرواية السعودية أعمالاً يمكنها ان تدخل ذاكرة المجتمع. أما الحديث عن تواصل الأجيال الروائية بعضها مع بعض فهذا يقودني للحديث عن انقطاع الروابط بين من سبقونا وبيننا، وكان سبب الانقطاع عدم قناعتنا بما كان يكتب من رواية. ولهذا غدت مرجعيتنا الروائية تستند على ما يكتب في العالم العربي والعالم عموماً. ولا أتصور ان الرواية السعودية استطاعت حتى الآن ان تصل الى مرحلة النضج لكنها ساعية بخطوات حثيثة لترسيخ نفسها من خلال تجارب روائية تثبت موقعها الروائي على الخارطة العربية. فبعد ان قام عبدالعزيز مشري بارساء القاعدة الروائية لدينا جاءت انطلاقة الروائيين عبده خال وتركي الحمد لتمنح هذا الفن التفاتة كبيرة جعلت الرواية تكتسب زخماً اعلامياً وحضوراً فنياً في العالم العربي وأعتقد ان التجارب الروائية المقبلة ستكون انطلاقة واسعة للتجربة الروائية السعودية. هذا الالتفات الذي حققته الرواية السعودية خارج نطاقها الحدودي لم يواكبه التفات من الداخل اذ ظل النقاد على حالهم تعبرهم الأعمال الروائية والقصصية والشعرية من غير ان تحرك أقلامهم للكتابة عنها