أحدث قرار الحكومة اليمنية مطلع أغسطس الجاري رفع سعر وقود الديزل هزة في أسعار بعض السلع والخدمات وفي موازنة الدولة وعلاقة الحكومة بأحزاب المعارضة، إذ ارتفعت تبعاً للقرار أسعار الكهرباء والاتصالات وبعض السلع وفي مقدمها الخبز بنسبة 100 في المئة من 5 إلى 10 ريالات لقرص الرغيف وأسعار سلع مستوردة تبعاً لإرتفاع صرف الدولار بزيادة 1 في المئة تقريبا، من 168 الى 50/169ريالاً للدولار الواحد. إلا أن السلطات المعنية بالرقابة على الأسعار استطاعت خلال اسبوع إعادة سعر الخبز إلى ما كان عليه. وفي جانب موازنة الدولة للعام الحالي استمر دعم المشتقات النفطية كالغاز 210 ريالات للإسطوانة والبنزين 35 ريالاً للتر والكيروسين والمازوت، وبلغت جملة الدعم 23 ملياراً و985 مليون ريال. وأكثرها استهلاكا للدعم كان الديزل. وعلى صعيد علاقة الحكومة بالمعارضة، كان رد فعل قادة أحزابها على القرار إصدار بيان وعقد مؤتمر صحافي أعلنوا فيهما أن هذا القرار جاء مفاجئاً، وأنهم اتخذوا قرارا بوقف الحوار مع الحكومة حول تعديل قانون الإنتخابات حتى ترجع عن قرارها رفع سعر الديزل. وتصاعدت ردود الفعل في أبرز جوانب الحياة العامة في اليمن وأطرافها وفئاتها. كانت حكومة المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم برئاسة عبدالقادر باجمّال قد مهدت لقرار رفع سعر الديزل من 10 إلى 17 ريالاً للتر الذي تم اتخاذه وبدئ في تنفيذه من دون إعلانه رسميا، بقرارات وإجراءات عدة بدأت بتغييرات في قيادات وزارة المال، شملت أكثر من 15 موقعا 4 وكلاء و 6 وكلاء مساعدين ورئيس مصلحة الجمارك، وفي يوم صدور قرار رفع سعر الديزل 26 يوليو، أصدرت الحكومة قرارات أبرزها رفع مرتبات العاملين في أجهزة الدولة بنسبة 15 في المئة للمدنيين و 25 في المئة للعسكريين إبتداء من آب اغسطس الجاري، وقرارات لدعم الإنتاج الزراعي والمزارعين بوصفهم المتضرر الأول من رفع الدعم عن الديزل المستخدم في وقود آليات الري، وذلك بإعفاء مدخولات الزراعة من الرسوم الجمركية. ويمثل هذا البند في موازنة الدولة نسبة 5 في المئة من قيمة السلع المستوردة، وتخصيص الأراضي الريفية المستصلحة للمزارعين المنتجين، وإعطاء الأولوية للقطاع الزراعي والمزارعين في القروض الميسرة من البنوك المحلية، ودعم المشروعات التنموية المتوقفة أو المتعثرة . إلى جانب الحملات الرقابية والإعلامية لمنع أي تجاوزات في رفع أسعار المشتقات النفطية الأخرى، ولتكريس مبررات القرار ومنها أن دعم الديزل سبب اختلالات هيكلية في الاقتصاد كبدت الدولة حوالي 80 مليار ريال سنويا، 90 في المئة منها لدعم الديزل، وأن الدعم لا يذهب إلى المزارع بقدر ما يذهب لمصلحة المهربين إلى خارج البلاد، كما أن انخفاض سعره ساعد على انتشار الآليات والسيارات العاملة أو التي تم تحويلها للعمل على الديزل وما سببه هذا من زيادة في التلوث البيئي. وعممت إدارة المرور في وزارة الداخلية توجيهات إلى مختلف المحافظات تم نشرها في الصحف الحكومية بإيقاف السيارات التي تم تحويل وقودها من البنزين إلى الديزل و"منع صرف أرقام لوحات الأجرة للسيارات التي تعمل على الديزل". ووجهت بحصر سيارات الديزل والورش التي تقوم بتغيير محركات السيارات إلى الديزل لتأكيد تنفيذ القرارات. مما لم يعلن عنه في هذا الصدد أن من الإجراءات الإحتياطية التي تم إتخاذها قبل اعلان قرار الديزل "رفع درجة الإستعداد لدى أجهزة الأمن في العاصمة وبعض المدن اليمنية لإحتمال ردود فعل شعبية عامة كما حدث في الماضي". حسبما قال ل"الوسط" مصدر حكومي، في إشارة إلى توقع اندلاع تظاهرات. وأضاف أن هذا لا يعنى رد الفعل التلقائي للمواطنين، "بل جهات حزبية ومتحزبة تستغل مثل هذه المناسبات للتحريض