عرف المخرج السينمائي جون وو الشهرة والمجد والثروة النسبية في بلده هونغ كونغ منذ الثمانينات عندما نفذ عشرات أفلام المغامرات الشعبية المستوحاة من تراث النجم الراحل بروس لي. وإذا كانت أفلام وو تبدو للوهلة الأولى تمجد العنف والحركة السريعة على حساب الحبكة الحقيقية، إلا أن من يشهد هذه الأفلام اليوم يتأكد بأن الدوافع النفسية للأبطال كانت موجودة وأنها تتعدى مثيلتها لدى أبطال هذا اللون السينمائي، أي الانتقام لصديق أو حبيبة مغتالة. ولا تشذ شخصيات سيناريوهات جون وو عن هذه القواعد البسيطة، بل تضيف إليها تأنيب الضمير ومكانة الحب في حياة الإنسان. ولم تفت هذه العناصر أصحاب القرار في هوليوود، إذ دفعتهم إلى الاتصال بجون وو ومنحه مهمة تحويل أحد سيناريوهات المغامرات القوية تحت عنوان "فيس اوف" الوجه من الناحية الأخرى إلى شريط مصور من بطولة اثنين من ألمع نجوم السينما هما جون ترافولتا ونيكولاس كيج. لكن وو فكر طويلاً قبل أن يعطي رده بالموافقة خوفاً من أن يضطر إذا عمل في هوليوود إلى فقدان هويته والتحول إلى مجرد "سلعة" أميركية تتاجر بها شركات الانتاج. المهم أن وو وافق وسافر إلى الولاياتالمتحدة حيث انكب أولاً على تعلم الانكليزية بواسطة الدروس السريعة الفعالة، وبعد ستة شهور على وصوله إلى عاصمة الفن السابع كان يقف وسط أحد أكبر استوديوهاتها ويلقن تعليماته للعملاقين ترافولتا وكيج، إضافة إلى فريق فني مخضرم. وتكللت التجربة بالنجاح العالمي العريض، وأصبح وو من الأسماء التي يحسب لها ألف حساب في عالم أفلام المغامرات الأميركية، إلا أن الشيء الذي لا يعرفه كثيرون هو أن الرجل كان قد خاض تجربة سينمائية أميركية صغيرة وشبه فاشلة في الماضي تحت عنوان "بروكن ارو" السهم المكسور عاد إثرها إلى هونغ كونغ وفضل نسيانها والانغماس من جديد في أعماله الآسيوية الناجحة. ومن بعد "فيس أوف" تلقى وو من توم كروز عرض اخراج فيلم "ميشن امبوسيبل 2" مهمة مستحيلة 2 من بطولة النجم نفسه، وهنا أيضاً كان النجاح ينتظره، ما رفع أجر وو حالياً إلى سبعة ملايين دولار لقاء كل فيلم جديد يخرجه، مثل "ويند توكرز" محادثو الريح الأخير من بطولة نيكولاس كيج والنازل إلى الصالات العالمية مع مطلع الخريف 2002. ولمناسبة العرض الافتتاحي الباريسي للفيلم التقت "الوسط" جون وو وحاورته. أنت تنت قل في فيلمك الجديد من لون المغامرات البحت إلى لون الحرب الذي يستند إلى وقائع ملموسة، فكيف عشت هذه التجربة؟ - لا شك في أن الحرب مغامرة كبيرة وخطيرة في حد ذاتها، صحيح أن فيلمي "ويند توكرز" يروي حكاية حصلت بالفعل في خطوطها العريضة، وإن كانت التفاصيل الدقيقة في ما بعد منسوجة من الخيال البحت. لقد وضعت ثقتي أولاً في السيناريو المكتوب وبعدما قرأته قضيت ساعات طويلة على مدى أسبوعين في مكتبة اطلع على كتب التاريخ الخاصة بفترة الحرب العالمية الثانية. إضافة إلى ذلك، قدمت لنا إدارة الجيش الأميركي بعض المستندات المصنفة لنستعين بها في تصورنا للمواقف الحساسة التي تتخلل الفيلم. وفي النهاية أنا لا افرق بين لون وآخر، والمهم بالنسبة إلي هو أن أروي حكاية، فأنا مولع بسرد الحوادث واعتبر نفسي قصاصاً لا أكثر ولا أقل. هل يعني ذلك انك تفكر في اخراج عمل فكاهي أو رومانسي مثلاً في المستقبل؟ - ولم لا؟ صحيح انني اعتدت تصوير المغامرات ومشاهد العنف، لأنني في الأساس، كمخرج، أميل إلى متابعة هذه الأفلام فضلاً عن غيرها، لكنني أعشق وودي آلن وجيري لويس وتشارلي شابلن وإذا وقعت على سيناريو لفت انتباهي بالدرجة الكافية، فلا بد من أن أغامر وأرمي بنفسي في البحر يضحك. هل تتخيل نفسك تدير لقطة عاطفية مثلاً بين اثنين من النجوم؟ - يبتسم ويفكر، هذا فعلاً سؤال حساس، واعترف لك بأنني ارتاح أكثر لإدارة لقطات العنف بين الممثلين بدلاً من أن أشرف على مشاهد غرامية بحتة، وذلك ربما بفضل تربيتي الشرقية التي علمتني أن الضرب في الشوارع والحب في البيوت يضحك. شاهدناك قبل بدء حديثنا تستقبل الفنان ألان ديلون بحرارة وتعبر له عن اعجابك الشديد به وبعمله السينمائي، فهل ثمة مشروع بينكما؟ - إنها حكاية طريفة، فأنا من أشد المعجبين بألان ديلون منذ مراهقتي ولا أعتقد بأن هناك بين أفلامه ما فاتني بالمرة. وديلون عندي عبارة عن كوكب مستحيل المنال أو حتى الرؤية خارج إطار شاشة السينما، وها أنا أجده يقف أمامي هنا في هذا الفندق الباريسي، لأن أحد المقربين إليّ يعرف حكايتي وبالتالي تصرف ليخطره بوجودي. إنها مفاجأة لم أتخيلها ولا حتى في أجمل أحلامي. لقد صافحته وقلت له إنه فتح أمامي الطريق، فلولاه ولولا أفلامه لما سلكت طريق الفن في الحياة. أنا احتفظ بقميص مطابق لذلك الذي ارتداه في فيلمه "لو ساموراي" الساموراي، وأرغم أبطال أفلامي على ارتدائه ولو في لقطة واحدة من كل فيلم أخرجه. لقد أهداني هذا الفيلم بالفيديو وعليه توقيعه فوق العلبة. وفي ما يتعلق بمشروع مشترك، هناك فكرة لم تتبلور بعد، لكنني لن أتكلم عنها هنا لأنها لا تزال في مرحلة النضوج. لكنني ربما اعيد اخراج أحد أجمل أفلام ديلون "لو سيركل روج" الدائرة الحمراء في نسخة هوليوودية مع نجم أميركي في الدور نفسه. أنت تدير ترافولتا وكروز وكيج وتتأثر إلى هذه الدرجة بألان، أليست هناك غرابة في الأمر؟ - الموضوع مختلف كلياً لأن ديلون، مثلما قلت لك، يرمز بالنسبة إلي منذ سن المراهقة إلى شيء فوق العادة، فهو بطلي القريب إلى قلبي والذي مهد الطريق أمامي بفضل أعماله فوق الشاشة. تكوين جسماني غير مناسب من الغريب انك على رغم تخصصك في لون المغامرات لم تنفذ أي فيلم من بطولة ارنولد شوارزنيغر أو سيلفستر ستالون مثلاً، لماذا؟ - لأن هوايتي هي سرد الحكايات التي تمس الأشخاص العاديين عن قرب، وأمنيتي الدائمة هي أن يشعر المتفرج بالتقارب بينه وبين بطل الفيلم. لذلك لا بد من أن يكون هذا البطل مثل أي رجل في الحياة وليس مثل العملاق. أنا في "ويند توكرز" أحكي كيف تقوم مجموعة من الأبطال بقهر العدو في زمن الحرب عن طريق الذكاء والمهارة، خصوصاً الشجاعة المثالية في مواجهة أخطر المواقف، وهؤلاء الرجال نجد بينهم القصير والطويل والنحيف والبدين، لأن البطولة لا تتأثر بالشكل الخارجي، فهي في القلب والعقل أساساً. ان التكوين الجسماني لكل من شوارزنيغر وستالون لا يناسب نظرتي إلى أمور الحياة. ألا تفكر أبداً في اخراج فيلم جديد في هونغ كونغ؟ - كل شيء ممكن في الحياة، والذي أفعله هناك حالياً هو الانتاج بواسطة الشركة التي افتتحتها مع أحد الأصدقاء، لكنني لا أغذي أي مشروع من ناحية معاودة الاخراج في بلدي الأصلي. هل يكون ذلك لأنك اعتدت الإمكانات الهائلة الآن؟ - يبتسم، ربما يدخل هذا الأمر في الحسبان، فالمرء الذي اعتاد مشاهدة نزواته تتحقق في غمضة عين لا يعود بسهولة إلى المعاناة من أجل الحصول على مصباح كاشف يضيء به لقطة سينمائية. كيف تصف جو العمل مع الأميركيين إذن؟ - لم أعمل معهم مثل المبتدئ أبداً وذلك منذ فيلمي الأول تحت اشرافهم، وأقصد انهم لجأوا إلى خدماتي على أساس شهرتي السابقة في القارة الآسيوية، ولأنني أعرف ميدان حركات المصارعة الآسيوية أحسن منهم. إنهم استفادوا مني ومن مهارتي ومن خبرتي أكثر مما استفدت أنا منهم، وبالتالي تلقيت من جانبهم معاملة ملكية لا جدال فيها. وهل نقلت إلى هونغ كونغ عبر شركتك المتخصصة في الانتاج بعض الأساليب السينمائية المتطورة التي تمارسها شخصياً الآن في هوليوود؟ - صحيح انني أعطيت هوليوود خبرتي في طريقة تصوير الحركات الخاصة بالمصارعة الآسيوية، وهم وضعوا تحت تصرفي في ما بعد إمكاناتهم المختلفة تماماً عن تلك المتوافرة في سينما هونغ كونغ. وبالنسبة إلى السينما الآسيوية فهي فعلاً تطورت كثيراً في خلال الفترة الأخيرة، لكن ذلك لا يكفي بعد، ولا بد من متابعة المسار وتطوير العقليات وتشجيع المواهب الشابة على الكتابة والتوغل أكثر فأكثر في نفوس الشخصيات، انني أسعى إلى تطوير الأمور عبر شركت ي، لكن ليس فقط من حيث الإمكانات العادية التي أظل اعتبرها مكملة للموهبة وإن كانت أساسية