حين تصبح الثقافة إنساناً    ميقاتي يتابع قضية اختطاف مواطن لبناني    دوري روشن: الفتح يلحق بتعادل إيجابي امام ضيفه الفيحاء    "فيفا" ينهي تقييمه لملف ترشح المملكة لإستضافة مونديال 2034    جدة: القبض على 5 لترويجهم 77,080 قرص «أمفيتامين» و9,100 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    بورنموث يواصل التألق ويلحق الهزيمة الأولى بالسيتي في الدوري الإنجليزي    فرع الصحة بجازان ينظم مبادرة "مجتمع صحي واعي" في صبيا    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    وزير الإعلام يرعى ملتقى المسؤولية المجتمعية الثاني في 20 نوفمبر    المملكة تُعلن عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية في البحر الأحمر    الجوف تكتسي بالبياض إثر بردية كثيفة    فان نيستلروي: يجب أن نكون وحدة واحدة لنحقق الفوز على تشيلسي    257,789 طالبا وطالبة في اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بتعليم جازان    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    ضبط (21370) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    السعودية تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    ما الأفضل للتحكم بالسكري    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    الأنساق التاريخية والثقافية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاسلام في تتارستان من الايمان السري الى الصحوة العلنية
نشر في الحياة يوم 25 - 03 - 2002

يقول غوسمان إيسخاكوف، مفتي تتارستان: "ينتشر الايمان في دمنا وعظامنا، يمكنك ان تخلع عن الواحد منا ثيابه وان تلقيه في غياهب السجون، لكنك لا تستطيع ان تنتزع منه إيمانا يُمارس منذ ألف عام". ويضيف "الناس هنا ليسوا ملحدين، على رغم ان ثلاثة أجيال نشأت تحت الحكم السوفياتي، بل هم يجهلون دينهم، واليوم يعود كثيرون منهم الى الاهتمام بالاسلام".
يمكن بالعين المجردة رؤية صحوة الاسلام هذه في تتارستان، الجمهورية المتمتعة بالحكم الذاتي في روسيا الاتحادية، حيث نصف السكان من التتار، وهم شعب مسلم منذ العام 922. ففي 1990، في عهد البيريسترويكا، لم يكن هناك سوى مسجد واحد في قازان: اما اليوم فهناك خمسون مسجدا، ويتم حتى تشييد مسجد كبير باسم "قول شريف" داخل باحة الكرملين في قازان، على بعد خطوتين من الكاتدرائية الارثوذكسية الجاري ترميمها. كما يمكن احصاء حوالي ألف مسجد في سائر الجمهورية التي لا يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة.
والظاهرة اللافتة ايضا هي عودة السكان الى الاسلام: فحيثما ادرت الوجه، في المساجد او في المدارس الدينية التقليدية، تجد المئات، بل الالاف من التتار يتعلمون من جديد تعاليم الاسلام. وتخرّج المدرسة المحمّدية، أحد مراكز التعليم الاسلامي الستة العاملة في قازان بموافقة من السلطات، المئات الطلاب الذين ينقسمون الى ثلاثة فصول: أول يضم مائتي شاب تقل أعمارهم عن الخمسة والعشرين عاما يدرسون نهارا، وثان مسائي يضم نحو 300 شخص، وثالث يشمل نحو 300 رجل وامرأة يتلقون التعليم في مساجد قراهم او مدنهم مدة ثلاث سنوات، يواصلون دراستهم بعدها في منازلهم، على ان يأتوا لمدة عشرة أيام، مرتين في السنة، لتقديم الامتحانات في المدرسة.