والاثارة". وهي اشارة إلى أحزاب المعارضة من جهة وإلى أكبر تظاهرات شهدها اليمن في ظل الوحدة، إنفجرت في ظروف مشابهة في حزيران يونيو 1998 إحتجاجا على قرارات الحكومة حينها برفع الدعم عن القمح والدقيق والبنزين. واستمرت التظاهرات ما يقرب من أسبوعين، اجتاحت العاصمة صنعاء وسائر المدن الأخرى، وسببت صدامات مع قوات الأمن نتج عنها ضحايا وجرحى وخسائر مادية كبيرة. واتهمت السلطة أحزاب المعارضة بالحض على التظاهر. ويرى المسؤولون في صنعاء أن أحزاب المعارضة وفي مقدمها "الاصلاح" و"الاشتراكي" و"الوحدوي الناصري" تقف في خلافها مع الحكومة الموقف نفسه، خصوصا أن قادة هذه الأحزاب حذروا من إنفجار الشارع العام "لأن الشعب إذا فقد ثقته بالدولة وأحزاب المعارضة فإن هذا في ظل المعاناة الشديدة قد يدفعه إلى الإنفجار". طبقاً لعبدالملك المخلافي الأمين العام ل"الوحدوي الناصري". وتجدر الإشارة إلى أن هذه "الجرعة" - حسبما يطلق في اليمن على قرارات رفع الدعم - كانت متوقعة منذ منتصف العام 2000، إلا أن الرئيس علي عبدالله صالح وجه المعنيين في الحكومة بتأجيل القرار. وكانت مصادر في صنعاء قد أكدت مطلع نيسان ابريل الماضي ان البنك الدولي نبه الحكومة إلى أن تنفيذها توصياته برفع الدعم عن المشتقات النفطية قد تأخر. وهو أمر قد يدفع البنك إلى المطالبة بفوائد القروض التي قدمها إلى اليمن. وكانت مصادر قيادية في حزب المؤتمر الحاكم نقلت ل"الوسط"، أن قيادات الحزب اعترضت على قرار الحكومة وحالت دون إعلانه. وبررت اعتراضها بأن إعلان "الجرعة" من شأنه أن ينعكس سلبا على الحزب الحاكم في الإنتخابات النيابية والمحلية التي كان مقررا إجراؤها مطلع العام الحالي. وفي الوقت ذاته كان المبرر نفسه حاضرا في أذهان المسؤولين في الدولة عن إعداد مشروع التعديلات الدستورية وما يتطلبه إقراره عبر استفتاء شعبي عام. وتم بالفعل تأجيل القرار القاضي برفع سعر الديزل والمشتقات النفطية الأخرى. ومع أن إصداره تأجل عاما كاملا، فإن حسابات الحكومة لرد الفعل بحسب المصادر السالفة دفعها إلى عدم الإعلان رسميا عنه، ولكن إتخاذه كان خيارا لا بديل عنه، ليس فقط حفاظا على علاقات الدعم مع البنك الدولي، بل، كما يقول خبراء يمنيون، لأن إتخاذ القرار بحد ذاته "إجراء صحيح يتناسب مع طبيعة وواقع الإقتصاد اليمني، فالدعم يكلف الدولة أكثر مما يفيد المواطن" طبقاً للخبير الاقتصادي اليمني عبدالله البركاني الذي أشار إلى ما ينتج عن الدعم من مضاعفات سلبية على بناء الإقتصاد في دولة نامية كاليمن، "بوصفه يشكل وضعاً استثنائيا غير مستقر". وهناك قياديون في أحزاب المعارضة، يلتقون مع الرأي السالف بشكل أو بآخر، إذ أوضح عدد منهم ل"الوسط"، أن الإعتراض لا يستهدف القرار بحد ذاته، وهدفه المباشر كإجراء يتم في نطاق الإصلاح الإقتصادي، لكن الإعتراض يأتي، على "الجرعات السعرية المبررة بالإصلاح من دون أن تتخذ الحكومة أي إجراء ضد الفساد والمفسدين"، حسبما أوضحت أحزاب المعارضة في آخر بيان لها. وصف البيان الإجراءات الحكومية بأنها "لا تنتهج السبيل الصحيح لحل الأزمات الإقتصادية والمعيشية للشعب لأنها تقتصر على إثقال كاهله بالأعباء في الوقت الذي تتضخم فيه قوى ومصالح الفساد". وأكد قادة هذه الأحزاب تمسكهم برفض القرار عن طريق الوسائل الرسمية ومقاومة هذه الجرعة حتى إسقاطها. ويرى المراقبون أن المعارضة وضعت نفسها في موضع صعب أمام الحكومة والرأي العام، "لأنها لا تستطيع إسقاط الجرعة ولا تملك لمقاومتها ما يقنع الحكومة أو يفرض عليها إلغاء الجرعة". حسبما قاله ديبلوماسي يمني سابق. ويبدو من المنظور العام للساحة اليمنية أن المقتنعين بتغلب هذا الخيار أكثر من المقتنعين بقدرة المعارضة على إسقاط القرار