بين الماس والنجوم صلة. معروف أن كليهما جُبل من طينة الجمال والندرة. لكن من كان يظن أنه يشاطرها الوطن نفسه؟ فالحجر الثمين، حسب كشوفات أخيرة، يسكن الفضاء وتكاد السماء تكون منجماً يزخر بكميات وفيرة منه. إلا أن الإنسان لا يستطيع أن يغرف من هذه الثروة، لأن الوصول إلى كواكب ذات نواة صلبة من الكربون الكريستالي مثل أورانوس ونبتون لا يزال متعذراً. وإلى أن تغدو هذه الكواكب مربطاً لخيل الباحثين عن الماس، يمكن للمرء أن يحلم بنيزك ماسي ضل طريقه وانتهى به المطاف إلى الأرض فكان بمثابة نعمة هبطت من السماء. أما النجوم اللواتي يرصعن الشاشات الكبيرة والصغيرة ويطرزن ليالي عالم الأزياء المخملية، فتجمعهن بالماس صداقة لدودة. يسابقنه بصمت على اختطاف الأضواء، ووحده الصانع الماهر يملك مفاتيح السلام بين الطرفين. وحين يبدع تصاميم موفقة تنجح في استثمار بهاء الحجر الثمين والوجه الحسن، تضع "الحرب الباردة" أوزارها، وتغدو المجوهرات الماسية ضرورة لا بد منها كي تكتمل البهجة وتبتسم النجمات. وليس أهم من ثنائي الماس والنجوم لمصممي الأزياء الحريصين على إبراز جمال ابتكاراتهم. هكذا تغدو الحلى الماسية عنصراً أساسياً من عناصر النجاح في عالم الموضة. فهي أشبه بقطعة كريستال تتوهج فتضيء روعة الثوب وجمال الحسناء التي ترتديه. شركة "دي بيرز" التي تعتبر المرجع الأول في العالم عن الماس منذ تأسيسها العام 1880، تدرك هذا السر. ولذا سعت منذ سنوات عدة إلى تعزيز علاقتها مع صناعة الموضة. وفي سياق بحثها عن الصيغة المثلى لتحقيق هذه الغاية، نفذت الشركة مشاريع، آخرها احتفال شهدته لندن قبل أسابيع. في تلك الليلة وضعت "دي بيرز" يدها في يد دار "فيرساتشي" للأزياء، ولوحتا معاً بتحية الوداع للألف الثانية. وخلال السهرة التي غصت بحوالي 600 من المشاهير، ورعاها ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، نجح الشريكان في إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد. اتخذ اللقاء عنواناً له شعار "ماس إلى الأبد" الذي رفعته "دي بيرز" على امتداد نصف قرن ونيف، فصار بمثابة علامة فارقة لها ولبضاعتها النادرة. هكذا سلطت الحفلة الضوء على معجزة الماس الأولى: خلوده الذي يجعله مؤهلاً بامتياز لاسدال الستار على ألف عام واستقبال ألف أخرى. وليس من منافس للماس على هذا الدور حسب رئيس "دي بيرز" انتوني اوبنهايمر الذي تساءل في كلمته: ما الذي كان شاهداً على بداية الألف سنة الماضية، وسيبقى حاضراً خلال الألف المقبلة سوى الماس؟ وفيما يتوقع أن تتزين 20 مليون عروس في أنحاء العالم بمصوغات ماسية في العام المقبل، ثمة أحجار ماسية يقدر عمرها بمئات آلاف السنوات. وسر بقاء الماس رمزاً للحب والجمال عبر هذه القرون يعود في جانب أساسي إلى سحره الآخاذ الذي بهر المدعوين إلى تلك السهرة اللندنية. فالأحجار النفيسة تحولت مصوغات تتدلى من جيد عارضة فاتنة مثل ناومي كامبل أو كريستينا كروس، او تغمر كيت موس أو أمبر فالتيا بضوء باهر يزيد ثوبها المترف جمالاً على جمال. وابتكرت الحلى الماسية ثمانية من أشهر بيوتات تصميم المجوهرات في العالم. وفيما قدمت "ريبوسي" سواراً لمعصم الجميلة من الماس الأصفر والذهب الأبيض، اختارت "بولغاري" ان تحتفي بالرأس