ويثير الاهتمام ذلك التنوع الاجتماعي للذين يعيدون اكتشاف الاسلام في المدرسة المحمدية. ففايز المولود في 1947 إختصاصي في التدفئة، ودامير المولود في 1952 عامل في أوليانوفسك، وسليم المولود في 1960 والمتحدر من كازاخستان موظف في وزارة الشؤون الدينية، أما عزت البالغ من العمر حوالي 70 عاما، فمدرس لمادة العلوم الطبيعية، ونادر المولود في 1953 مدير مسرح في أودمورتي، وحسن المولود في 1956 مهندس نفطي، وياسمين المولودة في 1961 رئيسة عمال في قطاع البناء، وأليفة ذات الاثني والستين عاما متخصصة في علم المكتبات، وغلناز المولودة في 1981 مصممة أزياء، وزاليا المولودة في 1954 تعمل في قطاع الطاقة: وجميع هؤلاء في السنة الثانية او الثالثة من الدراسة، ولديهم نشاط ديني مواز لحياتهم العملية. ففايز يدرّس الاسلام لسبعين طفلا في مدرسة مسجد الحي الذي يقيم فيه، ودامير مساعد لامام المسجد وينوب عنه في غيابه، وياسمينة تدرس القرآن لثمانية عشر ولدا في منزلها ولعدد من البالغين في المسجد. اما غلناز فقد فتحت مشغلا للزي الاسلامي في قريتها، وهي تصمم مع شابات القرية ملابس مستوحاة من مجلة للازياء الاسلامية تصدر في تركيا. وتقام في العديد من المساجد فصول تدريس غير تقليدية، مثلما هو الحال في مسجد نور الله في قازان، حيث تعطي رشيدة خانم، والدة المفتي، دورساً صباحية لنساء تحول سنّهن المتقدمة دون ذهابهن الى المدرسة او الجامعة - معظمهن تخطى الستين- فيذهبن يوما في الاسبوع الى المسجد ليدرسن مع رشيدة خانم القرآن، مترجما الى التترية، ويتعلمن اداء الصلاة. وتظهر رشيدة خانم 77 عاما طاقة غير عادية، وهي تختزن في ذاكرتها تاريخ المقاومة الاسلامية للالحاد المنتصر في عهد ستالين: ولدت في العام 1924، بعيد وفاة لينين، في عائلة من اثني عشر طفلا لفلاح متدين، فتعلمت الصلاة وهي في الرابعة، وبدأت صيام رمضان في الثامنة. وكان القمع يومها في أشده: فحكم على والدها بالسجن عشر سنوات لانه من الكولاك اغنياء الفلاحين وأحرقت الكتب العربية التي كانت بحوزتهم، ودّمرت المآذن وحّولت المساجد نوادي... لكن رشيدة كانت قد تعلمت العربية ولن تنساها مطلقا. وفي سن التاسعة عشرة تزوجت موظفا في مصرف حكم عليه بدوره بالسجن مدة 16 عاما ثم أطلق في اطار عفو صدر في اعقاب وفاة ستالين في 1953، لكنه مات بعد شهرين. وتزوجت رشيدة ثانية، واستفادت من الليبرالية النسبية التي تلت وصول خروتشوف الى السلطة فبدأت في تعليم العربية ومبادىء الاسلام، سرّا، في منزلها ومنازل الخاصة.
تقول عن تلك الفترة: "كنت استخدم كتبا قديمة خبأناها في السقيفة، لم أكن محترفة، لكني كنت أنقل ما علمتني إياه والدتي، فأعلم الاحرف العربية على لوح وأبيّن كيف يجب ان نصلي".
وتروي رقية، احدى "تلميذاتها" في مسجد نور الله، ان أهلها "كانوا مؤمنين يؤدون الصلاة، لكنهم لم يعلموني ديني بسبب خوفهم... كنت جاهلة لا أعرف شيئا عن الاسلام. وقبل 26 عاما كنت اشتغل في مصنع وكان هناك انباء تسري بان امرأة تعلم الدين. التقيت رشيدة خانم صدفة في الشارع، وخلال حديثنا قالت لي انها هي المقصودة. كنت اذهب مرة في الاسبوع لتلقي دروسها وكنا نتعلم القرآن والصلاة وقراءة العربية: كان الامر صعبا، لكن مدرّستنا كانت صبورة جدا".
معظم التتار الذين يستعيدون اليوم طريق الاسلام يروون القصة ذاتها تقريبا: اجدادهم، وخصوصا جداتهم، لم يتوقفوا يوما عن الايمان والصلاة. وهم لا يفعلون سوى اعادة الوصل مع دين لم يتخلوا عن ايمانهم به. تقول مدرسة في احدى المدارس التترية في قازان "لقد آمنت دوما بالله، بالتأكيد كنت إبنة للنظام، صُنعت في قالب المدرسة وذهبت الى نوادي الشبيبة الشيوعية، لكني لم اصبح عضوا في الحزب الشيوعي. وفي القرية لم يكن هناك سوى النساء، فوالدي وكثيرين آخرين أرسلوا الى سيبيريا فور عودتهم من الحرب، ووالدتي وخالاتي وجدتي كن يؤدين صلواتهن، ولذا بقيت جذوة الايمان مشتعلة في صدري، وكنت أؤمن بالله سرا". لكنها لم تبدأ بالصلاة سوى في العام 1994 بعدما قرأت كتابا يشرح كيفية الوضوء والسجود.
