منذ ما ينوف عن 160 سنة وبلدان اميركا الوسطى تتحدث عن توحيد نفسها ولمّ شملها. لكن السؤال الذي يطرح اليوم هو عن خطة تنموية جديدة تعتمدها المكسيك يرى بعضهم انها التمهيد لوحدة لم تتحقق قبلاً. وتبدأ قصة اميركا الوسطى مع الزمن الحديث في العام 1839، حينها كلف جون لويد ستيفنس، وهو محام ومغامر اميركي شمالي، ب"العثور" على حكومة اميركا الوسطى، ومن ثم اقامة علاقات ديبلوماسية بينها وبين واشنطن. وكان لتطوافه الذي دام عشرة اشهر في المجاهل والغابات ان اكسبه شهرة في بلاده ككاتب رحالة وكعالم آثار في آن. إلا انه، كديبلوماسي لم يوفّق لأنه ببساطة لم "يعثر" على حكومة اميركا الوسطى. والحال ان ما من حكومة لأميركا الوسطى قامت اصلاً. ففيديرالية دول اميركا الوسطى التي لم تعمّر الا قليلاً، كانت شرعت تتفسخ الى جمهوريات مستقلة خمس: غواتيمالا، هندوراس، السلفادور، نيكاراغواوكوستاريكا. وما لبثت ان ظهرت دولة باناما بوصفها انفصالاً وانشقاقاً عن كولومبيا في الجنوب. وكانت هذه الدول صغيرة ومعظمها فقير فضلاً عن قابليتها للعطب حيال اي تغير اقتصادي او كارثة طبيعية. وعلى رغم التجزؤ استمر في تلك البلدان شعور مفاده ان الوحدة مفيدة لهم كثيراً، غير ان الشعور هذا ظل شعوراً يستحيل وضعه موضع التطبيق. واستمرت الحال هكذا حتى 1960، عندما استرجعت دول الفيديرالية السابقة حداً أدنى من تقاربها تجسّد في "السوق المشتركة لأميركا الوسطى". إلا ان التقدم على هذا الطريق ما لبث ان أُحبط بدوره. وكان السهم الأول الذي اتجه الى صدر المشروع الجديد تلك الحرب القصيرة بين السلفادور وهندوراس. اما السهام الأخرى فتمثلت في حروب العصابات الكثيرة التي راحت تتتالى في تلك البلدان على ايقاع النظريات والمحاولات الكاستروية والغيفارية. وفي التسعينات كانت النزاعات المسلحة وبؤر التوتر العسكري خمدت جميعاً، كما تم احياء السوق المشتركة وتفعيلها بحيث ارتفعت صادرات دول اميركا الوسطى واستعيدت درجة معقولة من النمو الاقتصادي. كذلك تكاثرات المنظمات الإقليمية الجامعة واقتُرحت برامج للدمج الاقتصادي من حول مشاريع كبرى. وكان آخر هذه الاقتراحات وأهمها "خطة بويبلا - باناما" لصاحبها الرئيس المكسيكي فنسنتي فوكس والتي تربط جنوب بلاده بباقي اميركا الوسطى. ومن قبيل متابعة هذا المسعى التقى وزراء مال اميركا الوسطى في واشنطن، لكي يبحثوا في طريقة توفير المال اللازم للخطة وإنفاذها. هذا التقدم الذي لا تزال تتربص به عقبات كثيرة لا يعني - حتى لو تحقق - ان الحلم الوحدوي كف عن ان يكون حلماً. فمجموع سكان الدول الست يقارب عدد سكان ولاية كاليفورنيا في الولاياتالمتحدة. إلا ان مجموع نواتجها المحلية أقل من الناتج المحلي لولاية شمالية صغرى كالميسيسيبي. وبسبب الفقر لا يتعدى عدد السكان الذين يمكن اعتبارهم مستهلكين العشرة ملايين فرد في اميركا الوسطى. ولئن كانت القهوة مادة التصدير الأساسية