على بعد أربعين كيلومتراً جنوبطوكيو وفي عنبر شبيه بمرآب الطائرات الحربية بنى اليابانيون جهاز كومبيوتر هو الأقوى في العالم حتى الآن، حيث يحتوي على 5120 جهازاً معالجاً دقيقاً مما يجعله قادراً على القيام بأكثر من 40 ألف مليار عملية حسابية في الثانية. ودفعت حساسية هذا الجهاز الكبير المهندسين الى تثبيت العنبر الذي يؤويه على دعامات مضادة للزلازل والهزات الأرضية تمتد تحت الأرض على عمق 220 متراً وتمت إحاطته بثمانية أعمدة واقية من الصواعق ملحقة بجزء مستقل من الأرض التي يقوم عليها العنبر. وذلك تجنباً لاضطراب عمل هذا الجهاز في حال مرور الصواعق، أما إضاءة المبنى فتم تصميمها بعناية، اذ استعاض المهندسون عن المصابيح العادية التي ترفع الحرارة ب"نيونات" تعمل بنظام الإضاءة البارد، أي انها تحدث انقطاعات الكترونية مغناطيسية تتزود بالضوء من مصابيح مولدة موجودة خارج القاعات التي تحتوي على الاجهزة والمعدات ما يحول دون انتشار الحرارة ويبقي التشويش الكهربائي في مستويات متدنية جداً. لقد تطلب إنهاء هذه الورشة المعقدة جداً على الصعيد التكنولوجي خمس سنوات من العمل المتواصل توجت بتشغيل الباحثين اليابانيين لهذا الجهاز الشهر الماضي، مع ان تدشينه الرسمي لن يتم قبل نهاية الشهر المقبل على يد مصممه NEC الذي اعطاه اسم Earth Simulator. لقد شكل هذا الكومبيوتر فتحاً جديداً في عالم المعلوماتية وسجل سبقاً لا مثيل له على صعيدي النظرية والتطبيق العملي وذلك باعتراف العملاق الاميركي IBM الذي تبوأ مركز الريادة حتى الماضي القريب عبر جهازه المعروف باسم ASCI White، فمن الناحية النظرية تبلغ قوة الجهاز الجديد أربعة أضعاف ما يملكه جهاز IBM ويصل معدل الاستغلال الأقصى للقوة المعلنة 40 في المئة مقابل ما يراوح 10.5 في المئة لدى كومبيوتر IBM الذي بني على اساس استخدام المعالجات الدقيقة غير الموجهة التي ظهرت عام 1992 وطبقاً لهذه التقنية يضم المعالج الموجه ذاكرة مدمجة لذلك يضطر المعالج لدى قيامه بعملية حسابية الى الوصول الى الذاكرة الأولى والثانية التي تفصله عن الذاكرة المركزية للحصول على المعطيات المطلوبة وانجاز العملية المكلف بها قبل اعطاء النتيجة مما يتطلب وقتاً طويلاً، اما الكومبيوتر الجديد فإنه مزود بمعالجات تعمل بنظام التبريد المدمج مما يسمح لكل منها القيام بالعملية الحسابية نفسها بمعطيات مختلفة تصل الى 16 عملية وذلك بشكل متزامن ومتواز. واذا كان جهاز IBM قد حقق حتى الآن 1.3 مليار عملية بسيطة في الثانية فإن جهاز NEC قد أنجز 500 مليون عملية في الثانية فقط، غير ان الفارق الأساسي ان الثاني عالج عدداً معقداً من المعطيات في الوقت نفسه، وذلك بفضل رقة الدائرة المصنوعة من السيليكوم التي تثبت البراغيث الالكترونية فوقها ويسمح لكل معالج من الوصول المباشر الى الذاكرة المركزية التي تحتوي على كل المعلومات والمعطيات ويوفر عليه البحث في الذاكرات المتعددة قبل الوصول الى القاعدة المركزية. وتصل سرعة تدفق المعلومات في جهاز NEC الى 256 جيجااوكتس في الثانية بفضل استخدام الألياف البصرية. ويبلغ ثمن هذا الجهاز 350 مليون دولار أي ثلاثة اضعاف الكومبيوتر ASCI White. واذا كان هذا الجهاز الأخير شائع الاستخدام في الولاياتالمتحدة وأوروبا لإعادة انتاج التجارب في الحقل النووي بطريقة افتراضية وتعديلها فإن NEC الذي يعتبره الباحثون في طوكيو وسام فخر لهم، مخصص بمعدل 85 في المئة من قوته لأبحاث الخريطة الوراثية الانسانية والعوامل المناخية والأبحاث النووية، في حين ستكرس 15 في المئة من قوته للمشاريع البيولوجية، في حين يبقى الهدف الاساسي لهذه الحاسبة العملاقة دراسة ظاهرة تسخين الأرض واستشراف حدوث الكوارث الطبيعية في اليابان قبل حصولها