كثيرون يقولون ان الاسلام بقي حيا في الريف، لكن رفيق محمدشين مدير مركز الابحاث الاسلامية في قازان يقول انه "لم يكن هناك في 1989 في كل تتارستان سوى 18 قرية محلّة باللغة المحلية مسلمة تمارس شكلا بدائيا جدا من الاسلام، من دون ائمة. وكان يحتفل بالزيجات بان يمثل شخص دور الامام ويتلو صلاة، وبعد ذهابه مباشرة، يخرجون زجاجات الفودكا. اما بالنسبة الى المآتم فكان أحد العجائز يتلو سورة الفاتحة عند القبور".
لكن هذه العودة الى الاسلام شكل دوما جزءا من تراث التتار تترافق مع امّحاء بعض وجوه سياسة النظام السوفياتي المناهضة للدين بشكل منهجي، وهي سياسة ذهبت حتى الى فتح "متاحف للإلحاد" في العديد من المدن. ومعظم التتار المؤمنين اليوم يعترفون بان المساجد دمرت والمآذن أزيلت وقاعات الصلاة حولت مرائب او نوادي، لكنهم لا يذكرون ما كانت عواقب الايمان المعلن: فهم اذا اعترفوا بان اعلان أي شخص لايمانه كان يعني خسارته وظيفته انما يقرّون بانهم لم يقدموا على ذلك ابدا، وان ايمانهم جديد وانهم كانوا ملحدين بالفعل، مثلما صنعهم النظام.
قلة منهم يعترفون صراحة بانهم كانوا اعضاء في الحزب الشيوعي. والنائبة في برلمان تتارستان روزا توفيتولوفا ورئيسة جمعية "الرؤوس البيضاء" المدافعة عن تقاليد وثقافة النساء التتريات، هي بين القلة الذين يعترفون بان الاعلان عن الايمان لم يكن ليمر بلا عقاب. وتقول "نعم، لقد كنت شيوعية، لكني كنت أؤمن بالله، لان جدتي لأبي كانت شديدة الايمان. في قلبي لم يكن هناك صراع بين الاسلام والشيوعية. هذه ليست غلطتنا، بل حظنا التعس، لقد أُنشئنا هكذا وكنت اؤمن بصدق بالشيوعية". كانت روزا قد بدأت حديثها بنفي وجود عواقب لمن يمارسون دينهم، ثم قالت خلال الحوار انها عندما كانت رئيسة تحرير احدى مجلات الشباب في 1978 ذهبت الى المانيا في عداد وفد. وخلال الرحلة دخلت مسجدا في بريمي وصلّت بحضور رئيس الوفد المنذهل الذي قال لها انه سيرفع تقريرا عنها لدى عودته الى قازان "لكنه كان رجلا شهما ولم يقل شيئا. كان هذا من حسن حظي لان تقريره كان يمكن ان يفقدني عملي ويقضي على مستقبلي".
وفي احدى القرى، على بعد عشرات الكيلومترات عن قازان، كان راويل سكرتيرا للحزب الشيوعي في تعاونيته الزراعية بين العامين 1987 و 1989، اما اليوم فهو يتابع دروسا في المدرسة المحمدية وينوب عن امام قريته عندما يغيب. لم يرد راويل بوضوح على سؤال حول العقوبات التي كانت تفرض على الممارسة الدينية في الحقبة السوفياتية، وقال: "بعد الثورة، تحول مسجدا القرية الى مرآب وناد، ثم دمرا في 1932، وبسبب ذلك كنا نخاف الصلاة. كان ممنوعا ان نصلي. لم يكن باستطاعتنا ان نقاوم الدولة". وعندما سألناه اذا كان يؤمن بالشيوعية عندما انضم الى الحزب اجاب "نعم، الجميع كان يؤمن بها"، ثم اضاف "عندما كان هناك اشتراكية كنا نعتقد انها الافضل، وعندما حلت البيريسترويكا اعتقدنا انها الافضل.. الدولة كانت تقرر". ولعل هذا يدفع الى النتساؤل عما اذا كان انضمامه اليوم الى الاسلام تم بدافع الايمان فعلا ام ان هذا الحزبي لا يفعل سوى اتباع الايديولوجيا السائدة.
