الصيت والشهرة لازمتان من لوازم بريق "النجوم". فقبل اقتحام وسائل الإعلام لكل مرافق الحياة المدنية، كان البريق عبارة عن أخبار متواترة تتحدث عن مشاهير من الصعب مشاهدتهم بالعين فتتكفل المخيلة بناء قسم غير قليل من هرم الشهرة، وتتكفل المخيلات الجماعية بمد شبكة الصيت وتسعى الروايات والحكايات المروية في سهرات الأنس والمكتوبة على صفحات صفراء لتلميع بريق "النجم الخفي". ولكن مع انتشار الإعلام الحديث، بدءاً بتقنية نقل الصورة وطباعتها ونشرها بواسطة الصحف والمجلات ومن ثم السينما والتلفزيون وأخيراً الأنترنت، بات النجم قريباً من معجبيه وصورته "الحقيقية" حاضرة أمام عينيه، وطنين أخباره يملأ فضاء محبيه وغير محبيه. غير أن هذا لم يقضِ على عمل المخيلة الفردية والجماعية. فالمخيلة ما زالت المرتكز الأساسي لبناء الاساطير و"علم النجومية" من خلال عوامل، منها نفسية واجتماعية معقدة. يعتمد عليها التسويق الإعلامي والإعلاني بشكل مكثف لتسويق نجومه... والسلع الاستهلاكية المرتبطة بها! ويعتبر أخصائيو التسويق أن "النجم"، حتى بعد زوال بريقه المهني أو حتى بعد أن يغيبه الموت هو "رافعة تسويقية" مهمة يمكن الاستفادة منها دائماً من خلال إعادة إحياء ذكريات متواجدة في مخيلات المستهلكين وتذكيتها بأخبار تسمى في علم التسويق "أخبار من وراء القبور". وتعتمد القوة التواصلية التسويقية لأخبار نجوم اختفت على "حشرية مخيلة" المستهلكين الذين لم يعرفوا النجم في أيام عزه من جهة، وعلى التراكم الإعلامي المتواتر الذي يخلق نوعاً من الانجذاب لأخبار الغائب. ويكون دور الحملة التسويقية الضرب على هذه الأوتار الحساسة تواصلياً لرفع "درجة الانتباه التواصلي" تكوين عملية تواصل مبنية على الخيال والشوق. وبعدما تنبهت شركات التسويق الى عامل "أزلية" الشهرة باتت العقود التي توقعها مع المشاهير تكاد تكون بلا تواريخ محددة حتى وإن كانت القوانين تحدد مهلاً زمنية قصوى مختلفة حسب الدول والحقول. وتجد الشركات حافظة حقوق الاسم التجاري للنجوم والمشاهير دائما طرقاً وأساليب لتجديد حقوقها ومد فترات حصرية استغلالها تجارياً، سواء عبر حقوق نشر أخبار تتعلق بالنجم أم عبر حقوق استعمال "الاسم التجاري" بعد تسجيله عالميا. ويشهد العالم هذه السنة "مهرجاناً" يجسد هذا "الاستغلال" التجاري وشحذ المخيلات الجماعية بواسطة أخبار "من وراء القبور"، ذلك أن عام 2002 يصادف ذكرى مرور 40 سنة على "وفاة" نجمة هوليوود بلا منازع مارلين مونرو. وإذا كان علم التسويق واستغلال الاسم التجاري والفني لنجوم لم تعد موجودة بحاجة الى أفضل الطرق لاستغلال اسم نجم ما، فإن عملية مارلين مونرو التسويقية الدائمة والمستمرة هي بحق أفضل مثال على ذلك. فالعمليات التسويقية التي تدور حول كل ما يمس من قريب أو بعيد اسم النجمة هي في حركة دائمة لبيع كتب أو أشرطة سينمائية أو صور أو هدايا صغيرة تذكر بالنجمة "اللاهبة" على رغم أن نسبة كبيرة من المستهلكين حسب قياس معدل الأعمار لم تعرف النجمة ولا عاشت أخبار مغامراتها، والنسبة الصغيرة التي عاشت أيامها الذهبية وما زالت تذكر أخبارها، بلغت أعماراً لم يعد "اللهب والولع" عاملين أساسيين في تأجيج رغبتها الشرائية. إذا ما سبب هذا النجاح الذي تسجله الشركات التسويقية في بيع "ذكريات من وراء القبور"؟ يقول الأخصائيون أن سبب نجاح تسويق كل ما يتعلق بمارلين مونرو يعود إلى سببين أساسيين: الأول صناعة السينما وأفلامها العديدة 29 فيلماً اضافة الى فيلم أخير لم تكمله وكونها عرفت أوج شهرتها في الفترة التي شهدت تألق سينما هوليوود وانتشارها مع انتشار التلفزيون في العالم. أما السبب الثاني فهو بلا شك اللغز الذي أحاط بوفاتها والمجتمع السياسي الذي كانت تحلق فيه، خصوصاً علاقتها العاطفية مع رئيس الولاياتالمتحدة جون كيندي الذي كان أيضاً "نجماً" سياسياً إلى جانب كونه "نجماً نسائياً" اضافة إلى أن اغتيال الرئيس في ظروف غامضة ساهم أيضاً في لف العلاقة بينهما بضباب يعتبر عامل تشويق مُربح تسويقياً. أضف أيضاً أن الكثير من الإشاعات تحدثت عن علاقة مع روبرت شقيق الرئيس الذي كان أيضاً مرشحاً للرئاسة والذي اغتيل أيضاً مما ضاعف من نسبة المربحية التسويقية للاسم التجاري للنجمة "المنتحرة". ومما ضاعف من الزخم التواصلي لاسم مارلين مونرو العدد الكبير للكتب التي صدرت عن حياتها والتي ادعت الكشف عن أسرارها منذ ولادتها عام 1926 في لوس أنجليس تحت اسم نورما جين بيكر، وحتى وفاتها عام 1962 في برنتوود. وكان لكل مغامرة عاطفية لمارلين مونرو عدد لا يحصى من الكتب يحاول تحليل شخصيتها القلقة وأسباب تعلق المشاهير بجمالها الباهر. كما أن التحقيقات الصحافية والتحريات التي أجراها العديد من الصحافيين ورجال التحري لحساب صحف عدة ونشرت تباعاً ساهمت في إبقاء "شعلة" الاسم في مخيلات المستهلكين الممكنين ما يسمح للاسم بلعب دور تسويقي كلما احتاجت الشركات حاملة الاسم التجاري الى طرح سلع في الأسواق. والملاحظ أن حملات التسويق تتم دائماً على "مفاصل" زمنية أو نوعية معينة، مثل ذكرى مرور كذا سنة على وفاة النجم أو ذكرى مرور فترة معينة على وفاته ما تشكل قاطعاً رقمياً يجذب إعلامياً 25 أو 50 أو 75 أو 100 سنة. أما "المفصل النوعي" ويقال له في بعض الأحيان المقطع النوعي فهو بمناسبة نقلة نوعية في الصناعة تسمح باطلاق اسم النجم أو أعماله بواسطة وسيلة تواصلية جديدة. وهكذا فإن ظهور كاسيت الفيديو كان مقطعاً نوعياً ومناسبة لإعادة إطلاق حملة تسويقية لأفلام العديد من مشاهير الممثلين. كما كان الأمر بعد انطلاق موضة الكاسيت السمعية والانتقال من ديسك "الفونوغراف" إلى شريط التسجيل ومن ثم إلى "قرص الكومباكت". أما اليوم فإن إطلاق حملة تسويقية تحمل اسم مارلين مونرو سببه "مفرق نوعي" أكثر مما هو "مفرق زمني". فمناسبة ذكرى مرور 40 سنة على موت الفنانة هو حجة أكثر من أن يكون مناسبة، فالرقم 40 ليس من الأرقام "الجاذبة" تواصلياً، على عكس 25 و50. لكن وصول تقنية جديدة: أقراص دي. في. دي. DVD ونزولها الى الأسواق حتم هذا "الإخراج" التسويقي. فالشركات التي تريد إطلاق أفلام مونرو وبيع "وسيلة النقل" الجديدة لأفلامها، والتي يتوقع لها أن تبيع الملايين من الأقراص، لا تستطيع انتظار عشر سنوات لملاقاة مقطع زمني "جيد تواصليا". يكفي اللجوء إلى زيادة الزخم إعلامياً والتشديد على بعض النقاط في حياتها وربط بعضها بالواقع اليومي الذي يعيشه المستهلك لإنجاح المهمة التسويقية مثل زيارتها للجنود الأميركيين في فيتنام في زمن الحرب في الوقت الذي تحارب أميركا "الإرهاب" اليوم على جبهات عدة، وينتشر جنودها في العديد من البلدان. وكان لا بد للشركات من الإسراع والانتهاء هذه السنة من عملية تسويق مارلين لأن السنة المقبلة تصادف الذكرى 25 لوفاة "نجم" آخر بدأت التحضيرات لإطلاق عملية تسويق إعادة برمجة أعماله على أقراص "دي. في. دي." وهو إلفيس بريسلي المعروف بال"كينغ"