فسيجته بقوس من الذهب الأبيض الذي يزدان ب253 ماسة ويستطيل فتتحول كل من نهايته قرطاً يتألق بماساته الصفراء والبيضاء. أما "ميكيموتو" فصممت "بروش" على شكل ريشة تتلوى خيوطها حول ماسة نادرة ترتاح بجلال وسط الحلية. ولم يفت "شوميه" و"شوبارد" و"غراف" و"ديفيد موريس" و"آسبري وجيرارد" أن تعتني بالعنق، إذ تفننت كل منها بابتكار قلادة تكاد تلتصق بجيد الحسناء أحياناً. وبينما اكتفى بعض هؤلاء المصممين بمزاوجة الماس والذهب الأبيض، آثر آخرون أن يضيفوا البلاتين إلى باقة الأحجار الثمينة التي علقوها على أعناق الجميلات. أما الأزياء، فكانت تمثل المجموعة الأولى التي تعرضها في لندن دوناتيللا فيرساتشي منذ تسلمت دفة القيادة بعد مصرع أخيها جياني قبل أكثر من سنتين. وواضح ان الفنانة الايطالية فكرت ملياً بالتصاميم التي ستأتي مسلحة بها للوقوف بين يدي الجمهور اللندني. لكن هل كان بوسعها أن تختار لاطلالتها الأولى مناسبة أهم من احتفال بوداع الألفية الثانية، ورفيقة أرفع من "دي بيرز" ومجوهرات أبهى من المجموعة التي قدمتها نخبة الصاغة المشهورين، أو عارضات أحلى من أولئك اللواتي خفرنها ذلك المساء؟ ولئن حقق كل من الشريكين غاية مهمة، فإنهما لم يحتكرا الفوائد التي تمخض عنها العرض المزدوج. فقد قاسمتهما المنفعة ثلاث جمعيات خيرية هي "صندوق أبحاث سرطان المبيض" و"مؤسسة أمير ويلز للعمارة والبيئة" و"نادي غيلدا اللندني" المعني بتقديم المساعدة النفسية والاجتماعية لمرضى السرطان وذويهم. وعاد ممثلو الجمعيات الثلاث من السهرة وفي جعبتهم تبرعات زادت على ربع مليون جنيه استرليني. صحيح ان لسهرة الألفية الثانية نكهة خاصة، لكنها ليست المرة الأولى التي يتعانق فيها جمال الماس مع فتنة الوجوه والأزياء في ليلة تتألق بالنجوم. ويكفي الالتفات إلى إحدى مناسبات مواسم الأزياء في باريس أو لندن أو ميلانو أو نيويورك كي يلمس المرء مكانة المجوهرات الماسية التي غدت مصدراً للمظهر الرصين الذي يطغى على المواد التجميلية والموضة. ودأبت "دي بيرز" على الاحتفاء، بطريقتها الخاصة، بالمناسبات البارزة عالمياً. وتعبيراً عن بهجتها في ذكرى مرور 50 عاماً على تأسيس مهرجان "كان" السينمائي قبل حوالي سنتين، رصعت باقة من حسناوات السينما والأزياء بمجوهرات ماسية صممها هاري ونستون فنشرن السحر بين الحضور. لايقتصر اقتناء المجوهرات الماسية على أهل الفن والثراء، بل صار في متناول الانسان العادي. هكذا لم يعد الحجر الثمين بعيداً عن أصحاب الدخل المتوسط. ولماذا لا يصبح قريباً، والإنسان العادي يتنهد لمرآه فيما تشعر المرأة، ثرية كانت أو فقيرة، بأنها جميلة شكلاً ومضموناً بفضل الماس؟ هكذا صار بوسع المرء أن يشتري خاتماً أو أسواراً مرصعة بالماس لعروسه ببضع مئات من الدولارات. وفيما كان الحجر النفيس رمزاً للمناسبات الرسمية المترفة وحدها، صار الصاغة يوفرون للمرأة حلياً ماسية تليق بفستان السهرة، وأخرى تنسجم مع بنطال الجينز الأزرق. وفي كلتا الحالتين يبقى الماس الاكسسوار المفضل، لأنه يبرز معالم الجمال ويجعل صاحبته تتألق كالنجمة. ونزول الماس من برجه العاجي لم يؤثر على مكانته. صحيح أنه لم يعد نائياً كالكواكب، لكنه حافظ على صفة أساسية تجمعه بها: الندرة والتميز اللذان