وإشهار الاسلام اليوم في قازان وفي الريف يعني عمليا الانضمام الى تيار يجمع بين صحوة نوع من القومية التتارية وبين صحوة الاسلام، ويشمل أناسا مثقفين وبسطاء على السواء، يبحثون عن انتماء روحي. لكن يجب ان لا نعتقد بان هذا التيار أغلبي. فهو يصطدم بالتفتت العميق القائم في مجتمع تتارستان وبصعوبة تحديد هوية تتارية: وتفيد الاحصاءات الرسمية ان الملايين الاربعة الذين يقطنون تتارستان مقسومين بالتساوي بين روس وتتار، وان المليوني تتري "مخلوطون" جدا ايضا. ومع ان الزيجات المختلطة بين الروس والتتار كانت نادرة في الريف فقد كانت شائعة في المدن منذ الستينات، وهي لا تزال كثيرة اليوم. وفي الحقبة السوفياتية لم تكن مشكلة الجنسية والدين مطروحة على "الانسان السوفياتي". اما اليوم فان اولاد العائلات المختلطة "تقف في الوسط" مثلما قالت لنا معلمة في مدرسة تترية "انهم ليسوا روسا ولا تتارا، بل ليس لديهم جنسية". وحتى لو ذهبوا الى المسجد فهم لا يزالون يشربون الفودكا.. فالسلوك الاجتماعي الذي طبعته عشرات السنين من الدعاية المناهضة للدين يبقي الكثيرين بعيدا عن المساجد. ويروي فايز، الخمسيني الملتحق بأحد فصول المدرسة المحمدية، ان الصعوبة في استعادة طريق الاسلام ليست في تعلم الاحرف العربية او حفظ سور القرآن "بل الاصعب بالنسية اليّ هي في الذهاب الى المسجد للمرة الاولى. كنت أقول لنفسي: ماذا سيقول الناس؟ فانا أعيش في منطقة كانت روسية بالكامل، ولم يكن هناك مسجد قبل ان نبني واحدا قبل ست سنوات. وماذا قال الناس؟ اذن اصبحت إماما وتريد ان تنفصل عنا ! وكان التتار هم الذين يبدون هذه الملاحظات".
ويقول راويل، وهو طبيب بيطري، بحزن، انه عندما ذهب مع ابنه عزت الى المسجد في قريته في 1995 "سخر اصدقاء عزت منه وقالوا له: اذا ذهبت الى المسجد لن تعود واحدا منا. فتخلى عزت عني لانه يفضل الذهاب الى المرقص". ويوضح ان عدد المصلين ظهر كل يوم في مسجد القرية لا يتجاوز أربعة اشخاص بينما يصل عددهم الى 45 مصليا يوم الجمعة، قلة بينهم من الشباب. اما في مسجد مرجاني في قازان، وهو اكبر المساجد بانتظار انجاز بناء مسجد "قول شريف" في الكرملين، فيشارك بضع مئات من المؤمنين في صلاة يوم الجمعة التي يؤمها المفتي، وبينهم عدد لا بأس به من الشبان.
وحسب تحقيق أجري في السنة الماضية وشمل 1500 شاب تتري تقل اعمارهم عن 30 عاما، في مدن وقرى تتارستان، فان ثمانين في المئة من الشبان يعلنون انهم يعتبرون انفسهم "مسلمين"، لكن خمسة في المئة فقط اكدوا انهم "يعرفون دينهم ويحترمون تعاليمه". وحين سئل الخمسة والتسعون في المئة الباقون كيف يعتبرون انفسهم مسلمين وهم لا يطبقون اركان الاسلام؟ اجابوا "لان الاسلام هو دين اجدادنا". ويوضح رفيق محمدشين "انهم يعرفون تعاليم الاسلام لكنهم لا يطبقونها، ويقولون: سنقوم بذلك حين نشيخ". ورغم ضعف الصحوة الاسلامية في تتارستان وشمولها غالبية من المسنين نسبيا، فقد اعتبرت قوية بما يكفي لاثارة اهتمام السلطات الروسية التي ضاعفت من مبادراتها لاحتواء الظاهرة والسيطرة عليها. وقد شكل الرئيس شامييف "مجلس الشؤون الدينية" برئاسة المؤرخ رينات نبييف وربطه مباشرة بمجلس وزراء تتارستان، كما شكل "مجلس الشؤون الدينية الاسلامية" برئاسة المفتري غوسمان ايشخاكوف الذي انتخبه كونغرس المسلمين التتار. ويؤكد قادة تتارستان دوما رغبتهم في عودة الدينين الكبيرين في البلاد، المسيحية الارثوذكسية والاسلام، ومعاملتهما على قدر المساواة. وقالت احدى مساعدات رينات نبييف "نحن دولة علمانية، لكننا لا نستطيع ان نبقى لامبالين ازاء ديانة مواطنينا، ولهذا نموّل داخل اسوار الكرملين في قازان ترميم الكاتدرائية و بناء المسجد الكبير بواسطة مبالغ تقدمها جمهورية تتارستان وجهات خاصة".