لتلك البلدان جميعاً غير ان تصديرها منها يقلّ عما تصدره فيتنام وحدها من تلك المادة. ثم هناك الاعتبارات السلبية الأخرى كالتخريب البيئوي الذي يفاقم قابلية العطب من جراء الكوارث الطبيعية: فالفيضانات التي تسبب بها اعصار "ميتش" في 1998 مثلاً، أفضت الى خراب غير مسبوق للكثير من المناطق غير المشجّرة. وإذا نظرنا الى عالم البيزنس في اميركا الوسطى وجدنا معظمه صغيراً وضعيفاً ومفتقراً الى الأرصدة. وبدورها فأنظمة الصحة والتعليم، مثلها مثل المؤسسات السياسية، هزيلة في البلدان المذكورة جميعاً ما عدا كوستاريكا. ولا يمكن في هذه اللوحة الداكنة، نسيان الفساد المصحوب، في بلدان عدة، بتنامي الجريمة المنظّمة. هكذا ينهض الفقر والتفاوت في اميركا الوسطى على جذور متينة. يكفي القول، مثلاً، ان واحداً من خمسة غواتيماليين يتوجه الى مدرسة ثانوية، فيما تبلغ نسبة المروحيات التي تطارد الجرائم الى الشخص الواحد في غواتيمالا اعلى نسبة في العالم. في الستينات قام هدف التكامل على خلق كتلة تجارية حمائية من دول اميركا الوسطى، اما الآن، وبموجب تطورات العصر، فلم يعد يُنظر الى التكامل كهدف بذاته بل كوسيلة لإحراز التنمية. فالمطلوب الآن اقرب ما يكون الى النموذج الوحدوي الأوروبي المفتوح على العالم واعتماد عملة تبادل واحدة ربما كانت الدولار الأميركي! على ان هذا التوجه الجديد، المرن، وغير القومي، لم ينطلق حتى الآن. فحتى الاتحاد الجمركي لم يقم بعد، كما لا تزال المعايير والنسب الضريبية شديدة التفاوت بين هذه البلدان تتراوح بين 4 و12 في المئة. والأسوأ هو العراقيل التي يضعها أحد البلدان على صادرات او واردات بلد آخر يمكن ان تعبر في ارضه والتي قُدّرت قيمتها بين 2 و3 في المئة من النواتج الوطنية لبلدان المنطقة. ووراء هذا التقدم المعوّق تكمن عوائق الاندماج. والعائق الأكبر هو التفاوت طبعاً، فمعدل الدخل الفردي في كوستاريكا هو اربعة اضعافه في نيكاراغوا. وهو ما يكاد يقارب الفارق بين المكسيكوالولاياتالمتحدة. والحال ان التاريخ لعب دوراً كبيراً في هذا. فكوستاريكا التي قام اقتصادها على مصانع القهوة البيتية التي انشأها المهاجرون الأوروبيون، عاشت طوال نصف قرن كنظام ديموقراطي ولا تزال. اما السلفادور وغواتيمالا ونيكاراغوا التي قام اقتصادها على المزارع الكبرى، فعانت جميعها الحروب الأهلية والأنظمة الديكتاتورية. ولئن بقيت هندوراس مستقرة إلا ان استقرارها تحقق في ظل حكم عسكري واستبدادي دام حتى 1982. وفي هذه الغضون تأسس واستمر الفقر المعزز برعونة الطبيعة وجدب التربة. اما باناما فاختطّت طريقاً أخرى تميزت بالاعتماد على قناتها والعائدات التي تجنيها منها، ومن ثم ما وفرته لها المصارف ومنطقة التجارة الحرة التي نشأت على هامش القناة ودورتها المالية. هكذا صحّ في اميركا الوسطى ما يصح في العالم العربي: إنها نادراً ما تتحرك وتتصرف كبلد واحد، أو كطرف