يجعلان ماسة مختلفة عن الأخرى وكأن كلاً منها عالم قائم بذاته. التنقيب عن المواهب ولم تكن صناعة المجوهرات الماسية لتزدهر لولا أن التنقيب عن المواهب الجديدة بين المصممين يتم باجتهاد يكاد يضاهي الاجتهاد في التنقيب عن الأحجار النفيسة ذاتها. وكما تعرض بانتظام ما تستخرجه من أغوار الأرض، درجت "دي بيرز" أيضاً على تكريم الموهوبين الجدد في احتفال كبير تقيمه للاعلان عن الفائزين بجوائز "مسابقة الماس العالمية" التي تجريها مرة كل سنتين. وبدأت هذه المسابقة التي يتبارى آلاف المصممين من أنحاء العالم على اختطاف واحدة من عشرات الجوائز المرموقة التي توزعها، العام 1953. وإمعاناً في إبراز الصلة الحميمة التي تجمع الماس بعالم الموضة، تقام المسابقة في باريس خلال أسبوع "الأزياء الراقية" اوت كوتور. واشترك فيها العام الماضي 2288 مصمماً من 43 دولة، فاز 25 منهم بجوائز المسابقة. وليس من قبيل المبالغة القول إن هذه المباراة تبث الحياة في صناعة المجوهرات وتسدي لها خدمة لا تقل أهمية عن الدور الذي يؤديه أسبوع "اوت كوتور" لصناعة الموضة العالمية. وللحفاظ على ازدهار سوق الماس واستقرارها أسست "دي بيرز" هيئة اطلقت عليها "منظمة البيع المركزية" التي تشرف منذ حوالي 65 عاماً على إدارة سوق الماس العالمي. ولعبت هذه المنظمة دوراً بارزاً في تنظيم تجارة الماس. لكن مهما فعلت الشركة، فالفضل الأول والأخير يعود إلى المستهلك الذي يزداد إقباله على المجوهرات الماسية. وكيف لا يفعل وهي تكاد تصبح من ضرورات الحياة، حسبما تقول الفنانة انجيليكا هيوستون التي لاحظت أنه : "إذا لم تخلد المرأة إلى النوم وهي تتحلى بمصوغاتها الماسية، فعليها أن تتزين بهذه المجوهرات قبل تناول الفطور كي تصبح وجبتها ممتعة ونهارها مشرقاً" حقائق ماسية تُعدّ صناعة المجوهرات الماسية ثمرة عملية بدأت قبل ملايين السنوات حين تشكل الماس في باطن الأرض. ولحظة الولادة الأولى تلك هي نقطة البداية على طريق يفضي بالماس إلى المستهلك بعدما تقطع مراحل عدة. 1- في أولى المراحل ينصرف مهندسو "دي بيرز" الجيولوجيون، الذين يزيد عددهم على 250 مهندساً واختصاصياً إلى سبر قارات الأرض الست بحثاً عن أنابيب "كمبرليت" و"لامبروليت" التي تضم الماس عادة. وتضع الشركة تحت تصرف هؤلاء أحدث الأجهزة ووسائل الاستشعار عن بعد لتحري مخابئ هذه الأنابيب، أو الصخور البركانية المدفونة في أعماق الأرض. 2- بعد العثور على الأنابيب تبدأ عمليات حفر المناجم واستخراج الماس. وتدير "دي بيرز" 19 منجماً في بوتسوانا وناميبيا وجنوب افريقيا، توفر وحدها ما يزيد على 50 في المئة من الماس العالمي الذي يستخرج من قاع البحر أو قلب الصحراء. 3- ثم يأتي دور التصنيف والتقويم والمشاهدة، اذ توزع الأحجار النفيسة على مجموعات تضم كل منها نماذج متماثلة من الماس، واستناداً إلى الخصائص الأربع التي تحدد قيمة الحجر الثمين: النقاء واللون والوزن المحسوب بالقيراط والقطع، تصنف نوعية الأحجار بأجهزة متطورة تساعد على التمييز بين حوالي 14 ألف صنف من الماس. وتعرض "دي بيرز" الماس المصنف مرة كل 5 أسابيع على زبائنها من تجار وممثلين لمراكز قطع الماس وصقله في سياق عملية البيع ب"المشاهدة". 