حديقة النباتات Le jardin des plantes في باريس، حديقة الملوك في السابق، تحولت علبة مجوهرات ضخمة لتستقبل حجراً ملكياً هو الماس. فللمرة الأولى تجتمع أغلى الماسات والمجوهرات في العالم، كرمى لعيون زائري هذا المعرض فقط. ولم يكن من الغريب أبداً اختيار غاليري "علم المعادن" مكاناً لهذا المعرض. فالماس معدن طبيعي، واكتشاف سره سمح لعلماء الجيولوجيا بفهم حركة الكوكب الأرضي في العمق ومن الداخل. ونظراً الى أهمية هذه التظاهرة وضخامتها فقد شارك أهم المتاحف الفنية العالمية، ووافقت البرتغال على اخراج كنوز التاج البرتغالي للمرة الأولى من وطنها الأم بفضل حجة اقناع قوية استعملها المعرض وتكمن في اهتمامه بمناجم البرازيل. اما اصحاب ومالكو المجوهرات الهندية الراقية والفاخرة فلقد أقنعهم وجذبهم تصميم المعرض على تقديم الأدب والفلسفة اللذين يعتبران جزءاً لا يتجزأ من الماس في الهند، في اطار المعرض. وتليق غاليري علم المعادن والجيولوجيا التي تستضيف المعرض، والتي شيدها الملك شارل العاشر، بهذه التظاهرة التاريخية. فصالة الأعمدة التي يبلغ طولها مائة متر والصالات الاخرى التابعة لها استقبلت في أرجائها 350 قطعة من الماس والمجوهرات النادرة، ما جعل الحراسة مشددة جداً، وهكذا ارتدت كل الأبواب أثواباً من الفولاذ، اما الزجاج فصفّح ليثني عن السرقة اكثر اللصوص مهارة وخفة. ما يلفت في هذا المعرض اهتمامه بالماس من ناحيته الطبيعية وليس الجمالية فقط، حيث ان اول صالة من المعرض تقدم للزائر موضوع الماس كأعجوبة الفيزياء - الكيمياء والطبيعة، وهنا يكتشف الزائر وجود آلاف الماسات الخام التي احتفظ بها للتمتع بجمالها الاصلي والفطري ومنها ما يتجاوز 600 قيراط. هذه الماسات الخام سلّمت للعلماء اخيراً استمرار تشكلها وتكونها في باطن الارض، وعلى عمق اكثر من مئتي كيلومتر. واذا ما ابتعدنا قليلاً عن كوكبنا الارضي لنبحر في عالم الفضاء مع بقائنا على ارض الواقع، تبهرنا فكرة ان الماس موجود ايضاً على كواكب وفي عوالم أخرى. وهذه ليست ابداً خرافة او نتيجة خيال واسع، فالمعرض يقدم فرصة نادرة لرؤية نيزك "أورغوي" Orgueil، المرصع بمئات الماسات. ولقد اطلق هذا الاسم على النيزك تيمناً بالقرية الفرنسية الهانئة التي سقط عليها وكأنه قد اختارها عن عمد لأن اسمها يعني الكبرياء، نظراً الى افتخاره بماساته الجميلة والقديمة التي يتجاوز عمرها عمر النظام الشمسي. نعود الى ماساتنا الأرضية لنشير الى ماسات نادرة التي في المعرض تؤلف مجموعة "قوس قزح" لصاحبها آدي إيلزاس وهي عبارة عن 150 ماسة ملونة ونادرة جاءت من كل أنحاء العالم وتحتوي على خمس ماسات حمراء من اصل 11 ماسة مكتشفة في العالم. وعلى رغم ان الماس الأحمر نادر جداً، إلا أن الأسود منه استطاع ايضاً اقتحام الاسواق العالمية والدخول الى ابتكارات أهم دور المجوهرات، وذلك بفضل دار "دو غريزو غونو" De Grisogono السويسرية لصاحبها فواز غرويوزي اللبناني الأصل الذي أتته الفكرة لإدخال الماس الأسود الى المجوهرات على رغم انه كان يعتبر لوناً بشعاً وقبيحاً. وتقدم هذه الدار ماسة Spirit of De Grisogono وهي اكبر ماسة سوداء في العالم يبلغ وزنها 300 قيراط. ومن الماسات النادرة التي يقدمها المعرض ماسة "الناساك" Le Nasak المعروفة ايضاً باسم "عين الوثن" L'oeil de lidol، والتي يكشف عن جمالها مالكها مبتكر المجوهرات اللبناني روبير معوض، وكانت هذه الماسة الأسطورية تزين جبهة "شيفا" Shiva في معبد هندوسي، وتعرض هذه الماسة حالياً ضمن حلية من ابتكار دار Cartier، لكنها بعد المعرض ستفكك لتدخل الى اطار جديد من ابتكارات معوض، ومن يدري، فقد تتواصل قصة هذه الماسة التي تناقلها الملوك والأثرياء في قصر ملكي آخر. والجدير بالذكر ان مجموعة معوض للمجوهرات هي الراعي الأول لهذه التظاهرة. في إحدى واجهات المعرض الزجاجية المحصنة تلفت الأنظار حلية ماسية توسطت تاج المهراجا تعيدنا الى روايات كتبت بماء الورد. ومن الماسات التي تعرض للمرة الاولى ايضاً ماسة "نجمة افريقيا الجنوبية" التي لم ترها عين منذ اكتشافها منذ اكثر من قرن. وبعد الماسات الخام المصقولة والمنحوتة والحلى النادرة والمناجم التي شكلت الجسر الذي عبرت عليه الماسات من علم الخيال الى أرض الواقع، نصل الى عالم فني بحت هو عالم الفن التشكيلي الذي اتخذ محطة له غاليري اللوحات التشكيلية، وفيها نجد لوحات تاريخية اختيرت لتبرز للزائر الدور الذي لعبه الماس تاريخياً. ومن اللوحات المعروضة لوحة دوقة انغولام Angouleme ابنة لويس السادس عشر وماري انطوانيت، وتظهر فيه الدوقة متقلدة مجوهرات والدتها الماسية. والمحطة الاخيرة صالة الكنوز التي تعتبر اكبر غرفة محصنة في فرنسا وتجمع كنوزاً ومجوهرات نادرة وتاريخية منها ما يعود الى التاجين الفرنسي والبرتغالي، وبينها واحدة كان يملكها الملك فاروق. والطريف ان هذا المعرض سمح بلمّ شمل كنوز وحلى فرّقها الزمان.