واحد. فكوستاريكا وباناما الأغنى والأكثر خوفاً من الانشداد الى وضعية الجيران الفقراء، تبديان تحفظات كثيرة عن الاندماج، لا بل ان باناما لم تندمج في السوق المشتركة اصلاً. اما البلدان الأربعة الأخرى فتعمل معاً على تذليل بعض المشاكل المشتركة، كانتقال المواد الغذائية والسلع الطبية. وأسرع ما تم انجازه على هذا الصعيد هو ما خطته السلفادور وغواتيمالا اللتان تخططان لتفعيل الوحدة الجمركية بينهما. جديد المكسيك مع وصول فوكس الى رئاسة المكسيك اعطيت الأولوية لرأب الصدع بين شمال المكسيك المجاور للولايات المتحدةوجنوبها الملاصق لبيليز وغواتيمالا. ولهذا السبب بدأت سريعاً المحاولات لإنهاء ثورة اقليم شياباس الجنوبي عن طريق الحوار مع قائدها ماركوس. إلا أن هذا الهدف دمج بدوره في هدف أعرض هو اطلاق الحيوية الاقتصادية والاستثمارية لأميركا الوسطى التي يبدو الجنوبالمكسيكي حميم الارتباط بها والاعتماد عليها. بهذا المعنى جاءت خطة بويبلا - باناما طامحة الى ربط تسع ولايات جنوبية ببعضها وبسائر المراكز الأميركية الوسطى عبر طرق جديدة ومحطات كهربائية وتلفونية. كذلك تضمنت الخطة التركيز على بناء آليات موحدة لمكافحة الكوارث، وتحسينات صحية وتعليمية وإسكانية متبادلة، وتطويراً للاستثمار في البلدان جميعاً، وإقامة مؤسسات وطنية وإقليمية متبادلة، فضلاً عن إجراءات حماية البيئة. وفيما تستثير هذه الخطة بعض التفاؤل للمستقبل، فإن نقادها يشككون بصدق الرغبات في ما يخص مكافحة الفقر وتنظيف البيئة، معتبرين ان التركيز كله سيتجه الى اطلاق تنمية صناعية لا سيطرة عليها، ومن النوع الذي سبق ان حوّل المنطقة الحدودية بين المكسيكوالولاياتالمتحدة الى كارثة بيئية واجتماعية. لكن يبقى من الضروري تجنب الجزم الاستباقي، فخطة بويبلا - باناما تظل اول خطة لأميركا الوسطى تتحقق من دون دعم خارجي، وبقيادة طرف محلي هو المكسيك. والمهم ان تتجه الجهود كلها لإقناع السياسيين بالمضي قدماً في المشروع وتنفيذه بأقل ما يمكن من الفساد الذي اشتهرت به بلدان تلك المنطقة، أو معظمها جغرافيا واقتصاد - المكسيك: سكانها 99 مليوناً. معدل الدخل الوطني للفرد فيها 8297 دولاراً. ومتوسط نمو ناتجها القومي 6،5 في المئة. - بيليز: سكانها 230 ألفاً. الدخل الفردي 4959 دولاراً. نمو ناتجها القومي 5 في المئة. - غواتيمالا: سكانها 4،11 مليون. الدخل الفردي 3674 دولاراً. نمو ناتجها 1،4 في المئة. - هندوراس: سكانها 4،6 مليون. الدخل الفردي 2340 دولاراً. نمو ناتجها 7،2 في المئة. - السلفادور: سكانها 3،6 مليون. الدخل الفردي 4344 دولاراً. نمو ناتجها 2،3 في المئة. - نيكاراغوا: سكانها 5 ملايين. الدخل الفردي 2279 دولاراً. نمو ناتجها 5،5 في المئة. - كوستاريكا: سكانها 4 ملايين. الدخل الفردي 8860 دولاراً. نمو ناتجها 6 في المئة. - باناما: سكانها 9،2 مليون. الدخل الفردي 5875 دولاراً. نمو ناتجها 6،3 في المئة.