عندما عرضت شركة رينو قبل حوالي عشر سنوات سيارتها الصغيرة توينغو Twingo ذات التصميم الغريب، تساءل كثيرون كيف يمكن تسويق هذه السيارة بمقدمها النافر و"عينيها" المستديرتين. لكن بعد عشر سنوات اندمج هيكل هذه السيارة، بخطوطه اللافتة، في المشهد العمراني العام، بعدما انتجت رينو من هذا الموديل حوالي مليوني سيارة. اليوم تكرر رينو ما فعلته في العام 1992، بانزالها الى الأسواق سيارتين دفعة واحدة، لا سيارة واحدة، وبتصميم هو أكثر غرابة من تصميم توينغو. "أفانتيم" المتوسطة و"فال ساتيس" الفارهة مرشحتان لصدم ذوق الجمهور، فهما خارج المألوف في عالم صناعة السيارات سواء في أوروبا أم في الولاياتالمتحدة أم في اليابان، ولا يمكن وضعهما في خانة زمنية، فتصميمهما لا يعود الى النصف الأول من القرن العشرين، مثل سيارة كرايسلر الجديدة كرويزر المدهشة هي أيضاً بخطوطها التي تعود الى ما قبل الخمسينات، ولا الى زمن مقبل أرادت رينو الفرنسية استشرافه. لكن لماذا تصنع رينو مثل هذه السيارات؟ تكمن قوة الشركة الفرنسية في كونها سباقة في التجديد، الى درجة ان هويتها الحقيقية أصبحت قائمة على طريقتها في الاتصال بالزبون. والاتصال بالزبون معناه اعطاؤه صورة ثابتة عن الشركة، وصورة رينو هي التجديد، في هيكل السيارة وخطوطها وليس بالضرورة اطلاقاً في قوة المحرك ونوعيته ولا في الاضافات التكنولوجية. فهي تكتفي بإضفاء لمسات من الفانتازيا على سياراتها. وفي الواقع فإن ذوق المستهلك بدأ ينحو منحى جديداً، فبعدما كانت قوة المحرك ونوعيته أو اتساع داخل السيارة أو غيرها من المواصفات، المبادئ التي يستند اليها في اختيار سيارته الجديدة، أصبح يبحث عن مواصفات تميز سيارة عن أخرى. وبعبارة أخرى أصبح يطلب التميز. فقد سادت طوال العقود الثلاثة الأخيرة سيارات تشبه بعضها بعضاً تقريباً، خصوصاً مع المؤشرات الأولى للعولمة، ففقدت شركات السيارات شخصياتها المميزة. ولم يعد المستهلك يجد فرقا كبيرا بين سيارة اوروبية وسيارة يابانية او اخرى اميركية. وحدها شركة رينو استطاعت ان تخرق هذا الروتين باستنباطها مفهوماً جديداً للسيارة من خلال هيكل غير مألوف لا شبيه له لدى عشرات مصانع السيارات في العالم. ولاستنباط مفهومها الهندسي الجديد تعتمد رينو على خلية من المصممين، ليسوا بالضرورة متخصصين في تصميم السيارات، فبينهم مصممو بضائع أخرى لا علاقة لها بالسيارات. وبينهم خبراء في الاقتصاد وعلماء نفس وعلماء اجتماع وخبراء في الديموغرافيا. وكانت النتيجة التي توصل اليها فريق العمل هذا ان هناك فئة من المستهلكين تسبح عكس التيار وتفضل اللامألوف في كل شيء. وكان ان وضع المصممون الخطوط الأولى لسيارة "فال ساتيس" الفارهة والتي تشبه مركبة فضائية، إلا أنهم استبقوها بشقيقة صغرى لها هي "افانتيم" كي يعتاد التقليديون على مظهرها، بضعة أشهر قبل انزال "فال ساتيس" الى الأسواق. غير أن هذه "الثورة" في مصانع رينو تركت بصماتها على قطاع مهم من العاملين فيها، خصوصاً المهندسين الميكانيكيين والمخططين والباحثين الذين ازداد استياؤهم عندما اختارت الشركة مصمم الأزياء جان بول غوتييه ليشاركها في حملتها الاعلانية لاطلاق سيارتيها الجديدتين، اذ اعتبروا ان اتجاه الشركة التجميلي الخارجي لا علاقة له بصناعة السيارات. لكن خلاف المهندسين والمصممين لا يمنع ان تخرج "فال ساتيس" من مصانعها لتحل محل "سافران" التي توقف انتاجها، وتنافس السيارات الألمانية، خصوصاً في الراحة التي تمنحها للسائق، وعلى الاخص لقدميه. وتراهن "فال ساتيس" على حوالي 1.9 مليون مستهلك للسيارات الفارهة في أوروبا، حيث الحصة الكبرى هي للألمان. وقد غامرت رينو بمنازلة الألمان في عقر دارهم، وهي اذا كانت تعترف بأنها لا تقدم شيئاً أفضل منهم، في القطاع الذي تخصصوا فيه أي السيارات الفارهة، الا انها تحاول ان تقدم الجديد غير المألوف، وهو رهان صعب في زمن الانكماش الاقتصادي