وقد اشار نبييف مرارا الى رغبة الرئيس شامييف في "سياسة متوازنة" بين الديانتين، والى كون "جميع الاديان متساوية امام القانون". وأكد ان "اسلام التتار اسلام متسامح" موضحا انه "ليس هناك حاليا اي نزاع" بين اتباع الرسالتين "على رغم ان العلاقات بينهما لم تكن دوما سهلة".
لكن النقص في الكوادر الدينية المحلية دفع مسلمي تتارستان الى استقدام مدرسين وأئمة من العرب والاتراك، فاحضر هؤلاء معهم مدارسهم الدينية وحتى تياراتهم المتطرفة التي تدعو الى "الجهاد". وكان اعتماد بعض المدارس مثل مدرسة "يولدوز" وبعض المساجد مثل "المسجد البلغاري" منهجا تعليميا "أصوليا"، واعتقال مقاتلين في الشيشان تخرجوا من مدارس قازان، اثار قلق السلطات في تتارستان فبادرت الى ابعاد عدد من رجال الدين العرب وقررت ان تراقب عن كثب تأهيل الكوادر المسلمين.
وقالت مساعدة رينات نبييف "نعاني من نقص في الكادر المؤهل.. وحل مشكلة التعليم الديني يقرر مصير الاسلام ليس فقط في تتارستان بل في روسيا عموما". وقال المفتي ايشخاكوف ان "قضية الكوادر هي الاكثر ايلاما بالنسبة لنا. لا نستطيع ان نعيد في سبع سنوات ما ظل منسيا سبعين سنة.. معظم ائمتنا مسنون ونحن نعمل لاستبدالهم. يجب ان يكون هناك تعليم جيد اذا كنا نريد تجنب التعصب".
وفي موازاة المدارس الدينية ومراكز التعليم الديني التقليدية التي يتوجب عليها طلب ترخيص من المفتي لممارسة نشاطها، انشأت سلطات قازان في 1998 "الجامعة الاسلامية في روسيا" التي ساهم البنك الاسلامي بمبلغ 340 الف دولار لبنائها في مقابل 250 الف دولار قدمتها الحكومة. واكد سليمان زاريبوف نائب عميد الجامعة ان الهدف منها هو منع الشبان التتار ومسلمي روسيا من الذهاب الى الخارج للدراسة عبر توفير دراسة محلية عالية المستوى لهم، وكذلك دراسة عصرية، باعطائهم اضافة الى الدروس الدينية حصصا في العلوم الانسانية تاريخ وعلم اجتماع وتربية وعلم نفس ولغات لا تتوفر في المدارس الدينية التقليدية. ومن المتوقع ان تخرّج هذه الجامعة التي تضم 140 تلميذا يدرسون لمدة اربع سنوات، الدفعة الاولى من حملة شهادة الدبلوم. ولا يخفي زاريبوف ان الجامعة التي يفترض ان تؤهل الكوادر المسلمين الجدد في روسيا تعاني هي نفسها من نقص خطير في الكوادر، ويقول "للأسف، فان حرب الشيشان قضت على الكثير من آمالنا: فالدولة بدأت باتهام العرب ظلما، فليس كل العرب معنيون بهذه الحرب، لكن الناس يقولون ان العرب يمولون الحرب في الشيشان وان مرتزقة عرب يحاربون هناك. هذا صحيح، هناك عرب، لكن 15 في المئة من المقاتلين الشيشان الذين يحاربون القوات الروسية هم من الروس. هناك ايضا مرتزقة من استونيا واوكرانيا. لكن من المذنب؟ المسلمون! والحملة كلها موجهة ضد العرب".
والنتيجة كانت اضطرار ثلاثة مدرسين عرب للرحيل، بينما لم يستطع ثمانية أساتذة من الازهر والاردن كان يفترض ان يدرّسوا في الجامعة الاسلامية في قازان الحصول على تأشيرات دخول. ومن بين عشرين استاذا يعملون اليوم في الجامعة الاسلامية هناك ثمانية متفرغين بينما الباقون مرتبطون بمؤسسات أخرى... وفي الجامعة ايضا تعليم تحضيري لمدة سنتين مخصص للطلاب الذين لا يعرفون العربية، والذين يستطيعون بعد حصولهم على ديبلوم أولي العمل كأئمة في مساجد القرى او المساجد الصغيرة في المدن. لكن هل يكفي هذا النظام لمنع ظهور التيار المتشدد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.