4- بعد البيع يحين موعد القطع والصقل. وهذان يمثلان المرحلة الرابعة في خط انتاج الماس، والمقدمة الأولى لدخول الماس في مطهر الفن. هنا يشذب الحجر الكريم ويعالج فتبرز محاسنه وتختفي الصفات التي وسمته بها ولادته العنيفة في رحم الأرض. والقطع والصقل عبارة عن مهارات فنية متوارثة غالباً. 5- في المرحلة الخامسة يخضع الماس المصقول إلى عملية تصنيف جديدة على أساس الخصائص الأربع. وتنتهي الأحجار المصقولة إلى خزائن بائعي الجملة والتجار في انتورب ومومباي ونيويوركولندن وغيرها من مراكز الماس التقليدية. 6- ومن التجار إلى الصاغة الذين يتحول الماس على أيديهم مجوهرات وقطعا فنية بديعة، في المحطة السادسة على خط رحلته الطويلة. وتنتهي الرحلة بوصول الحلى الماسية إلى أسواق البيع حيث يعثر عليها المستهلك. للحصول على قيراط واحد من الماس قد يضطر عمال المنجم إلى تحطيم حوالي 250 طناً من صخور كمبرليت بمكاسر خاصة. قطع ماسة واحدة وصقلها قد يتمان في أسابيع، لكنهما يستغرقان أحياناً سنوات. المنجم الأول الذي حفرته "دي بيرز" العام 1891 في افريقيا لا يزال يجود بالماس بسخاء. يتحول موقع واحد لترسبات صخور "كمبرليت" البركانية منجماً للماس من أصل كل 200 موقع يعثر عليها، مما يفسر سبب ندرة هذا الحجر الثمين. ثمة وثائق تاريخية تشير إلى أن الأوروبيين مارسوا صناعة المجوهرات الماسية أواسط القرن الرابع عشر، فيما زاولها الهنود منذ القرن السادس في بلادهم التي تعتبر الوطن الأصلي للماس. وكانت خرافات وأساطير كثيرة تحيط بسيرة الماس في الهند وغيرها. الولع بالماس لا يقتصر على الممثلات المعاصرات، فالفنانات اللواتي تمتعن بشهرة اسطورية مثل مارلين ديتريش وكاترين هيبورن ومارلين مونرو راق لهن التحلي بالماس. ويذكر ان الصبية هيبورن التي فتنت العالم بجمالها الغض ظهرت في فيلم "فطور في تيفاني" وهي تتزين بماسة صارت الأكثر شهرة في العالم. معروف ان قساوة الماس تجعله مؤهلاً للاستعمال في الأجهزة الالكترونية والأدوات الجراحية. وتذهب كمية كبيرة من الماس الذي تستخرجه "دي بيرز" للاستخدامات العلمية. وفضلاً عن ذلك، فإن مخابر الشركة في جنوب افريقيا وأوروبا تنتج قدراً وافراً من الماس الصناعي المناسب للطب والالكترونيات. المجوهرات الماسية والشرق الأوسط تحظى المجوهرات الماسية برواج متزايد في الشرق الأوسط، حسب احصاءات ميدانية. أسست "دي بيرز" قبل نحو ثلاث سنوات في جدة "مركز خدمات ترويج الماس" لسد حاجات الصاغة وتجار المجوهرات الماسية في منطقة الخليج. يتعاون هذا المكتب مع "مركز معلومات الماس" التابع للشركة المعني بنشر المعرفة المتعلقة بالحجر النفيس وصناعة مجوهراته وتصاميمها البديعة. تسعى "دي بيرز" إلى التواصل المستمر مع المستهلك العربي، ما يدفع إلى تعميق معرفتها بالمنطقة وعاداتها وثرائها الثقافي. تشير الدلائل إلى أن السيدة الخليجية تفضل الساعات والخواتم والحلى البسيطة المرصعة بالماس ذات التصاميم العربية والشرقية. يبدو ان المستهلك العربي معجب بالمصوغات التي تأتي ثمرة تزاوج موفق بين الماس بنوعيه الابيض والأصفر والمعادن النفيسة البيضاء مثل البلاتين والذهب. وتعشيق الماس والمعادن البيضاء الثمينة يلقى الثناء في الشرق الأوسط، خصوصاً عندما يستثمر لابتكار مصوغات الافراح و"دبلة" الخطبة.